وأخيرا، صحت التوقعات، فرشحوا المالكي مجددا رئيسا للوزراء رغم اعتراض الحكيم والفضيلة، وطبعا معارضة العراقية.
ترشيح كان متوقعا لأن إيران بذلت كل شيء لتعطيل إرادة الناخب العراقي بعد ظهور نتائج الانتخابات وعدم فوز المالكي بأكثرية المقاعد. ولا داعي لإعادة التذكير بجميع اللعب والمناورات التي قام بها حزب الدعوة وبقية الأحزاب الشيعية وهيئة المساءلة، وضياع أكثر من ستة شهور على ظهور النتائج، تاركين البلد بلا حكومة شرعية وبلا برلمان يعمل.
إن ترشيح المالكي هكذا ليس إلا انقلابا إيرانيا بأيد عراقية لا تعبأ بإرادة الشعب، ولا تعنيها آلامه ومشاكله. وهو انقلاب برضا أميركي quot;أوباوميquot; من منطلق أن يكون المالكي خير من أن يكون مقتدى الصدر. وهذا تقدير ساذج كمعظم التقديرات السياسية لإدارة أوباما ndash; بايدن. فالمالكي ليس فقط غير راغب في وقف التدخل الإيراني، بل قد سايره في محطات خطيرة، مثلا عند احتلال أراض في فكة، أو دخول أراض في كردستان، أو نشاط عصائب أهل الحق وكل المليشيات الأخرى، التي شرعت بإعلان الحرب على القوات الأميركية دون أن يتصدى لها المالكي. وإذا كان المالكي قد اضطر، فترة ما، لضرب جيش المهدي، فها هو قد شرع بإطلاق سراح المعتقلين المجرمين، وعلما بأن علاوي هو الذي تصدى قبله لهذا الجيش الإرهابي، الدموي، الطائفي، وكاد يجهز عليه، بمساعدة القوات الأميركية، لولا المرجعية الشيعية وأحزاب وأطراف الإسلام السياسي الشيعي.
إن عودة المالكي، الذي لا يمكن الثقة بكل تعهداته ووعوده، والذي برهن -خلال سنوات رئاسته- على نزعة تسلطية واحتكارية، فردية وحزبية، هو انتكاسة كبرى للعملية السياسية.
إن ما يجري في العراق ليس لا quot; واحة ديمقراطيةquot;، ولا هو quot;مختبر للديمقراطيةquot;!!! فالواقع، أن ما يجري في العراق هو ملعب لا مختبر، وهو ملعب إيراني بحق وحقيق. وإذا كان الصدر أقرب لإيران من المالكي، وهي تفضله رئيسا للوزراء، إلا أنها تعرف أن الرجل لا يزن شيئا في موازين التجربة السياسية، فضلا عن ماضيه من جرائم جيش المهدي، ومن مقتل الشهيد عبد المجيد الخوئي، وكل الفتن التي أشعلها، والحرب الطائفية التي شنها خلال حوالي ثلاث سنوات.
إيران لا تفكر في غير مصالحها، وهي غير حريصة على شيعة العراق، الذين اضطهدت آلافا منهم ممن هجرهم صدام في الثمانينات لإيران. وإيران لا يهمها كون ساسة من أمثال علاوي، أو إياد جمال الدين، أو ضياء الشكرجي، شيعة ما داموا ساسة علمانيين، ورافضين للتدخل الإيراني. فساسة من الإسلاميين السنة كقادة حماس، أو زعماء السودان، وحتى القاعدة وطالبان، هم أقرب لمصالح وحسابات إيران من الساسة الشيعة العراقيين العلمانيين، الحريصين على سيادة البلد ومصالح الشعب، وإن كانوا، في الوقت نفسه، من دعاة قيام أفضل العلاقات بين العراق وإيران، ولكن على أساس المساواة وعدم التدخل.
وكما كتبنا في مناسبة أخرى، منذ أيام، فقد التقت الحسابات الإيرانية مع حسابات النظام السوري بعد أن قدم المالكي لسوريا فروض الطاعة، متراجعا عن اتهاماته وحملاته السابقة، ومغريا سوريا بالنفط والغاز الإيراني وquot;مشهياتquot; أخرى. وقد أمكن تحقيق الإرادتين الإيرانية والسورية لصالح المالكي جراء تناقض وتذبذب السياسة الأميركية؛ فكان الخاسر الأكبر هو الشعب العراقي، الذي سوف يندم الكثيرون من أبنائه على مشاركتهم في الانتخابات، وربما قد يكفرون بالانتخابات أصلا. وإلا فما فائدتها ما دام مصير العراق يتقرر في طهران وفي دمشق!!؟