كلنا، نحن الأحياء، على علم بكيف تطورت الأوضاع الليبية الأخيرة. والجميع على علم بدور فرنسا أولا وبريطانيا ثانيا في حث مجلس الأمن على اتخاذ قرار الحظر الجوي، الذي أراده معارضو القذافي. وجميعنا نعرف أن أصحاب الموقف الآخر هم روسيا والصين والهند والبرازيل، ولحد ما تركيا- ناهيكم عن معارضة شافيز من بعيد.
الثوار الليبيون تطلعوا لفرنسا وبريطانيا وأميركا لتنظيم وتنفيذ الحظر الجوي لحماية المدنيين، التي كانت هدف القرار الدولي. ولما وجد الثوار أنهم في ربع الطريق، راحوا يطالبون الغرب بالسلاح. وها هم اليوم يطالبونهم بالقوات البرية، وهو ما تعارضه الدول الغربية والرأي العام فيها، وما يتعارض مع القرار الدولي؛ فاكتفت فرنسا بإرسال خبراء اتصال عسكريين قلائل.
هذه حقائق معروفة؛ ولكن!؟ إن ثمة وسائل إعلام عربية وأقلاما تنسى ذلك، وتتناسى مواقف الروس والصين والهند ، ولا تخاطب غير الغرب بالمطالبة المقرونة باللوم والتعريض.
إن بعض الصحف العربية واسعة الانتشار لا تكف عن طعن نوايا الناتو، وفرنسا خاصة، في سلسلة مقالات متتابعة. لم أقرا لحد اليوم نقدا لمواقف لروسيا والصين من الموضوع، ولا للموقف الوسطي لأوباما، فيما عدا المقال الجريء اليتيم للصحفية المعروفة راغدة درغام في نقد الموقف السلبي للإتلاف الروسي ndash; الصيني تجاه الهبات العربية، ومساندة الدولتين لأنظمة التعسف العربية.
في 10 أبريل الجاري، نشر كاتب عمود يومي كلمة بالعنوان التالي: quot; [ الناتو] يتطلع إلى احتلال ليبيا.quot; وكيف؟؟ في رأي الكاتب، أن قوة الحلف quot;قادرة على حسم المعركة في ساعاتquot;، ولكنها لا تفعل ذلك متحججة بمضمون القرار الدولي. أما حقيقة موقف ونوايا الحلف، في رأي الكاتب، فكالتالي:
quot; الحقيقة هي أن قيادة quot; الناتوquot; راغبة في استثمار سجال القوة بين القذافي والثوار لإرغام الليبيين على تقديم تنازلات محددة. الناتو يريد تفويضا واضحا باحتلال ليبيا، ولهذا يتلكأ في حسم المعركةquot;!!
وفي 21 منه، يكتب الصحفي نفسه، تحت عنوان quot; لعبة quot; الناتوquot; في ليبياquot;، أن دول الناتو quot;تراوغ حتى تجد مخرجا دوليا يخولها التغيير على طريقتهاquot;. أما أميركا أوباما، في نظره، فهي quot;غير متحمسة للمشاركة في ظل الصراع بين الأوروبيين على الكعكة الليبيةquot;!! ndash; أيضا الغرب [ عدا أوباما] يريد الكعكة لا غير. وفي اليوم نفسه، وفي الصحيفة نفسها، يسأل صحفي آخر:quot; لماذا يتباطأ quot; الأطلسي quot; عن انتزاع الأسنان الحربية للنظام...؟quot; ولكن كيف؟ هل بإرسال قوات برية؟؟ ثم لماذا لا كلمة نقد واحدة لروسيا والصين؟ ولماذا لا تلقون المهمة على العرب أنفسهم إذا كان الآخر الغربي طامعا كمستعمر- هذا إذا كان الحل بالقوات البرية؟!؟؟
في العدد نفسه كلمة أخرى عن المقال الثلاثي [ سركوزي وأوباما وكاميرون*] تنتقد عدم مطالبة الرؤساء الثلاثة بإسقاط القذافي، مع أن الكاتب يعلم مضمون القرار الدولي. ولو فعلوا ذلك، وكانت النتائج سلبية، لقيل إن الغرب تجاوز على الشرعية الدولية كما فعل جورج بوش مع صدام! ماذا عن أوباما؟ كلا، quot;نثق بنواياهquot;! وكاميرون؟ غير متهم عندنا. إذن هو سركوزي المتهم الأوحد لأنه قبل نصيحة المفكر اليهودي برنارد ليفي بدعم الثوار والاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي. ونوايا سركوزي معادية للعرب والمسلمين، حسب نظرة الكاتب. ولكن لماذا، إذن، يمجد الثوار الليبيون موقف فرنسا وسركوزي، الذي لعب دورا رئيسيا في إقناع أميركا بحلحلة موقفها؟! هل فهمتم ما يريده هؤلاء الإخوة الكتاب؟ حربا برية غربية ضد القذافي؟ أم ماذا؟ ولماذا الصمت عن أوباما، الذي ترك معالجة الموقف لوزيرة الخارجية والمعارضة الجمهورية لينصرف هو لحملته الانتخابية والسعي لجمع مليار دولار لها؟! وإذا كان سركوزي مدانا لأن له أصولا بعيدة في الهجرة، فيعتبر quot; شبه الفرنسيquot;، [ ويريد استغلال الحرب لبيع الثوار سلاحا عتيقا]، كما كتب كاتب آخر في نفس الصحيفة، فماذا يقال عن أوباما ذي الأب الكيني؟ هل هو quot;نصف أميركيquot;؟ أم أن اسم حسين يغفر له كل ما يقوم به؟!!
الحملة على فرنسا خاصة رائجة هذه الأيام، ولو تعمقنا، لوجدنا أن الأسباب الحقيقية هي الموقف الفرنسي من الهجرة ومن تطبيق قانون العلمانية في مدارس الدولة وقرار حظر النقاب في الأماكن العامة وانتقاد صلاة الشوارع- علما بأن النقاب مجرد بدعة مملوكية ظهرت بعد وفاة الرسول بقرون وقرون، وهو أيضا ما يستعمله البدو في الصحراء ضد عواصف الغبار، والذين يسطون على البنوك والإرهابيون. فأين هو من الحجاب المنصوص عليه في القرآن !! ولو كان الإعلام العربي واعيا لمصلحة سمعة العرب والمسلمين في الغرب ومستقبلهم، لكان عليه أن ينصح عرب الغرب ومسلميه باحترام قوانين ومثل الديمقراطية الغربية العلمانية، وأن ينتقد تصرفات أقلية من النساء والرجال العرب التي تعاكسها بروح من التحدي. ألا ترون كيف راح اليمين الشعبوي المتصلب يزحف على أوروبا، ومنها فرنسا، لأسباب في مقدمتها [ليس السبب الوحيد ] موضوع الهجرة وتصرفات أقلية من المسلمات والمسلمين، خصوصا مع وجود البطالة والحالة المعيشية؟
إننا لا نفهم كيف يمدح الثوار الليبيون موقف سركوزي من جهة، بينما يتعرض هذا الموقف نفسه للتعريض والتشويه والتشهير في إعلام عربي يطالب برأس القذافي؟!! وإذا كان من نقد لسياسات فرنسا الخارجية الراهنة، فالقضية لا تخص الجوهر، في رأينا، بل في الأسلوب الذي يمارسه سركوزي، وهو أسلوب quot; الصدماتquot; المفاجئة وذات الطابع الفردي، حتى أنه اعترف بالمجلس الليبي دون علم واستشارة وزير خارجيته! وهذا أسلوب خاطئ جدا في إدارة الدولة. وأما المأزق الليبي، فلا أعرف المخرج منه.
إن عقدة المؤامرة العربية تجاه الغرب وفي الموضوع الليبي بالذات ، جرى التعبير عنها في ظروف دولية وليبية مغايرة، ومن المفيد التذكير بمثل منها. ففي 5 أبريل 2001 كتب الصحفي السوداني الدكتور سامي ذيبان مقالا في صحيفة الزمان العراقية بعنوان quot; تسابق على الغنائم قبل انتهاء المعركةquot;، يبدأ هكذا :
quot; مأزق الدول الغربية في منطقتنا أن quot;عقلية أحدquot; تسيطر على تفكيرهم وتحكم سلوكهم، قادة ورجال أعمال. ونعني بعقلية أحد التسابق على الغنائم [ الكعكة نفسها عند كتاب اليوم!!] قبل نهاية المعركة.quot;ويتحدث المقال عن quot; نجاح طرابلس في مواجهة مسلسل التآمر عليها ومحاولة احتوائها وكسرها لحواجز العزلة التي حاولت الإدارة الأميركية فرضها عليها. فنجحت أولا في تجاوز عقبة الحصار في حفاظها على هوية ومرجعيات ثورة الفاتح وبقاء جذوتها مشتعلة ومسيرتها سامقة، بل نجحت في بلورة مواقف رسمية وشعبية على النطاقين العربي والأفريقي كانت كافية لإقناع دول العالم الثالث بأن quot; الطاغوت الأميركيquot; غير قادر على مسار الأحداث ولن ينجح في إجبار شعب ليبيا الثائر ولا قيادته الرشيدة في الهروب من التحديات...... ألخ.. ألخ...quot;
هذا نموذج لما كان يكتب عربيا، وعلى نطاق واسع، لعقود سنين، وكم من جوائز عن الكتاب الأخضر وعن ثورة الفاتح. أما هوس quot; المؤامرةquot;، فهو نفسه، هوس مزمن متأصل، برغم تبدل الظروف والأوضاع. فهذا الهوس جزء لا يتجزأ من العقلية السياسية العربية- ويا للأسف!


[ * نشرت quot;الحياةquot; مقال الرؤساء الثلاثة مع تغيير في ترتيب التواقيع. فقد جاء اسم سركوزي أولا في الأصل، ولكن quot;الحياةquot; وضعت اسم أوباما هو الأول!! ولا تعليق!!]