يروج عندنا، منذ سنوات قليلة، اتهام دول الغرب بمعاداة الإسلام، وذلك كلما أدلى متطرف غربي بتصريح عنصري، أو حين تقوم هذه الدولة الغربية أو تلك باتخاذ إجراءات لتقنين وضبط الهجرة وكأنها تقصد المسلمين بالذات مع ان المقصود كل المهاجرين الجدد. وقد ازداد هوسنا الاتهامي مع حادث القس الأميركي المتطرف، ومع مشروع مسجد نيويورك.

أما أن تكون في الغرب تيارات يمينية متطرفة، راحت أسهمها بالصعود في العقد الأخير، فتلك حقيقة تلفت النظر، علما بأنها تيارات تمثل قلة من الساسة والتنظيمات والأفراد. وأما أن تكون دول الغرب تطالب أبناء الهجرة، والمسلمين بالذات، بquot;التماهيquot;، بمعنى الذوبان وإلغاء الأصل، [ كما ورد مثلا في تقرير لإيلاف منذ يومين]، فلا، وألف لا. فما تطلبه الدول الغربية من أبناء الهجرة الذين يحملون جنسياتها هو أن يتصرفوا كبقية المواطنين، حقوقا وواجبات، وأن يحترموا مبادءه وقوانين البلد الغربي الذي يقيمون فيه؛ والحال أن المنتشر بين المسلمين الغربيين هو تمييز أنفسهم عن بقية السكان، وإعلاء هويتهم الدينية على الآخرين، ومحاولة فرض تقاليدهم وأفكار الأصل على المجتمع الغربي، حتى لو كانت ضد قوانين البلد وضد حقوق الإنسان: كممارسة ختان الفتيات، وقتل الفتاة بعنوان quot; الشرفquot;، وتزويج القاصرات ورفض مواد دراسية بعينها، وغير هذا وذاك مما ورد في مقالات سابقة لي. لا أريد هنا تكرار ما لحق بسمعة الإسلام والمسلمين في العالم من أذى جراء عمليات الإرهاب quot;الجهاديquot;، سواء في الغرب أوفي العالم الإسلامي نفسه، وما خلقت من هواجس وقلق في المجتمعات الغربية. والأنباء تحمل كل يوم الجديد، كمحاولة الإرهابي الصومالي تفجير جموع المحتفلين بشجرة الميلاد في مدينة أميركية، ومحاولات تنفيذ عمليات إرهابية في ألمانيا وبلجيكا وفرنسا. ولا حاجة لإعادة ذكر أن معظم الأخبار السيئة والمخيفة تأتي من العالم الإسلامي ومن مسلمين: طالبان، باكستان، إيران، السودان، القاعدة، وغيرها. وهل لا تصل للمواطن الغربي أخبار حرق الكنائس في الدول الإسلامية، ومطاردة المسيحيين في العراق ومصر وماليزيا وباكستان وغيرها؟ وعمليات القاعدة وقطع الرؤوس وخطف الرهائن الغربيين؟

ما أريد التركيز عليه هنا هو سلوك وتصرفات وممارسات مسلمين في الغرب، أفرادا، وهيئات، ومدارس دينية. فالذي يتحدث، مثلا، عما يعتبره تمييزا فرنسيا تجاه المهاجرين، والمسلمين خاصة، ينسى كيف نفسر صفير الشبان الجزائرين الفرنسيين للنشيد الوطني الفرنسي وهم يحملون الجنسية الفرنسية! وكيف نفسر تصرف الموظفة والمثقفة الجزائرية الفرنسية حورية بو تلدجة حين تنشر أن الفرنسيين هم quot;دون الكلابquot;، أو أن يصدر بإشرافها كتاب عنوانه quot; كذا بأمّ فرنساquot;؟! أي أدب وخلق هذا؟ ولماذا لا يستغل أي سياسي عنصري فرنسي هذه التصرفات لمآربه السياسية؟! وماذا حين تتكرر في دول الغرب حوادث قتل الفتيات باسم غسل العار لمجرد رفض الزواج ممن يريد الآباء فرضهم عليهن، أو لأن لهذه أو تلك صديقا غربيا؟! وأما ثالثة الأثافي، فقضية مناهج التعليم في المدارس الإسلامية المخصصة للصغار أو البالغين في الغرب نفسه، وآخر ذلك ما ورد في برنامج بانوراما البريطاني ولخصه تقرير لإيلاف، وعلقت عليه الكاتبة أحلام كرم في مقال بتاريخ 25 نوفمبر الجاري. ترى كيف لا يشعر الغربيون الأصليون بالقشعريرة والسخط حين يطلعون على مناهج تعليمية تنشر كراهية غير المسلم وتعتبره من أحفاء القردة والخنازير ومصيره النار، وتعلم الصغار عن الحكم على المثليين والمرأة quot; الزانية quot;بالرجم، وعقوبة قطع اليد للص مرة ثم قطع رجله للمرة الثانية، وتدعو لعدم خروج المرأة إلا لضرورة قصوى، وتحريم الموسيقى، وتحريم اختلاط الجنسين؟ فهل بريطانيا أو فرنسا أو السويد وغيرها هي دول طالبانية؟!! ألا تؤدي هذه التعليمات إلى تخريج متطرفين يكرهون الآخر ويستسهلون ارتكاب أعمال العنف، كما هو جار مع الكتاتيب الإسلامية في الدول الإسلامية. وها إن الأجهزة السعودية تكتشف 19 خلية إرهاب ومعظم أعضائها سعوديون، وقد سبق للأستاذ طارق الحميد أن تساءل عن سبب كثرة الإرهابيين بين السعوديين، وأشار إلى معضلة التعليم والإعلام، وكذلك فتاوى فريق من رجال الدين. فالكتاتيب الدينية تلقن الطفل تعليمات يرفضها العصر وحقوق الإنسان، وتخرج متطرفين وإرهابيين قد يتآمرون حتى على دولهم نفسها، كما حال هؤلاء الإرهابيين السعوديين وطالبان باكستان وأفغانستان.

إن الكاتبة أحلام كرم هي على كل الحق حين تكتب ، بصدد برنامج بانوراماquot;، أن موضوع الهوية للمواطنين البريطانيين المسلمين لا زال مصمما على إعلاء الهوية الدينية على الهوية الوطنية برغم ما قدمته لهم الحكومات البريطانية المتعاقبة من تسهيلات معيشية ومن حقوق متساوية في المواطنة وفي فرص عمل وحياة كريمة قد لا يحظون بمثلها في بلدانهم الإسلامية.quot; وتقول أيضا: quot;إن هذه المدارس ترمي بعرض الحائط بكل ما تعمل له الحكومة البريطانية في خوفها من الإرهاب من حث على الاندماج في المجتمع [لا quot;التماهيquot;!!] والثقافة البريطانية لحماية التعددية والديمقراطية وإعلاء المواطنةquot;، ومنع تحول الدين إلى عامل مفرق بين الجاليات المختلفة.ترى متى تمنع في المنطقة العربية، وفي الخليج خاصة، مناهج دراسة كهذه تنشر الكراهية والتطرف وتشجع على استسهال العنف ؟؟

إن ما ذكرته الكاتبة عن بريطانيا يصدق على الدول الغربية الأخرى، فهي تريد الاندماج لاquot; التماهيquot; والإلغاء، وأما الحد من الهجرة ومراقبتها، فموضوع مشترك بسبب كثرة أعداد المهاجرين غير الشرعيين واستمرار موجاتهم، ولاسيما من أفريقيا السوداء، وما ينجم عن ذلك من إثقال عجز وديون هذه الدول [ عجز فرنسا مثلا هو 1600 مليار يورو]، إذ لابد من تأمين العمل والسكن والخدمات الصحية والمدرسة للجميع، وهذا فوق طاقة ميزانيات هذه الدول لاسيما والأزمة المالية والاقتصادية مستمرة، وفي البلاد بطالة عالية. هذا لا يعني غلق أبواب الهجرة نهائيا، كما لا يعني أن الدول الغربية لم تعد بحاجة إلى مهاجرين جدد للمساهمة في نهضة البلاد.والخلاصة، وكما كتبت سابقا، إن علينا أن ننظر إلى أخطائنا نحن وخطايا وجرائر شرائح من مسلمي الغرب قبل أن نوجه أصابع الاتهام جزافا لدول تقدم لأبناء الهجرة خدماتها الوافرة والكريمة. وقديما قيل في الإسلام quot;يا غريب كن أديباquot;، ونقول إن على المسلم الغربي أو المسلم المقيم، احترام المجتمع الذي يعيش فيه وقوانين البلد وأن يتصرف كالمواطن الأصلي لا كمن يعتبر البلد دارا مؤقتة وبقرة يحلبها أو دار كفر مستباحة! ومما يلفت النظر أيضا كيف ثارت ثائرة المؤتمر الإسلامي، على لسان أمينها التركي إحسان أوغلي، مع حادث القس والقرآن ولكنه صمت كصمت أهل الكهف عن مأساة كنيسة النجاة في بغداد وعن مآسي أقباط مصر، وعن حرق كنائس قي ماليزيا. وهو ليس المسئول المسلم الوحيد في هذا الموقف الإزدواجي، ومعه فريق غير قليل العدد من المثقفين المسلمين.

أخيرا لا بد من التأكيد على أن الحكومات الغربية نفسها تتحمل قسطا كبير من المسئولية بسبب ما مارسته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من تساهل مفرط ومراعاتها المبالغ فيها للتقاليد الوافدة، وصمتها أحيانا عن التجاوزات الخطيرة لأبناء الهجرة، إما اعتقادا بان ذلك يجنب البلد من الاضطرابات أو خوفا من الاتهام بالعنصرية أو لاعتبارات دبلوماسية واقتصادية. وهذا التساهل هو ما استغلته وتستغله التيارات اليمينية المتطرفة في الغرب. وهو ما راحت الدول الغربية تدركه مؤخرا، ولهذا الحد أو ذاك.