بحثا عن حلول دائمة لمشاكل متكررة

تشهد بعض بلدان المنطقة والعراق منها خاصة حالة سرقة الرواتب الذي يتسبب الوضع الأمني السيئ فيه، وضعف سلطة القانون غالبا في ارتفاع هذه الجرائم. وتكون سرقة الرواتب هذه على أشكال تتمثل بالتربص والتصدي للسيارة التي تنقل الرواتب إلى الدائرة أو الجهة المعنية بهجوم مسلح يسلب الرواتب ويصيب عادة في حراسها وناقليها مقتلا، ما يعني فقدان أرواح بالإضافة إلى الأموال التي يذهب بعضها إلى جماعات إرهابية. وتحدث مثل هذه الجرائم في أماكن عامة غالبا، أو في الدائرة المنقولة لها الرواتب. وفي أحيان أخرى تتم العملية بسهولة وانسيابية بحيث تجلب الشبهات على الحراس أو ناقلي الرواتب أو المسؤولين عنها. ما يعني أنهم أو بعضهم شركاء فيها، كما كشفت التحقيقات بعضها. أما في بعض البلدان العربية التي يقل فيها العنف، فتتم الجرائم من هذا النوع بطرق احتيالية منظمة أو استغلالا لإهمال الموظف المعني، وضعف الرقابة التي تغيب فيها التكنولوجيا الحديثة من كاميرات مراقبة وأجهزة إنذار وغيرها. والعامل المشترك في كل هذه الجرائم وفي كل هذه البلدان هو الأساليب التقليدية لتوزيع الرواتب.
ونحن هنا نثير الموضوع مع ذكر هذه الأمثلة لإعطاء صورة أوضح لسيناريوهات تلك الجرائم، وطرافة بعضها، ونعطي بعض التحليلات لمواضع شبهات تلك الجرائم. ونوصي في الختام بحل نعتقده يجنب تكرار وقوع مثل هذه الحوادث جذريا وهو مطبق في بلدان عديدة منها عربية.

وهنا بعض نماذج من العراق وسوريا ومصر والسعودية والأردن والسودان على سبيل المثال:

نماذج عراقية:
حدث في مدينة اربيل العراقية أن سرقت رواتب مدرسي إحدى المدارس، وللإهمال على الأرجح دور في ذلك، quot;فبعد أن استلم مدير الثانوية الرواتب الشهرية لمدرسي وموظفي مدرسته من المصرف توجه برفقة معاون المدرسة إلى إحدى مطاعم شارع إسكان لتناول الطعام وترك الرواتب داخل سيارته التي أوقفها في الشارع. وفوجئ المدير ومعاونه بزجاج السيارة مكسورة عند عودتهما حيث قام مجهولون بسرقة الرواتبquot;. وبطريقة مشابهة سرقت رواتب مدرسة ابتدائية، بعد ان تسلم المدير رواتب المعلمين وقدرها حوالي 14 مليون دينار، ووضعها في سيارته الشخصية، لكنه تفاجأ بسرقتها بعد أن أوقف سيارته أمام منزله... وابلغ المدير الجهات الأمنية التي ارتأت استدعاءه والتحقيق معه وتوقيفه لبعض الوقت لمخالفته نظام توزيع الرواتب ثم أطلقت سراحه بكفالة بعد تعهده بدفع المبلغ من جيبه الخاص لمعلمي المدرسة وبعد تدخل نقابة المعلمين فرع المثنى في الموضوع quot;.
الموقف في هاتين الحادثتين متشابه، ولكن لو طبق الإجراء القانوني بتحميل هؤلاء المهملين أو غير المبالين أو محط الشبه تعويض المبالغ من أموالهم لتم تقليص مثل هذه الحوادث إلى حد كبير.
حادثتان أخريان وقعتا في البصرة احدهما استهدفت سرقة رواتب موظفي وأساتذة جامعة البصرة quot;يوم الثلاثاء 15/ 9 / 2009. حيث تم إيقاف السيارة الحكومية التابعة لكلية الفنون الجميلة وهي تقل ثلاث موظفات يعملن في شعبة حسابات الكلية، إضافة إلى السائق. وكان مبلغ الرواتب يساوي (208) مليون دينار، بعد استلام المبلغ من مصرف الجامعة، وفي الطريق تمت العملية من قبل بعض الشباب مكشوفي الوجوهquot;. وفي الأخرى، قامت مجموعة مسلحة بتسليب مبلغ (107) مليون دينار هي رواتب مديرية الموارد المائية في المحافظة بعد استلامها من أحد المصارف وسط العشار مركز البصرة التجاري.
في حادثتي البصرة تجد نوعا من الجريمة المنظمة والاستخفاف بقوات الأمن، أو تأمين جانبهم.
أما قضية السرقة الشهيرة في أمانة العاصمة بغداد والتي قادتها إحدى الموظفات، وقبض عليها لاحقا في بيروت وسلمت للسلطات العراقية فإن الأموال المسروقة من رواتب موظفي الأمانة بلغت ما يقارب 17 مليار دينار.وفي بغداد أيضا على سبيل المثال قام مجهولون في شهر تموز يوليو عام 2009 بتسليب رواتب موظفي معهد المعلمين المقدرة بـ(17) مليون دينار أمام مصرف الرافدين بالقرب من نادي التركمان في شارع فلسطين شرق بغداد.quot;
وفي بغداد حدثت سرقة من قبل مجهولين لرواتب العاملين في الجامعة المستنصرية حيث قيمة الرواتب تصل إلى 650 مليون دينار عراقي. وذلك حينما أقدم مسلحون يستقلون سيارتين مدنيتين على خطف حافلة تقل رجال أمن كانوا ينقلون تلك المبالغ على طريق محمد القاسم السريع وأرغموها على التوجه إلى مكان أخر. حدث ذلك عام 2008. في جريمة أخرى عام 2007، سرقت رواتب موظفي دائرة الفنون الموسيقية، من مبنى تابع لوزارة الثقافة. فقد قام مجموعة من اللصوص بكسر باب مدير مكتب وزير الثقافة وقتها (اسعد الهاشمي) وسرقة ثمانية ملايين دينار. وقد تم استقطاع مبلغ 10 آلاف دينار من كل موظف من اجل تعويض المبلغ المسروق.
لاحظ الجريمة المنظمة وهزال قوات الأمن في حوادث بغداد. أما في الحادثة المتعلقة بوزارة الثقافة فعلى الأرجح أن اللصوص من موظفي الوزارة، حيث السرقة داخلية (حرامي البيت كما يقال). وكم يتمنى المواطن أن يتم نشر نتائج التحقيقات في مثل هذه الجرائم أو غيرها، لكن لا ينشر إلا بعضها.
وعن سرقات الرواتب المحبطة، كشف مصدر مسؤول في الشركة العامة للصناعات الكهربائية عن إحباط سرقة ما يقارب (500) مليون دينار عراقي قيمة رواتب الموظفين العاملين في الشركة.
وقد تمت سرقة المبلغ من قبل عناصر شرطة (حماية المنشآت FPS) وعدد من الموظفين قاموا بكسر جدار غرفة المالية وسرقة رواتب الموظفين وإيداع المبلغ في صناديق القمامة لتسهيل إخراجه عن طريق صناديق النفايات.
وبعد تشديد الإجراءات الأمنية على جميع منافذ الشركة والقيام بتفتيش الشركة تم العثور على المبلغ، قبل تمكن الجناة من إخراجه بالطريقة التي خططوا لها وقد اعترف عناصر الـ FPS في التحقيقات بتخطيطهم للعملية.
شيء مفرح أولا أن يتم إحباط جريمة بهكذا مستوى وتخطيط، وثانيا أن تنشر على الملأ، حتى تكون الحادثة عبرة لكل المعنيين بها. وثانيا ما يؤسف له أن يكون (حاميها حراميها) كما يقال. إنه مؤشر كبير على تدني مستوى المسؤولية والوطنية إضافة إلى النواميس الدينية والأخلاقية والمهنية بحيث تشترك مجموعة من الموظفين والحراس في سرقة رواتب زملائهم ومؤسسة يعملون بها.
في مدينة الموصل قام مسلحون يستقلون سيارتين حديثتين بسرقة رواتب العاملين في شركة توزيع المنتجات النفطية في مدينة الموصل بقيمة مليار وثمانمائة مليون دينار عراقي، وذلك قرب مقر الشركة الكائن بمنطقة موصل الجديدة غربي المدينة وقاموا بسرقة المبلغ المذكور تحت تهديد السلاح، ومن ثم لاذوا بالفرار إلى جهة مجهولة. وفي الموصل أيضا، وفي يوم الثلاثاء الموافق 29-12-2009 أقدم مسلحون على مهاجمة سيارة مدنية فيها شخصين، وبحوزتهما رواتب موظفي الصحة في قرية العوينات بناحية ربيعة التابعة لقضاء تلعفر واستولوا على 44 مليون دينار عراقي. أوضح المصدر بأن الهجوم لم يسفر عن وقوع إصابات.!!؟؟
في الحادثتين شبهة كبيرة على أن يكون لحاملي الرواتب مسؤولية في الجناية، خاصة في الحادثة الثانية. مع ملاحظة نشاط الجماعات الإرهابية الذي يتبع أساليب استخبارية وعمليات مسلحة ترتكب مثل هذه الجرائم لتمويل نشاطاتها.
في محافظة ذي قار اشتهرت قضية سرقة رواتب منتسبي معهد الشطرة التقني التي وقعت في حزيران عام 2006 عندما تعرض الفريق المكلف بتسلم الرواتب لإطلاق نار كثيف على يد مسلحين مجهولين قتل على أثره سائق العجلة التي كانوا يستقلونها وإصابة آخرين بجروح، وكان قد القي القبض في وقت سابق على أفراد العصابة المتورطين في القضية المذكورة.وفي محافظة صلاح الدين وفي شهر حزيران يونيو عام 2006، قام مسلحون يستقلون سيارة بهاجمة سيارة الإسعاف التي تنقل رواتب الموظفين في الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر ذلك اليوم في ناحية دجلة وأطلقوا النار على عجلات سيارة الإسعاف ما أدى إلى توقفها، وسرقة 15 مليون دينار من قبل المسلحين الذين لاذوا بالفرار بعد سرقة الرواتبquot;. وأشار المصدر إلى quot;أن الموظفين الثلاثة الذين كانوا في سيارة الإسعاف لم يصابوا بأذى، وتمكنوا من سحب السيارة والعودة بها إلى تكريت.
السؤال هنا هو كيف عرف الجناة بما تحمله سيارة الإسعاف؟؟؟ وكيف خرج quot;الأمناءquot; على الرواتب بسلام وعادوا آمنين؟؟؟

نماذج عربية:
هذا بالنسبة للعراق، أما في جارته الشقيقة سوريا، فقد تمت سرقة رواتب موظفي الإذاعة والتلفزيون، المقدرة بـ500 ألف ليرة سورية أي حوالي 10 آلاف دولار. علما أن الجريمة تتكرر بنفس المكان للمرة الثانية حيث الأولى قبل 5 سنوات من الثانية. وأيضا في سوريا، تعرض المجمع التربوي في مدينة معرة النعمان إلى حادثة سطو وسرقة عندما أقدم مجهولون على سرقة غرف معتمدي الرواتب، وقدرت المبالغ المسروقة بحوالى 580 ألف ليرة سورية وهي عبارة عن رواتب للمعلمين والموظفين من أبناء المنطقة العاملين في القطاع التربوي. وفي نفس البلد، تعرض مشفى الرازي الحكومي إلى السرقة بواسطة الخلع والكسر، حيث تمت سرقة رواتب وأجور كادر المشفى فحرا والمقدر بـ 550 ألف ليرة سورية. كذلك وقعت عملية سطو (ليلا) على معتمدية الرواتب في مصياف الخاصة بالمعلمين حيث تمت سرقة 15 مليونا و527 ألفاً و158 ليرة سورية. وأيضا سرق مجهولون مبلغاً يقدر بين 3.5 إلى 4 مليون ليرة سورية من مديرية الصيانة والتشغيل التابعة للمؤسسة العامة لاستثمار وتنمية حوض الفرات الكائنة في مزرعة تشرين بالرقة.وهذه المبالغ عبارة عن رواتب العمال الدائمين والثانية رواتب العمال المؤقتين. وبعد... تعرضت كلية زراعة دمشق ليل الأربعاء الخميس لعملية سرقة رواتب الموظفين وبلغت ثلاثة ملايين وهي رواتب ثلثي الموظفين.
نجد هنا أن نمط الجريمة يكاد يكون متكررا ومتشابها، كذلك الهدف (رواتب معلمين غالبا).
في العربية السعودية، تقمص مجموعة مجهولين يستخدمون كلباً وأسلحة نارية وبيضاء هوية رجال أمن (المباحث) وقاموا بالدخول إلى إحدى المؤسسات الكبرى وسط الرياض وقت تسليم رواتب الموظفين ونهبوا أكثر من نصف مليون ريال ولاذوا بالفرار.
في الأردن تعرض محاسب في بلدية معاذ بن جبل لسرقة جزء من مخصصات رواتب الموظفين التي كانت بحوزته أثناء خروجه من البنك. حي داهمه شبان أثناء خروجه من البنك واستطاعوا سرقة 6400 دينار من المبلغ الكلي البالغ 15 ألف دينار.
في مصر تمت سرقة رواتب العاملين بالهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية بمحافظة سوهاج،عقب قيام رئيس خزانتها بصرف المبلغ ووضعه داخل حقيبة جلدية وتركها بسيارته الملاكى أثناء توقفها أمام منزله. ويقدر المبلغ بـ 46 ألفا و480 جنيها.
في السودان، تمكن لص من دخول مبنى المجلس القومي للتدريب بالخرطوم وسرق رواتب العاملين في المجلس وقدرها (18) ألف جنيه بعد أن قام بكسر مكتب الشؤون المالية.

مقترح لحل دائم:
خلاصة الأمر أن عملية توزيع الرواتب بصورة مباشرة إلى الموظفين والعاملين داخل دوائرهم، وبطريقة مباشرة، باتت بدائية، والبديل لها هو فتح حساب مصرفي في البنوك لكل موظف وعامل، وعلى الموظف أو من ينوب عنه أن يذهب إلى البنك، ليتسلم راتبه، سواء بطريقة مباشرة من موظف البنك أو من خلال الصراف الآلي الذي ربما يكون موجودا بجوار بيته. ولا نريد أن نتحدث عن خدمت البنك عبر الانترنت، حيث تشتري وتحول من حسابك عبر الانترنت، فلعلها لم تصل إلا عددا محدودا من بلدان المنطقة وبنوك محددة. على أية حال، فإن الحساب البنكي يجنب تجميع المبالغ في quot;سلة واحدةquot;، ويحبط جرائم المتربصين ويريح الموظف والعامل من الوقوف في الطابور، ولا يهدر وقته ووقت الموظف المعني بتوزيع الرواتب. كذلك فانه يحرك القطاع المصرفي وينعش نشاطه ويشيع الثقافة البنكية.
فيما يتعلق بالعراق فإن هناك فائدة كبيرة أخرى في هذا الحل، وهو المتعلق بحفظ أرواح الأبرياء من الموظفين والعاملين والمتقاعدين، ومستلمي رواتب الرعاية الاجتماعية من المعوقين والأرامل والعاطلين عن العمل الذين استهدفهم الإرهاب مرات عديدة وفي أماكن عديدة. حيث لا حاجة لتجمعهم عندما يراجع أي من هؤلاء البنك القريب لسكنه ليستلم راتبه في الوقت الذي يناسبه، وبهذا نوفر عليه أيضا التعب ومعاناة حر الصيف وبرد الشتاء، وربما نضبط جانبا من الفساد الإداري في مثل هذه المسائل. وإذا كانت هناك حاجة لإثبات هوية المستلم للراتب فيمكن أن يتم ذلك من خلال موظف البنك.
نتمنى أن يصل هذا المقترح إلى أسماع المعنيين في كل بلداننا وخاصة العراق الذي عادة ما تكون معاناة مواطنيه أضعافا لأقرانهم في المنطقة، نتيجة لوضعه الاستثنائي في هذه المرحلة.
حميد الهاشمي، باحث في علم الاجتماع، لندن:
[email protected]