تشكل محن الأقليات العراقية، قومية ودينية، واحدة من أكبر ظواهر العراق اليوم.
المآسي العراقية كثيرة، بعضها موروث من عهد صدام ولكنها استفحلت، ومنها مآسي الأقليات.
لا نشير للطائفة اليهودية، إذ لم يبق من أبنائها غير أنفار معدودين وذلك منذ سنوات طوال رغم أنه قد ظهر الكثيرون من أبنائها ممن ساهموا في بناء العراق الحديث، وفي مختلف الميادين. ونعرف أن الإسلام السياسي المهيمن اليوم لا يعترف باليهود أصلا. ولذا فمن الغريب أن تركض الحكومة وراء أميركا او إسرائيل مطالبة بنسخة قديمة من التوراة!
أما المسيحيون،أي الكلدو ndash; آشوريون، والذين ساهموا بدورهم في تاريخ العراق الحديث مساهمات بناءة كبرى، فقد عرف العالم محنتهم منذ الأيام الأولى لسقوط النظام السابق، من تقتيل، وحرق كنائس، وخطف قسس، ومن فرض الحجاب على المسيحيات. وقد كتبنا في ذلك مقالات متتالية على مدى السنوات الماضية. ولقد اضطرت آلاف العائلات المسيحية في بغداد والبصرة والموصل للهجرة إلى الخارج أو إلى إقليم كردستان.
لقد بدأت المليشيات الشيعية الحزبية، وبالأخص جيش المهدي، حملات مطاردة المسيحيين، وتبعتهم القاعدة وغلاة المتطرفين من سنة الموصل. واستمرت المطاردة والاضطهاد دون أن يتخذ الحكام إجراءات جديدة وفعالة لوقف الحملات ولحماية من هم أحفاء السكان الأوائل في العراق. صحيح أن هناك تنظيمات سياسية متعددة لهذه الأقلية، ولكنها غير موحدة، وإن وجود عدد ضئيل جدا من ممثليهم في البرلمان والحكومة ليس إلا مجرد مظهر شكلي.
أما الأقلية الكردية الفيلية، فقد ذاقت الأمرين من قبل، لاسيما في عهد النظام الصدامي، حيث جرى تهجير مئات الآلاف منهم إلى إيران بحجة أنهم موالون لها. وهذه جريمة كبرى لم تجد اهتماما يذكر بعد سقوط ذلك النظام. والفيليون، هم أيضا، ممن ساهموا في مختلف نواحي الحياة العراقية من قبل، وظهر منهم الساسة، والأدباء والشعراء، والموسيقيون، ورجال الأعمال، والتربويون، وكبار الرياضيين، واستشهد الكثيرون منهم دفاعا عن ثورة 14 تموز، وفي عهد النظام السابق. وسقط ذلك النظام، فهل أنصفهم العهد الجديد الذي تهيمن فيه الأحزاب الشيعية؟ كلا. فالفيليون، وعدا اهتمام جزئي من الحزبين الكردستانيين الرئيسيين، وخصوصا الاتحاد الوطني، ينظر إليهم كالغرباء. إنهم شيعة ولكن الأحزاب الشيعية لم تقم بما يجب لكي يستردوا كل حقوقهم ولتزاح عنهم عواقب الظلم الموروث. وأما الأحزاب الكردستانية، فإنها، في الغالب، لا تنظر لهذه الأقلية الكردية إلا كمحض كرد مع أن لهم خصوصيتهم، ولهم قضيتهم الخاصة رغم كونهم جزءا من مجموع الأمة الكردية. ومع أن المهجرين منهم لإيران دفعوا ثمن اتهامهم زورا بالولاء لإيران، وهم العراقيون الأقحاح، فإن نظام خميني كان يعاملهم بتمييز عنصري مقيت في ميدان الخدمات والعمل والتعليم وينظر إليهم كغرباء.
لقد هب لفيف من المثقفين العراقيين للدفاع عن قضية الفيليين، ومنهم الدكتور سيار الجميل والدكتور كاظم حبيب وغيرهما، وهؤلاء يثمنون على هذا الموقف الوطني والعراقي النبيل، مثلما يثمن جميع من دافعوا عن محنة المسيحيين العراقيين.
أما طائفة الصابئة المندائيين الدينية، فقد تعرضت منذ سقوط النظام، ومع تعرض المسيحيين، إلى حملات قمع ومطاردة، ومن الجهات المجرمة ذاتها. ومن هذه الطائفة أيضا، ظهر مثقفون وساسة متميزون وحرفيون بارعون.
وتبقى الأقلية القومية التركمانية، المرتبطة قضيتها بكركوك والنزاع حول كركوك، وهذه مسألة شائكة سنعود لتناولها مرة أخرى في مقال قادم.
هذه، بكل اختصار واختزال، كلمات عن محنة الأقليات العراقية، التي تضاف إلى محن المرأة العراقية، والمهجرين والمغتربين، والأيتام، والأرامل، وغيرهم من المنكوبين الذين يعانون الأمرين في وضع سياسي يتفشى فيه النهب والفساد، وتدهور الخدمات، والصراع على الكراسي، واستفحال نزعات احتكار السلطة والاستئثار، وظاهرة المحاصصة الطائفية، وتحدي نتائج الانتخابات، وحيث تحولت إيران إلى اللاعب السياسي الأول، مع انحسار الدور الأميركي تحت إدارة أوباما المدفوع بالأوهام السياسية وهوس ترك الأمور الشائكة بلا حسم.
والسؤال المبرر هو : عن أية ديمقراطية عراقية يتحدثون؟!!