كلمة quot;مقاتلquot; استعرتها من مقال كاتب عربي معروف بعنوان quot; اوباما يقاتل أفضل من بوشquot;، قاصدا موضوع النووي الإيراني. وحجة الكاتب أن أوباما نجح في تعبئة الرأي العام الدولي لفرض عقوبات جديدة من خلال مجلس الأمن.
وبداية، إليكم آخر المعلومات عن النووي الإيراني، وهي معلومات قديمة ولكنها تذاع لأول مرة، ويكشفها quot;أبو القنبلة الباكستانيةquot; عبد القادر خان، وفقا للواشنطن بوست.
المعلومات تؤكد أن أن باكستان لم تعط إيران سلاحا نوويا، ولكن سلمت إيران سرا رسوما تتعلق بصنع القنابل النووية وأجهزة تخصيب ومواد أخرى لصنع القنبلة مقابل 10مليارات دولار. وتفضح المعلومات دور المخابرات الباكستانية، وكذلك علم بينزير بوتو بالصفقة المذكورة. وبعض المال- ربما كوميشن - أودعته إيران في بنك بدبي يسيطر عليه خان واثنان من مساعديه تحت اسم quot;حيدر زمان [انظر ترجمة المعلومات في عدد quot;الشرق الأوسطquot; تاريخ 15 مارس الجاري.]
إن القول بأن quot; أوباما يقاتل أفضل من بوشquot; تفنده الحقائق منذ تسلم أوباما لرئاسة الولايات المتحدة. وقد تناولت الموضوع مرات، ولا بأس بالتذكير بهذه المناسبة.
النووي الإيراني مطروح دوليا منذ 2002، وليس بوش من كان يتفاوض مع نظام الفقيه حول مشروعه هذا. فعدا الوكالة الدولية للطاقة، تدخل مجلس الأمن، ودخلت مجموعة دول 5 + 1 في مفاوضات مستمرة. وقدمت المجموعة سلسلة حوافز متنوعة للنظام الإيراني، ولكنه واصل المماطلة والتلاعب بالوقت، مستفيدا من رخاوة موقف الدكتور البرادعي، وهي رخاوة لا أفهم دواعيها شخصيا؟؟ وتم فرض عقوبات دولية وحوصرت إيران أمام المجتمع الدولي، ووضعت أمام خيار الرضوخ أو العقوبات الجديدة القاسية. كل هذا حدث قبل أوباما. وكان المفترض به الانطلاق مما تم التوصل إليه قبله. فماذا فعل؟
توهم أن الموقف الإيراني المتشدد كان بسبب سياسات بوش، فمد يديه لإيران بنوع من التوسل، وراح يرسل الرسائل لخامنئي، بينما النظام الإيراني يواصل تشدده وتعنته. وكانت الإدارة الأميركية تحدد موعدا بعد موعد لإنهاء الحوار، ثم تجدد الموعد. وتوهمت مرة أن الموقف سوف يتغير بعد الانتخابات الإيرانية، مع أن ساسة النظام - بكل تفرعاتهم - متفقون حول المشروع النووي. ونعرف ما جرى من تزوير انتخابي ومن انتفاضة، ومن قمع وحشي وصل لإعدام كل متهم بالتظاهر. كل هذا، وأوباما ينتقد القمع ببرود بينما هتفت الجماهير المتظاهرة مرة: quot;أوباما: أنت معهم أم معنا؟!quot;
خلال ذلك كله، تفاقم التخريب الإيراني في المنطقة: اليمن، لبنان، غزة، العراق، الصومال، فيما كان النشاط النووي الإيراني يتصاعد ويتوسع. وقد تجاهلت إدارة اوباما بيانات ومعلومات للقيادة العسكرية الأميركية عن وصول إيران لمرحلة القدرة على إنتاج القنبلة، وكان ذلك قبل حوالي ستة شهور. وتجاهلت تقارير الاستخبارات البريطانية والفرنسية مؤكدة ذلك. والرئيس الأميركي لم يعط بالا يذكر للملحق السري- [ الذي لم ينشره البرادعي ]- بتقرير الوكالة قبل الأخير، وفيه تأكيد مماثل على قدرات إيران لصنع القنبلة. وها نحن أمام واقع القنبلة، فإيران هي اليوم فعلا دولة نووية، ربما لعرس الذين يتصورون أن حيازتها تخدم العرب في وجه إسرائيل!! وانظروا كيف تغير موقف الوكالة اليوم مقارنة بعهد الدكتور البرادعي، فتقريرها الأخير وضع النقاط على الحروف واضعا المجتمع الدولي أمام اتخاذ الموقف الصارم المطلوب.
منذ 21 أغسطس 2007، كانت الوكالة قد اتفقت مع إيران على خطة عمل تقضي بأن تجيب إيران على كل الأسئلة المعلقة وفق جدول زمني ينتهي بنهاية نفس العام. وذهب الدكتور البرادعي لإيران، وعاد بتفاؤل استغربته الدول الغربية وحتى بعض خبراء الوكالة أنفسهم. فإيران لم تجب على أسئلة ملحة ومهمة جدا: مثل آثار الإصابات بيورانيوم عالي التخصيب لما فوق 54 بالمائة- [ اعترف أحمدي نجاد، مؤخرا، بالقدرة على تخصيب 80 بالمائة]. كما رفضت إيران مقابلة وفد الوكالة لخبيرها النووي الرئيسي، فخري زادة، عند زيارة الوفد لطهران. وقد نشرت الصحافة الفرنسية في فبراير 2008 تقارير عن الموقف المتساهل للدكتور البرادعي، مؤكدة استغراب فرنسا وبريطانيا وأميركا من موقفه المتفائل، والذي كان يميل في وقت ما لغلق الملف كله بحجة التعاون الإيراني.
خلال أكثر من عام ضيع أوباما فرصة بعد فرصة للإقدام على العقوبات حتى ولو من جانب الدول الغربية وحدها، بينما نراه اتبع سياسة شبه فاترة تجاه أوروبا الغربية، مركزا على كسب روسيا، ولكن بأثمان باهظة جدا- على حساب جورجيا وتشيكيا وبولونيا. ومع ذلك كله، فأشك شخصيا في أن روسيا مستعدة لاتخاذ تلك العقوبات القاسية التي من شأنها وحدها شل أجهزة وفاعلية الحرس الثوري لدرجة فاعلة. أما الصين، فلن توافق على عقوبات إلا إن كانت رمزية.
نعم، مع الأسف. إن سياسة أوباما هي التي ساهمت في تحول إيران لدولة القنبلة، لأنه تجاهل ما كانت مجموعة الستة قد توصلت له، متوهما أن بيديه عصا سحرية قادرة بالكلمات والخطب أن تقنع نظام الفقيه وباسداران بالتعقل والكف عن الحلم النووي العسكري، أو وقف الزحف الإيراني المستمر داخل المنطقة.
بوش لم نسمعه يهدد إيران، ولم يكن موقف إدارته ليخرج عن مواقف فرنسا وألمانيا مثلا. ولا ينبغي الانطلاق من كراهية بوش لعرض الوقائع على غير ما جرت به فعلا.
اوباما، وكما يقول أمير طاهري، جاء بعقلية أن المواقف المعارضة لأميركا في العالم، وموقف إيران بالذات، سببها بوش، وراح يندد ويسخر من شعار بوش quot;الحرب على الإرهابquot;، وكأنه شعار ضد العرب والمسلمين، مع أن الإرهاب الإسلامي موجه ضد المسلمين أنفسهم، كما هو موجه ضد بقية العالم. ولكن يعود أوباما منذ حوالي الشهر ليستخدم شعار الحرب أكثر من مرة، ولكن هكذا: quot; نحن في حالة حرب مع القاعدةquot;. فما الفارق؟!!
ضيع الرئيس الأميركي أكثر من عام في الموقف من إيران، وهو تائه في حيرته وسط التناقضات في تحليلات ومواقف مستشاريه ومساعديه- فيما نظام الباسدران - خامنئي يزداد عتوا وتعنتا وإشعالا للفتن، الدموية وغير الدموية، في المنطقة، ويتمادى بالإعدامات داخلا. إنه نظام يتصور أن الأبواب مفتوحة له ليفعل ما يشاء ما دام قد دخل فعلا ضمن الدول النووية، وما دامت السياسة الأميركية تبدو له متذبذبة ومترددة. ومع قرب الانسحاب الأميركي الكبير من العراق قريبا، فسوف يكون تماديه أكثر، إن في العراق أو على نطاق المنطقة. وله أيضا ما يساعده من عجرفة وغباء نتنياهو في موضوع الاستيطان في القدس الشرقية.
النظام الإيراني تتجمع لديه أوراق كثيرة وله حظوظ تواتيه. ومع ذلك، فعليه ألا ينسى مصير نظام صدام!!