نكتب هذه الصفحات في وقت انتشار شائعات عن تدهور صحة خامنئي، وقيل إنه في غيبوبة، وثمة إشاعة، لكن كذبوها، عن وفاته. ونرى أن وفاته، لو حدثت، سوف تدخل النظام، في أيام ما بعد الوفاة مباشرة، في فترة مؤقتة من القلق والتجاذب حتى انتخاب خليفته. وفي هذه الحالة، نتوقع أن تشد القوى الأكثر محافظة ورجعية صفوفها بدرجة أكبر خوفا من سقوط النظام، وأن يمسك حرس الثورة بزمام السلطة بقوة وبشراسة متزايدتين، بعد أن تحول منذ سنوات إلى القوة الرئيسية والحامي الأول للنظام الإسلامي، العسكري، الدكتاتوري.
على كل، فلا يمكن التنبؤ بدقة بما يحدث لو رحل المرشد، مع اعتقادنا بأن فرص التنفيس الداخلي لن تكون كبيرة، وأن النظام سيسير في طرق تصعيد القمع.
لقد اخترنا موضوعنا قبيل هذه الإشاعات، وذلك تعقيبا على تصريحات لشيرين عبادي، حاملة جائزة نوبل للسلام. ومهما سيحدث، فإن موضوع مساندة الشعب الإيراني سيكون دوما موضوعا من مواضيع الساعة على الساحة الدولية.
لقد انتقدت شيرين عبادي الغرب، وأوباما بالذات، للفتور البين في إدانة الانتهاكات الواسعة واليومية لحقوق الإنسان في إيران، وصولا لسلسلة من أحكام الإعداد لمتظاهرين، واعتقالات متتالية للصحفيين، وما تؤكده عبادي من أنه يقع في إيران أعلى معدل من أحكام الإعدام ضد الأحداث. حاملة نوبل، عن استحقاق ونضال، تقول لحاملها الجديد، الذي أعطيت له لمجرد حسن النوايا وزرع الأحلام والأوهام الجميلة، إنه، ما دام يمد يد الصداقة للدول الأخرى، فلماذا يختار مد يد الصداقة لبلد ينتهك حقوق الإنسان؟؟ ربما الجواب هو أن الغرض منع إيران من الحصول على السلاح النووي، وإن اليد الممدودة تفرضها السياسة الواقعية، ومستلزمات الأمن العالمي. ولكن، بإمكاننا أن نجيب بدلا من عبادي: ولماذا استمرار اليد الممدودة والنظام الإيراني ماض في مشروعه العسكري النووي، وكل ساسة إيران من ضمن قوى النظام، [محافظ وإصلاحي]، متفقون على ذلك؟ وماذا أنتجت مفاوضات الدول الست مع حزمة الحوافز قبل أوباما غير اللعب الإيراني بالوقت والمناورات وعمليات الخداع؟ وهل حقا تؤدي سياسة اوباما لغير تمكين إيران من تصنيع القنبلة بعد أن ظهرت دلائل تنازل الغرب عن شرط وقف التخصيب - التخصيب الذي هو طريق القنبلة -، وبعد أن غيرت هيلاري كلنتون، تنفيذا لموقف أوباما، لهجة التهديد بالعقوبات، بزعم أن الوقت لم يحن، ولكنها قد تفرض quot;عند الضرورة؟!
الشعب الإيراني المناضل يستحق من المجتمع الدولي أكثر من هذا التقاعس والسلبية. إنه يستحق دعم نضاله بكل السبل الشرعية، من دبلوماسية وإعلامية وضغوط على نظام طهران. إن دعما كهذا سيقوي إرادة نضاله وثقته بالنفس، وسيقوي موقفه في وجه النظام الدكتاتوري الدموي،الشمولي، بل، قد يكون دعم المعارضة الشعبية للشباب والمثقفين والمرأة والعمال، وغيرهم من شرائح الشعب، عنصرا لا يقل تأثيرا في إضعاف النظام عن بعض العقوبات الاقتصادية والمالية.
إن هناك مفارقة كبرى بين الدعم الغربي الساحق للحركة الشعبية ضد الشاه عام 1989، والتي استغلها خميني لتنفيذ مخططه الثيوقراطي الشمولي، وبين تقاعس اليوم، وهو فضيحة بالتمام. في تلك الحقبة قاد كارتر واليسار الغربي، ومنظمات العفو وحقوق الإنسان ووسائل الإعلام الغربية، حملة واسعة وقوية ويومية ضد حكم الشاه. واليسار الفرنسي، والتلفزيون بالذات، هما اللذان دعيا خميني لفرنسا، ووضعت كافة وسائل الإعلام الفرنسية تحت تصرف خطبه التهييجية وكذلك البي. بي. سي. وفي باريس كان يسجل بصوته خطبه النارية لتهربها سفارة ألمانيا الشرقية لبرلين، وهناك كان حزب تودة يقوم بإنتاج مئات الآلاف من نسخ التسجيلات الصوتية لتوزيعها داخل إيران، فكان جزاؤه العقوق والغدر الدموي. وعندما يتهم أحمدي نجاد وخامنئي وقادة الحرس وغلاة المتطرفين الدينيين قادة المعارضة quot;الإصلاحيينquot; بالعمالة للغرب، فالأحرى توجيه التهمة لخميني نفسه، إذ كان على اتصالات مستمرة، مباشرة وغير مباشرة، بالسفارات الغربية، وكان كارتر يراسله، وهو الذي لعب دورا مهما في حشد الغرب ضد نظام الشاه ولدعم خميني، دون مبالاة وتقدير لما سيكون بعد سقوط الشاه، وأي نظام سيقام بعده.
إن تضحيات الشعب الإيراني، وخصوصا نسائه وشبابه ومثقفيه، جدير بكل دعم وتأييد فعالين على النطاق الدولي، والإقليمي، وكانت هناك نقطة ضوء في قرار مجلس النواب الأميركي بدعم النضال الإيراني، ولكن لم نجد له ترجمة عملية في التنفيذ.
إن سياسات اوباما مسئولة لحد كبير عن عدم التجاوب مع ذلك القرار، وعن التراخي الدولي هذا، بعد أن كان الموقف الفرنسي مثلا حازما تجاه إيران. إنها سياسات أضعفت، بل شقت الموقف الغربي، وسهلت على قادة النظام الإيراني اللعب والمناورة، في الوقت الذي تواصل فيه إيران تهديد أمن دول المنطقة: في لبنان والعراق واليمن وغزة ومصر والصومال، وتعزز تعاونها النووي مع غلاة أنظمة التطرف الغوغائي كفنزويلا وكوريا الشمالية. فهل تهديد من المنطقة بالتدخل الإيراني، وهو خطر فعلي وواقع منذ سنوات، لا يمس الأمن القومي الأميركي أيضا!؟
كفى أوباما تقريعا للذات الأميركية، وتوبيخا مستمرا وتبشيعا لعهد بوش. فهذه السياسة لم تشجع إيران على غير الغلو في التطرف وقمع الشعب والإصرار على القنبلة، وهذه السياسة لم تمنع إيران من الاستمرار حتى في دعم طالبان بالسلاح في أفغانستان التي تشكل حربها أولوية للإدارة الأميركية، كما تعلن، كذلك دعم إرهاب القاعدة وعصائب أهل الحق وجيش المهدي وغيرهم في العراق، وكم من جنود أميركيين راحوا ضحايا العبوات الإيرانية الناسفة. أليس من مصلحة واشنطن نفسها كسب القوى الإيرانية الحية لمستقبل الأيام، ما دام النظام الإيراني ماضيا في غيه، ولن تجدي معه التنازلات والمكافآت؟!؟
إن السلبية الغربية تجاه نضال الشعب الإيراني ستكون من بين نتائجه الشعور بالمرارة والإحباط من المجتمع الدولي، واليأس من الضمير العالمي، وربما ستنتقل عدوى ذلك لشعوب مناضلة أخرى، وقادة شعب دارفور مثلا قد انتقدوا بشدة موقف الإدارة الأميركية الراهنة من نظام البشير.
إن مساندة النضال الشعبي الإيراني واجب إنساني وأخلاقي وأمني من الدرجة الأولى. فأين دعاة حقوق الإنسان، واليسار الغربي؟ طبعا لا نتحدث عن الصين وروسيا بوتين، فهما حليفتا النظام الإيراني. ماذا جرى لتصريحات أوباما في الأيام الأولى لحملته الانتخابية في نقد إدارة بوش لكونها، في نظره، لم تتخذ الإجراء اللازم لحماية شعب دارفور من الإبادة الجماعية؟ إلى أين انتهت؟ انتهت إلى مهادنة البشير، وشبه تجميد لقرار الادعاء العام في المحكمة الجزائية الدولية بمحاكمة البشير، ودراسة رفع العقوبات عن النظام السوداني، بل، وإنكار وقوع إبادة جماعية. هل هكذا يكون الدفاع عن الشعوب المهددة - هذا الدفاع الذي كان أوباما من أعلام دعاته المتحمسين، ومن أبطال التدخل الإنساني في حالات كهذه؟؟ وبقية دول الغرب؟؟ ماذا دهى إعلامها وأحزابها وساستها ومثقفيها ومنظماتها الإنسانية ليخف اهتمامهم، إلا أحيانا قليلة، بمعاناة الشعب الإيراني، وحملات الاعتقال والإعدام والمحاكمات المسرحية الجارية، والتوجه لمحاكمة زعماء، منهم كروبي؟؟ لماذا مجاراة quot;اليد الممدودةquot; لأوباما، هذه السياسة التي لن تجلب- لو استمر الموقف - غير الكوارث للعالم ولشعوب المنطقة، وغير تكريس الدموي لشعب إيران، المتطلع للحرية والديمقراطية والتعايش السلمي. أما الدعم العربي والإسلامي، فالحديث عنه من الخيال، ما عدا مواقف بعض الدول الشاعرة بالتهديد الإيراني، وفريق من الكتاب المنصفين. وما عدا ذلك، فأحمدي نجاد، لو استفتينا رأي الشارعين العربي والإسلامي، لكان مع بن لادن بطلي الإسلام، ورافعي علم النضال ضد الغرب وإسرائيل. ولا نزال نقرأ كثرة من المقالات والتعليقات التي تنفي الخطر الإيراني، مؤكدة أن لا عدو لنا غير إسرائيل فقط، وأن الحديث عن الخطر الإيراني دعاية تخدم إسرائيل، وكأنما الاحتلال الإسرائيلي يبرر التدخل الإيراني المستمر في بلداننا، والسعي المحموم نحو القنبلة. فما أعجب! وما أغرب! حتى أردوغان التركي المحترم، راح يدعو لرفع العقوبات عن إيران، متفقا في ذلك مع شافيز، ومع بشار الأسد، حليف إيران في دعم الإرهاب ومنظمات الإرهاب ndash; ذلك الحلف الذي عجزت المكافآت الفرنسية والأميركية للأسد عن فكه!
وتحية، ألف تحية، لنضال شعب إيران الباسل!