في كل يوم، نقرأ لكتاب مصريين علمانيين قلقهم من بعض التطورات الداخلية في مصر، ومن ذلك إطلاق سراح المسجونين الإسلاميين المتهمين بالإرهاب أو بتبييض الأموال لنشاطات متطرفة. وقد أوردنا بعض هذه الوقائع في مقالات سابقة، واقتطفنا من مقالات بعض هؤلاء الكتاب، ومنهم الأستاذ أحمد معطي الحجازي والأستاذ سامي بحيري؛ فضلا عن مقالات للدكتور شاكر النابلسي[ * الملحق]. وكم كان معبرا ومقلقا أن يظهر نائب رئيس الإخوان، المطلق سراحه من السجن، جنبا لجنب مع رئيس وزراء مصر في ميدان التحرير. وبعد تكتيك الامتناع المؤقت عن تصدر الوضع الجديد، راح الإسلاميون، من مختلف الفروع والمدارس [ quot;سلفيونquot; طالبانيون، وquot;جماعة إسلاميةquot; وإخوان مسلمون] ينشطون بحماس وعلنا، وخصوصا عند الاستفتاء على التعديلات الدستورية. وقد استخدم الإخوان الفتاوى الدينية لحمل الناس على التصويت ب [ نعم]. كما عادت قضية كاميليا شحاتة للواجهة في مظاهرة صاخبة للسلفيين، وقاموا بتدمير العديد من قبور الصالحين، وهو ما شجبه الأزهر. وثمة خبر الاعتداء على المتظاهرات في يوم المرأة العالمي، وخبر اتهامات وجهتها ناشطات مصريات للجنود، عند فض اعتصام في ميدان التحرير، وهي اتهامات خطيرة جدا، [لو صحت]، بالتعرية والتعذيب.
أما اعتراضات عدد من الأحزاب المعارضة [ سابقا] على قوام لجنة تعديل الدستور، فمعلومة، حيث تمثل الإخوان بشخصيتين، وكانت اللجنة برئاسة أحد دعاة الإسلام السياسي المعروفين. وقد جاء الإعلان الدستوري ليرسخ مادة كون الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع.
إن الملاحظ أن السياسة الخارجية لم تحض لدى هذه الانتقادات باهتمام ما لحد اليوم، فلم نسمع اعتراضا شعبيا على تهريب زعيم خلية حزب الله من السجن إلى لبنان واستقباله هناك استقبال الفاتحين. أما المجلس العسكري والحكومة [ السابقة]، فلزما الصمت. ومرور سفينتين حربيتين إيرانيين من قناة السويس لم يثر هو الآخر اهتماما ما مع أن إيران تعمدت تلك الحركة لجس نبض السياسة المصرية الجديدة.
إن بعض الانتقادات تذهب لحد الخوف من وجود حلف ما بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين، ولحد المقارنة بالاتفاق الذي تم، في عشية الانقلاب الناصري، بين الضباط الأحرار والإخوان. ولكن الحكم بهذا سابق لأوانه.
إن ما يعيدني لإعادة التوقف عند هذه التطورات والوقائع، التي سبق لي تناولها في مقالات سابقة، هو ما صرح به وزير خارجية مصر عن حزب الله وإيران.
فالسيد الوزير يعتبر حزب الله جزءا من لبنان وشعبه وكأن مؤامرة ما لم تكن، وأقصد خلية التخريب إياها. وبالنسبة لإيران، فإن الوزير يصرح بفتح صفحات جديدة في العلاقات الخارجية ومنها مع إيران، التي يعنبرها دولة صديقة. ومن يسمع هذه التصريحات يفهم أن الحكومة المصرية تعتبر ما حل من فتور وتوتر مع إيران في عهد مبارك كان سببه سياسة العهد السابق. وهذا غير صحيح لمن تابع الأخبار والأحداث. فنظام الفقيه هو الذي تدخل أكثر من مرة في شؤون مصر من خلال بعض أدواته في المنطقة، ومنها حزب الله، وكان يتعمد في كل مرة توتير العلاقات. والنظام الإيراني هو الذي يتدخل في جميع أنحاء المنطقة، ناشرا الفوضى والتوتر الطائفي، ومستغلا مشاكل الشيعة ومطالب مشروعة لهم في بعض الدول العربية لإثارة الفتن والأحقاد، ومن ثم التسلل للتأثير على مسار هذه الدول لصالح الحسابات الإيرانية في الهيمنة. وفي تعليق للكاتب المصري الأستاذ سليمان جودة في quot;الشرق الأوسطquot; [ 4 أبريل الجاري]، انتقاد لتصريحات الوزير لأن الصداقة لا تكون من طرف واحد، كما يكتب، وإن فتح صفحة جديدة مع إيران يجب أن يكون مشروطا quot; بالتوقف تماما عن دس أنفها، في ما لا يخصها في العالم العربي عموما، ثم في الخليج ومعه اليمن، بشكل خاصquot;- . وبالنسبة لتصريح الوزير بعدم الممانعة في الاتصال بحزب الله،، فإن الكاتب يسأل عما إذا كان الاتصال سوف يمتد لقضية زعيم خلية التخريب ، شهاب، الذي ظهر في بيروت محتضنا الرجل الثاني في حزب الله!!؟
وهكذا، فإن الحكومة المصرية تنادي بالانفتاح على إيران وبفتح صفحة جديدة في العلاقات معها، متناسية الهيمنة الإيرانية على العراق، وخلايا التخريب في الكويت، والهيمنة الإيرانية ndash; السورية على لبنان، وتصعيد التوتر في البحرين باسم حقوق الشيعة بدلا من التهدئة والدعوة للحوار وحل المشاكل المعلقة سلميا.
ليس المطلوب من حكام وساسة مصر التصعيد مع إيران، والصداقة مطلوبة بشرط تغيير إيران لمجمل سياساتها الإقليمية، وفهم خطرها، واتخاذ المواقف الملائمة تجاهها، لا تزكية ضمنية لهذه السياسات المدمرة؛ فلا هو توتير للعلاقات أو قطعها، ولا تجاهل للدور التخريبي لإيران- ناهيكم عن تحديها للمجتمع الدولي نوويا. فهل السيد الوزير يجهل كل هذه الحقائق، أم تراه يسير في درب السيد البرادعي، حفظه الله.
إن دور مصر محوري في المنطقة، ونعرف أن الإخوان المسلمين يميلون للتلاقي مع إيران، وأن مرشحهم للرئاسة الدكتور البرادعي قد هادن المشروع النووي الإيراني وكان موقفه منه يختلف عن موقفه من الملف العراقي. ولكن لمصر علاقات خارجية مركبة، عربية وخارجية، وخصوصا العلاقات مع أميركا، وثمة معاهدة كامب ديفيد. وعلى كيفية التعاطي مع كل هذه العقد الخارجية المتشابكة، سيتوقف الكثير من مسار المنطقة، سلبا أو خلافه. ولكننا نعتقد أن أية إعادة نظر في جوهرية في السياسة الخارجية ليست مهمة مرحلة الانتقال وحكومة تصريف الأعمال.
[ * ملحق: كان مانشيت الصفحة الأولى لصحيفة الأهرام بتاريخ 3 أبريل الجاري كالتالي: quot;الثورة بدأت المواجهة ضد التطرف الديني.. ائتلاف مدني من ست مجموعات لمنع انقضاض السلفيين على مطالب الشعب.quot; وتتحدث الصحيفة عن قرار السلفيين في الإسكندرية بدعم المرشحين من الإخوان والجماعة الإسلامية. ونظم حوالي ألف سلفي مؤتمرا يرفع شعارquot; إسلامية.. إسلامية.. لا مدنية ولا علمانية.quot; وقال أحد رموزهم، عبد المنعم الشحات، إنهم يتفقون مع الإخوان على الهوية الإسلامية للدولة برغم بعض النقاط الخلافية. وكان القرضاوي، من جانبه، قد صاغ الهدف هكذا: quot; دولة مدنية بمرجعية إسلاميةquot;. والشعاران متطابقان في الجوهر. وفي العدد نفسه حذر أحد الكتاب من طالب
- آخر تحديث :
التعليقات