في ظل استمرار الأوضاع الأمنية المتدهورة في مناطق سوريا الواقعة تحت سيطرة حكومة الجولاني والفصائل الإرهابية والجماعات المسلحة؛ وخاصة تلك التي تهيمن عليها جماعات إرهابية حاقدة على الشيعة والتشيع والعراقيين الأصلاء، مثل هيئة تحرير الشام (الجولاني) وبقايا تنظيم "داعش"؛ علماً أنَّ المخاطر في سوريا لا تقتصر على الاشتباكات المسلحة هنا وهناك فحسب، بل قد تمتد إلى انتشار الفصائل المتطرفة والعصابات والمافيات التي تعتمد على التمويل غير المشروع وتجنيد الأفراد؛ كما أنَّ وجود خلايا تابعة لتنظيم "داعش" في بعض المناطق السورية يضاعف التهديدات الأمنية، خاصة مع تزايد الهجمات العشوائية وعمليات الاختطاف...؛ أصبحت فكرة السفر إلى سوريا مغامرة غير محسوبة العواقب؛ لا سيَّما بعد تعرض الشيعة والأقليات فيها إلى عمليات خطف واعتقال وقتل وتعذيب؛ حتى وصل الأمر بهم إلى إساءة معاملة السياح العراقيين في مطار دمشق وفرض إتاوة عليهم كما اعترف بذلك النائب السابق مشعان الجبوري؛ إذ قال: "تم معاملة العراقيين القادمين من بغداد ليلة أمس بمطار دمشق بشكل مذل، وهو أمر مستفز ومرفوض تماماً"؛ وقد صُدم المسافرون العراقيون عندما فرضت عليهم حكومة الجولاني دفع 250 دولاراً كرسوم دخول إلى سوريا، حتى الأطفال يجب على ذويهم دفع هذا المبلغ عنهم؛ بينما تسمح حكومة الجولاني لدخول مواطني الكثير من الدول مجاناً إلى سوريا.
كل دول العالم والحكومات الوطنية تحرص أشد الحرص على حماية مواطنيها ورعاياها من شتى الأخطار والأضرار المادية والمعنوية، ورعاية مصالحهم والحفاظ على حقوقهم، إذ تلزم الدول بموجب القانون الدولي بحماية مواطنيها من الأخطار المحدقة، خاصة في مناطق تُصنف كـ"مناطق حمراء أو خطرة أو طائفية أو عنصرية... الخ"؛ لا سيَّما أنَّ التنظيمات الإرهابية والطائفية في سوريا تعمل على تجنيد العراقيين السنة وغيرهم، لتحقيق أهدافهم المشبوهة والمنكوسة لإلحاق الضرر بالعراق والأغلبية والأمة العراقية، وبما أنَّ العراق ملتزم بالتعاون الدولي والاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب، وضمان عدم تحوله ممراً للعنف أو مستقبلاً له؛ أصبح حظر السفر إلى سوريا ضرورة ملحة، لحماية العراق والعراقيين والمنطقة من الإرهاب.
إلا أنَّ الغريب في الأمر أنَّ النائب مشعان الجبوري يستنكر إهانة العراقيين الشيعة في مطار دمشق، والكثير من الجهات والأصوات تحذر من مغبة سفر العراقيين إلى سوريا؛ في الوقت الذي لا نسمع فيه تنديداً أو تحذيراً من ساسة الأغلبية العراقية ورجال الدين الشيعة العراقيين؛ وكأن الأمر لا يعنيهم؛ وهذه الظاهرة العجيبة وانعدام الوعي السياسي وغياب الشعور بالمسؤولية الوطنية والدينية والإنسانية؛ يثير تساؤلاتٍ ملحّة حول سماح الحكومة العراقية بل وتشجيع بعض الجهات الدينية على السفر إلى سوريا؛ وكان المفروض بها وبهم فرض حظرٍ على سفر العراقيين إلى سوريا، حمايةً لأرواحهم، ومنعاً لاستغلالهم من قِبل التنظيمات الإرهابية.
ففي خضم استمرار الصراعات وتجذر التنظيمات الإرهابية في سوريا وارتفاع الأصوات الطائفية الحاقدة وانتشار الدعوات التكفيرية، يصبح فرض حظر السفر إجراءً لا بد منه، وقراراً لا يحتمل التأجيل؛ إذ يجب على الحكومة العراقية إغلاق الحدود وتعزيز الرقابة الحدودية، وإطلاق حملات توعوية بمخاطر السفر إلى سوريا في الوقت الراهن، والتعاون مع المنظمات الدولية لمراقبة تحركات الإرهابيين، لكي لا يدفع العراقيون ثمناً باهظاً لفوضى ليست من صنعهم.
إقرأ أيضاً: من ينقذ الشيعة والعلويين من الإبادة الجماعية في سوريا؟!
البعض يعترض على ضرورة فرض الحظر، بحجة حماية الحريات الفردية، وحق المواطنين في السفر لزيارة الأقارب أو لأغراض إنسانية أو للزيارات الدينية، إلا أنَّ الحريات الشخصية ينبغي ألا تتعارض مع المواثيق الدولية والأمن الوطني. الأولوية يجب أن تكون لسلامة المواطنين؛ نعم تُعد حرية التنقل حقاً أساسياً يكفله القانون الدولي، لكنها ليست مطلقةً في كل الأحوال؛ ففي ظل التوترات السياسية أو الأزمات الأمنية أو النزاعات الطائفية والعنصرية، تفرض العديد من الدول قيوداً على سفر مواطنيها إلى دول تُصنف كـ"معادية" أو مناطق تشهد اضطراباتٍ عنيفة...؛ وهذا الإجراء الوقائي، رغم انتقاد البعض له، يهدف إلى تحقيق توازن بين ضمان حقوق الأفراد وحماية المصالح العليا للدولة، سواءً على المستوى الأمني أو السياسي أو الإنساني...؛ وعليه لا يُعد منع السفر إلى الدول المعادية أو المناطق الخطرة تعسفاً، بل آليةً وقائيةً ضرورية في عالمٍ تزداد فيه بؤر التوتر والاضطرابات؛ ومع ذلك، يجب أن تترافق هذه الإجراءات مع سياساتٍ فعالة لمعالجة الأسباب الجذرية وتعزيز الحلول الدبلوماسية للأزمات الدولية والإقليمية؛ فالحماية لا تعني عزل المواطنين عن العالم، بل ضمان أن تكون رحلاتهم آمنةً ومُثمرةً لهم ولمجتمعاتهم.
مخاطر السفر إلى سوريا على العراق والأغلبية والأمة العراقية:
1. المخاطر الأمنية: يُعرض المسافرون أنفسهم لخطر الاختطاف أو الاعتقال التعسفي أو الإهانة والاستغلال من قِبل الجماعات المسلحة، والتي قد تستخدمهم كرهائن أو دروع بشرية؛ كما أن التواجد في مناطق الصراع والاضطراب قد يعرّضهم لضربات عسكرية أو إرهابية غير مُحسوبة.
2. التداعيات القانونية: قد يُعتبر السفر إلى مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية تواطؤاً معها، مما يعرّض العراقيين للمُساءلة القانونية محلياً أو دولياً، وفقاً لقوانين مكافحة الإرهاب.
3. الكارثة الإنسانية: تعاني سوريا من انهيار البنية التحتية وانتشار الأوبئة، ما يجعل إصابة العراقيين بالأمراض المعدية أمراً وارداً.
4. البُعد الأخلاقي: قد يُساهم السفر غير المُنظم في دعم اقتصاد هذه الجماعات عبر الرسوم الجمركية أو الإتاوات التي تفرضها على الحدود؛ مما يساعد حكومة الجولاني على البقاء لفترة طويلة.
5. الابتزاز السياسي: قد تستهدف الجماعات المسلحة العراقيين المسافرين لابتزاز الحكومة العراقية أو الحصول على مكاسب وتنازلات من الجانب العراقي.
6. التوظيف في الأنشطة المعادية: قد تُجند التنظيمات الإرهابية أو الدول المعادية المواطنين العراقيين لاستخدامهم كورقة ضغط، أو لاستغلالهم في عمليات تجسس أو عمليات دعائية.
وقد يصبح السفر إلى دول معادية تهديداً للأمن القومي، خاصة إذا كانت تلك الدول تُنفذ عمليات استخباراتية أو تُشكل قاعدةً لهجمات إلكترونية أو عسكرية. كما أن تواجد المواطنين في هذه المناطق قد يُعرضهم للاتهام بالتعاون مع تلك الجهات، حتى لو لم يقصدوا ذلك. والكل يعرف حقيقة العلاقات الوثيقة بين الجماعات الإرهابية في سوريا والمنطقة الغربية من العراق. وعليه، قد يعود المسافرون من مناطق تشهد تطرفاً أيديولوجياً أو عنفاً ممنهجاً كسوريا مثلاً، حاملين أفكاراً تُهدد التماسك الاجتماعي في العراق والسلم الأهلي والأمن المجتمعي.
التعليقات