فيما عدا مقالات عدد من الكتاب العرب، لا نجد مسئولين عربا يشيرون صراحة للتمدد والخطر الإيرانيين المتصاعدين في المنطقة، وإن كان بينهم من يبدون مخاوفهم عند دول الغرب. وما يستدعي الملاحظة أيضا، وعدا تحالف دول كسوريا والسودان مع إيران واتفاقيات قطر معها، وبعض الاتفاقيات الأخرى، أن الحكومات العربية جميعا لا تكاد تبدي -علنا - قلقا ما من المشروع النووي الإيراني والاستعراضات العسكرية المستمرة التي يواصلها نظام الفقيه وباسداران. إن الخطر أمام عيونهم، ويهدد الأمن العربي بالذات، ولكن السادة منهمكون فقط بالمزايدات باسم القضية الفلسطينية، والسيد عمرو موسى يبز الجميع في هذا المضمار، ولكن دون أن تؤدي جميع هذه المزايدات لنتيجة إيجابية لصالح الشعب الفلسطيني أو لردع غلاة الإسرائيليين في حكومة نتنياهو. وهناك من المثقفين العرب من يعلنون، صراحة وعلنا، أنهم مع القنبلة النووية الإيرانية نكاية بإسرائيل!

لنأخذ العراق أولا.
إن الحجة الأقوى التي نجدها في الساحة العربية ضد حرب تحرير الشعب العراقي من نظام صدام، هي أن أميركا قدمت العراق على طبق من ذهب لإيران؛ ولكن، فلنمحص هنا، ولنتابع تسلسل الأحداث.
نعرف أن الشارع العربي كله هاج ضد الحرب قبل نشوبها، بل وكثير من شرائحه وقف حتى مع غزو الكويت من قبل. وعندما سقط النظام السابق، أبدت الجامعة العربية نفورا متناهيا من الوضع الجديد، ودعت لانتخابات عاجلة. وحين تأسس مجلس الحكم، لم يستقبل عمرو موسى ممثليه إلا في وقت متأخر وبكل برودة، في حين كان يستقبل بحماس وحرارة وفود ضباط المخابرات العراقية السابقين. وأصدرت الهيئات الدينية العربية نداءات للتحريض على quot;المقاومةquot; واعتبرتها شرعية وواجبة، بينما رفض مؤتمر المحامين العرب إدانة المقابر الجماعية التي كانت تكتشف للتو، وهو موقف مخز وصفه الأستاذ عبد الرحمن الراشد ب quot; الفضيحةquot;. وقد تراكض الإرهابيون العرب، من سعوديين ويمنيين وسوريين وجزائريين وأفغان وباكستانيين، للتسلل للعراق عبر سوريا وبعلم النظام السوري. ومع الزمن، صار للقاعدة موقع قوي وانتشار داخل العراق، بموازاة انتشار وصعود المليشيات الحزبية الشيعية. ومع تزايد التدخل الإيراني في العراق، لم نسمع تنديدا به من الحكومات العربية، بل اللوم كله كان يوجه لأميركا. إن الدول العربية لم تحتضن العراق الجديد، بل ساعدت، مع الأخطاء الأميركية، على التغلغل الإيراني والانتشار، عرضا وطولا، وفي كل مفاصل الدولة والمجتمع. والموقف العربي السلبي شجع زرع مشاعر وانطباعات سلبية بين شرائح من الشارع العراقي من الموقف العربي، وهو ما استغلته الأحزاب الدينية الموالية لإيران واستغله النظام الإيراني، خصوصا وكان هناك تأخر في إرسال البعثات الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي في حين كانت إيران توزع أكياس النقود وتقيم الجمعيات الدينية والخيرية اسما والسياسية حقا. وبدلا من الحديث عن خطر الانتشار الإيراني، كان الحديث يجري عن خطر quot; التوسع الشيعيquot;، مما زاد من استغلال إيران وأنصارها للموقف- علما بأن إيران لا تأبه لمصالح شيعة العراق أو لبنان أو الكويت والبحرين مثلا، بل لا تهمها غير مصالحها وطموحاتها التوسعية وميول الهيمنة على المنطقة. وسبق لإيران أن عاملت عشرات الألوف من الشيعة العراقيين المهجرين قسرا لإيران معاملة تمييزية ظالمة، ومنهم من جرى تسليمهم لنظام صدام، أو فروا إلى خارج إيران. وإن تعاون إيران مع القاعدة في العراق والمساهمة في تسليح طالبان -[ مع رشوة كرازي أيضا!!] - دليل فاضح آخر على هذا النهج الإيراني، الذي لا يعرف غير مصلحة نظام ولاية الفقيه، وغير الأحلام الإمبراطورية الموروثة والمغطاة اليوم بعباءة الدين والإمام الغائب.

وماذا عن الاستخدام الإيراني لحزب الله لتخريب سيادة لبنان وضرب أمنه؟ هل تجرأت حكومة عربية واحدة على التنديد، أم كانت كل المساعي الرسمية في سياق نهج إتمام مصالحات لبنانية- لبنانية ملغومة، أي سياسة تبويس اللحى؟! والموقف نفسه من تخريب النظام السوري للأمنين العراقي واللبناني باسم التضامن العربي.
وهكذا قل عن الاستخدام الإيراني لحماس لزعزعة موقف حكومة أبي مازن وتقويض مساعي الحلول السلمية. فأي اجتماع للجامعة انتقد موقف حماس التي لا تكتم، كما صرح محمد دحلان، انصياعها للحسابات الإيرانية؟ وأي مسئول عربي يدين حصار حماس لسكان غزة ودوس الحقوق الشخصية هناك؟! وهل صحيح أن بعض الدول العربية تشجع إيران على التحايل على العقوبات، وخصوصا من ناحية النشاطات المصرفية؟

هذا ولا نتحدث طبعا عن الصمت عن انتهاكات إيران لحقوق الإنسان، فالصمت متوقع من دول نجد في كثير منها ظاهرة مماثلة، بما فيها رجم المرأة حتى الموت، والتبشير بذلك في الكتب المدرسية للصغار حتى في المدارس الدينية الإسلامية في دول غربية كبريطانيا!
أن تصدر القرارات العربية عن القضية الفلسطينية أمر جيد، وإن كان جدواها الفعلي غير بين، وقد يكون الأفضل عدم الضغط على المفاوض الفلسطيني وإطلاق يديه للتصرف بدل أن يستخدم كل من أعضاء الجامعة هذه القضية لحساباته الخاصة ولكسب الشعبية. أما الصمت عن الغطرسة والتدخل الإيرانيين وعن المشروع النووي المهدد لأمن المنطقة والعالم، فإنه خطيئة كبرى، ودليل ضعف الوزن العربي وهشاشته، وعلامة الخوف من إزعاج الجار المتغطرس. وإذن، فلماذا نلوم الآخرين وحدهم؟ صحيح أن سياسة أوباما ساهمت في هذا الوضع، الذي تستمر معه إيران في الغطرسة والنشاط النووي بينما يد اوباما لا تزال ممدودة لها، وهو ما يثني عليه الكثيرون من المعلقين العرب!! سركوزي وحده وضع النقاط على الحروف بإشارته الصريحة الواضحة للخطر الإيراني على المنطقة وأوروبا والعالم. أما الآخرون، فقد تراجعوا عن التصريح العلني، [وإن كان معظمهم يؤمن بما قاله]، لكيلا تنزعج تركيا الحليف الجديد لإيران، والتي تريد اللعب بعدة أوراق والمناورة مع الناتو والغرب.

ربما يبرر البعض هذه الرخاوة والصمت بما يعتبرونه تراجع موقف واشنطن دوليا، وانهماكها في العراق وأفغانستان، وشعورهم بأنها عاجزة عن، أو لا تريد، ردع إيران بقوة؛ بل، حتى الناتو بدرعها الصاروخية تتحدث عن الدفاع ضد صواريخ قادمة لأوروبا وأميركا بدلا من أن تحذر دولا كإيران تحذيرا صارما بأن أية نية في إطلاق صاروخ واحد سوف تقابل برد جماعي صاعق وماحق.
أقول قد يعتذر البعض هكذا، وهذا، بحد ذاته، دليل التخبط والضعف العربيين رغم الحديث المتواصل ضد إسرائيل، فالحديث القوي هنا سهل وشائع، ولا خوف منه! هذا وثمة بين كثير من المثقفين العرب وعند أنظمة عربية بعينها شعور بالرضا والاستبشار لما يعتقدونه من quot;ضعفquot; وانحسار أميركيين. فهناك من يراهنون على أية قوة جديدة تتحدى الولايات المتحدة، التي تغلغلت كراهيتها في الشعور العربي العام برغم فترة العسل مع اوباما.

هذا، مع الأسف، هو الموقف العربي، شارعا وكثرة من المثقفين وحكومات. وقد نبه بعض الكتاب الخليجيين إلى خطر هذه السياسة المائعة، مع أن الخطر الإيراني على الخليج كبير ومباشر.
إن مهادنة المعتدي تفتح شهيته أكثر، وهذا يصدق أيضا على كوريا الشمالية التي تقوم في هذه اللحظات بالعدوان على جزيرة كورية جنوبية. وإن تقديم الإغراءات للمعتدين يزيدهم صلفا وعنجهية. وهذا ما يجب أن يعرفه الغرب أيضا وهو بسبيل استئناف المفاوضات مع إيران [ دول 5+1 ]. وقد كان الأستاذ طارق الحميد على كل الحق حين أكد على أن استئناف هذه المفاوضات لن يغير الموقف الإيراني، وأن إيران غير جادة، و موقفها هو مجرد quot;قتل للوقتquot;.