مرت على جرائم 11 سبتمبر تسع سنوات، ولكن عواقبها وردود فعلها تتواصل.

كانت quot;غزوةquot; القاعديين في 11 سبتمبر تصعيدا استثنائيا لموجة التطرف الإسلامي والعمليات الإرهابية، التي تأججت، خاصة، منذ فعل صعود الخمينية وصداها في العالم الإسلامي. وكان نظام خميني قد دشن إرهاب الدولة بخطف السفارة الأميركية في طهران444 يوما، وتفجير 241 من أفراد قوات المارينز الأميركية و24 من قوات المظلات الفرنسية في لبنان من ضمن القوات الدولية هناك. ودلت التقارير على أن قادة حزب الله الروحيين كانوا، قبل ليلة واحدة من الجريمة، قد قابلوا اثنين من المرشحين للعمليتين الانتحاريتين. ونقل نظام خميني العمليات الإرهابية لفرنسا باغتيال شابور بختيار وتفجير مركز ديني يهودي. ولكن الرئيس الاشتراكي ميتران أمر فيما بعد بإطلاق سراح المجرمين وليد كرجي وأنيس نقاش. وفي الفترة نفسها، نفذت الجماعة الإسلامية الجزائرية المسلحة عدة تفجيرات في محطات مترو باريسية أدت لمقتل وجرح العشرات. وفي عشية أعياد الميلاد عام 2000، تسلل من الحدود الألمانية إرهابيان من تنظيمات القاعدة لمدينة ستراسبورغ الفرنسية قرب الحدود، وراحا يأخذان صور فيديو للشارع الرئيسي عشية العيد وهو يعج بالناس، ثم صور الكنيسة الكبرى في الساحة، وقال أحدهما - [ وفقا للاعترافات اللاحقة]- : quot; هذه كنيسة الكفار، وهؤلاء الكفار يحتفلون، فلابد من تفجيرهم.quot; ولحسن الحظ، ألقت السلطات الألمانية القبض عليهما حال عودتهما وقبل تنفيذ الجريمة.

ليس هنا مجال تعداد جرائم الإرهابيين باسم الدين والقرآن قبل 11 سبتمبر، سواء في الغرب أو في الدول الإسلامية نفسها، ولعل ضحاياها من المسلمين هم الأكثر عددا. أما 11 سبتمبر، فكان الهول الأكبر، والذي شكل منعطفا في الاستراتيجيات والتوجهات الدولية، والأميركية بالخصوص: من حرب أفغانستان أولا، ثم مشروع نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط بالحرب على صدام بأمل قيام ديمقراطية نموذجية في العراق تكون مانعا من التطرف والإرهاب. وامتدت الجرائم الكبرى إلى لندن ومدريد، وتتابعت فصولها في أفغانستان وباكستان والعراق ومصر والمغرب واليمن والصومال ، ألخ.. ثم هناك ردود الفعل العنفية والصاخبة جدا على رسوم كاريكاتورية، وتهديد كتاب وأساتذة غربيين بالموت بسبب بعض مؤلفاتهم، وغير ذلك مما ارتبط باسم الإسلام والمسلمين. وتناهت للغرب أخبار قطع الرؤوس في العراق وغير العراق، وحرق مدارس الفتيات في أفغانستان ورشها بالغاز السام، ورجم النساء وجدع أنوفهن، والعدوان المتكرر على كنائس المسيحيين في مصر والعراق ودول عربية وإسلامية أخرى، ورواج فتاوى التكفير ضد الفنانين والمفكرين الأحرار في بلداننا، ونشر الكراهية علنا ضد المسيحية واليهودية، والدعوة لعقوبة الردة ضد مسلم يعتنق دينا آخر، ألخ.. ومعروف أن ما ينشره المتطرفون هو أن لا دين غير الإسلام، وأن على غير المسلمين أن يدينوا بالإسلام، وإن ما هو شائع كون الناس في الغرب هم بلا أخلاق، ولا ممارسات لهم غير الدعارة وانحلال القيم والجريمة، ومن ثم، فعلي المسلمين في الغرب، وإن كسبوا جنسية البلد الغربي الذي هم فيه، ألا يندمجوا في المجتمع، ولا ينفذوا من قوانين الدولة ما يعتبرونه quot;مخالفا لدينهمquot;، حسب تصورهم. ومن هنا أيضا ممارسات تعمد التمايز عن الآخر حتى في المدرسة والحي، وخصوصا المرأة، وصولا لفتح مطاعم مكدولاند quot;حلالquot;! وهكذا تنتهي الأمور للعيش في quot;غيتواتquot;.

عندما جرت محاكمة خمسة من مجرمي 11 سبتمبر، أعلنوا في مذكرتهم أن التهم الموجهة لهم quot; وسام شرفquot;، وأن قتل الأميركيين quot; هبة من اللهquot;!!

تصوروا ماذا يتركه كل هذا الكم الهائل من الكراهية والعنف والتطرف لدى المواطنين الأميركيين وبقية الغربيين. إنه لا يمكن إلا أن يغذي مشاعر التوجس والخوف من المسلمين في الغرب، بل وحتى من الإسلام الذي يعلن الإرهابيون أنهم ينفذون تعاليمه quot; الجهاديةquot;، بينما هم إنما مسيرون سياسيا وعقائديا. ومنذ 11 سبتمبر، ثم تفجيرات لندن ومدريد وغيرها، راحت تلك المشاعر تشق طريقها، وراحت تنشط مجموعات اليمين المتطرف الكاره للأجانب. وقد كتبت في مقالي عن مشروع مركز ومسجد قرطبة أنني أخشى أن يأتي يوم يصبح فيه كل المسلمين والإسلام نفسه في قفص اتهام الرأي العام الغربي. وقلت إن المطلوب هو نقل مشروع البناء لمكان أبعد بدلا من الإصرار باسم تحدي الآخر.

واليوم، ها نحن أمام قس أميركي متطرف ومهووس في مدينة صغيرة، يبتغي الشهرة، ولا يتبع كنيسته غير 50 شخصا، يعلن عن مشروع حرق نسخ من القرآن ndash; [ آخر الأخبار احتمال تراجعه]. وقد استنكر معظم سكان المدينة موقفه، وكذلك الحكومة الأميركية والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي وفريق كبار من رجال الدين المسيحيين واليهود الأميركيين، وكذلك الاتحاد الأوروبي. ويقينا، فإن القاعدة وطالبان وبقية قوى التطرف والإرهاب وأنظمتها، كإيران، تتمنى لو نفذ هذا المعتوه المهووس جريمته الرعناء لخلق ضجة كبرى ضد أميركا والغرب وضد المسيحيين في العالم الإسلامي، واتخاذ العمل الأهوج ذريعة لعمليات إرهاب جديدة في الغرب، وضد الغربيين في البلدان الإسلامية، من عسكريين ومدنيين، وضد المسيحيين أينما كانوا. ولم أسمع عن زعماء مسلمين أو مراجع دين في الدول الإسلامية من لا يكتفون فقط بالتحذير، بل، وأيضا، من يدعون المسلمين في أميركا والغرب للهدوء، وقطع الطريق على الفتنة، علما بأن حرق القرآن لا يلغيه كتابا مقدسا، ولا يضعف الإسلام دينا واسع الانتشار. أما التحدي بالصلاة قرب مكان القس، فرد فعل انفعالي ليس إلا. وهناك رد فعل غريب في العراق- وما أكثر الغرائب العراقية!- وأعني تكليف جنود عراقيين بتوزيع نسخ من القرآن في الشوارع ، أي تحويلهم لدعاة دين وترك مهماتهم في السهر واليقظة لحماية أمن المواطن والوطن، بل وأمنهم الشخصي بالذات. ولعمري، ففي عهد حكومة المالكي، نشهد فذلكة بعد أخرى! وليس هذا بغريب على زعماء الأحزاب الدينية المتشبثين باحتكار السلطة وقنص الامتيازات بينما الشعب في أتعس حال.