إنها المعجزة التي تحققت للتو في تشيلي؛ معجزة إرادة عمال تحملوا بصلابة حجزهم تحت الأنقاض، وتحت أعماق 700 متر، ولمدة أكثر من شهرين. ومعجزة نكران الذات التي أبداها كل منهم حين طلب أن يكون آخر من يتم إنقاذه. وإنها تفاني عائلاتهم حتى النهاية السعيدة.
وإنها أيضا لقدسية الإنسان المواطن عند رئيس الجمهورية وحكومته وكل مؤسسات الدولة والمجتمع، الذين عملوا ليل نهار على توفير كل ما يلزم لتهيئة وسائل إنقاذ المحتجزين.
كما أنه مثال رائع لتضامن دولي تمثل في إسراع تقنيين أميركيين وغيرهم لتقديم خبراتهم، وما جرى تقديمه لتشيلي من أجهزة وأدوات لصنع خرطوشة الإنقاذ، فيخرج كل من العمال إلى عائلته ورفاقه وإلى الشمس والهواء الطلق، وليلتقي برئيس جمهوريته مهنئا. ومع الانتقادات الموجهة للرئيس البوليفي بسبب سياسته الشعبوية المتطرفة، على نمط شافيز، فقد قام بمبادرة إنسانية ووطنية رائعة حين هرع إلى تشيلي، وبرغم جفاف العلاقات، ليراقب، مع زميله الشيلي، عملية إنقاذ عامل بوليفي واحد كان بين عمال المناجم المحتجزين، وليعود به سالما للوطن والأهل.
تابعت من محطة quot;سكايquot; البريطانية العملية، ولا بأول، وكانت مع محطات بريطانية وأميركية، في مقدمة محطات التلفزيون العالمية لنقل البث المباشر، في حين لم تخصص لها القنوات العربية غير حيز محدود من الوقت.
في هذا الوقت تماما، كانت الفضائيات العربية تنقل وقائع زيارة وهذيان أحمدي نجاد إلى لبنان، المستباح إيرانيا وسوريا، والذي فرضت الزيارة عليه فرضا. وفي الوقت نفسه، كان المالكي يلحس كل اتهاماته السابقة للنظام السوري، ويهرع إلى دمشق لتقديم فروض الطاعة والولاء لبشار الأسد، كثمن من بين الأثمان التي راح يقدمها هنا وهناك على حساب شعبنا، للبقاء في منصبه، ومنها إطلاق سراح الإرهابيين المجرمين القتلة من جيش المهدي.
قيمة المواطن عند الآخر، الشيلي وغير الشيلي، غير العربي وغير المسلم، غالية مقدسة بالعكس من رخصها في العراق والعالمين العربي والإسلامي. وكم من تفجيرات وقعت، وتقع، في العراق، بضحايا بشرية غالية، دون أن يسرع مسئول رفيع المستوى لتفقد الموقع والضحايا وعائلاتهم. وبينما كان نجاد يخطب في لبنان، متظاهرا بالدبلوماسية مرة وكاشفا عن حقيقة سياسات نظامه الاستفزازية المتغطرسة، فإن ضحايا نظامه في إيران في ازدياد، والمواطن الإيراني عرضة للضرب والإعدام والرجم بتهم مختلقة. ومن غرائب الأمور ومفارقاتها أن يضطر رئيس جمهورية لبنان لمنح شهادة دكتوراة فخرية لنجاد في العلوم السياسية- إي والله، في العلوم السياسية بس. فيا للسخرية!! فعن أية سياسة يكافأ رمز نظام يواصل تخريب العراق ولبنان واليمن والقضية الفلسطينية، ويمعن في اضطهاد شعبه بالذات؟! ولكنها مبادرة المغلوبين على أمرهم في لبنان- ويا للمأساة.
معجزة عمال تشيلي وصمودهم وعائلاتهم، وإرادة حكومتهم على إنقاذهم، دروس لنا جميعا. فتحية للعمال الناجين وعائلاتهم. وتحية لرئيس جمهورية تشيلي على سهره على كل مواطنيه. وتبا لحكام لا يكترثون لهموم المواطن، ولا يعنيهم غير التسلط والنهب. والعراق أتعس مثال!