في مساء الإعلان عن منشأة قم، والوعيد الغربي الثلاثي، كنبنا مقالا تحت عنوان quot;النووي الإيراني والخيارات الدوليةquot;، وقد انتهينا لاستنتاج أن إيران لن تتراجع عن طموحها النووي العسكري، وستظل تهدد الأمن، وتتلاعب بالوقت.
النظام الإيراني يحسن المراوغة والمناورة، ولكنه يتقن ايضا مزج الحار بالبارد، كما يقال. فبعد انكشاف مفاعل قم، بادر أحمدي نجاد للإعلان عن الاستعداد لفتح المنشأة أمام المفتشين الدوليين، فرحبت هيلاري؛ وبعدئذ في الحال، قامت إيران بتجربة صواريخ يصل مداها ألفي كيلو متر. وفي عشية اجتماع جنيف، أكد المسئولون الإيرانيون مجددا أنهم لن يوقفوا التخصيب، واقترح نجاد أن يجري التخصيب لإيران في دولة أخرى، وهذا يعني أن التخصيب الإيراني مستمر في الحالين، كمن يخرج من الباب ويدخل من الشباك.
النوايا الإيرانية قد أوضحها نجاد من جديد بكل قوة، حيث يرى أن اجتماع جنيف اختبار للدول الست، ولاسيما لداعية quot; التغييرquot;، [ قاصدا أوباما]، وليس اختبارا لإيران نفسها!
النووي الإيراني، ذو الهدف العسكري، قضية متفق عليها بين جميع قوى النظام، أي بمن فيهم quot;الإصلاحيونquot;. لقد كان موجودا طوال رئاسة خاتمي، وورثه خميني عن الشاه، وهو قد استمر وتطور بسرعة رغم بعض العقوبات الدولية، مع ملاحظة تراخي موقف المدير العام لوكالة الطاقة النووية. وجدير بالذكر، للدلالة على ما نقول، أنه، أمام التهديدات الغربية الجديدة، راحت القوى السياسية الإيرانية تبحث عن التهدئة باسم مساعي quot;المصالحة الوطنيةquot;، وموسوي نفسه دعا أنصاره في الجامعة منذ يومين إلى عدم التظاهر.
لقد أوضح خامنئي للتو، ومن جديد، أن البرنامج النووي مرتبط ببقاء النظام نفسه، وبالتالي فلا تراجع عن هذا quot;الحقquot;. والحكام الإيرانيون أعلنوا أيضا أنهم لا يكترثون بفشل محادثات جنيف، والغربيون أنفسهم لا يتوقعون إحراز تقدم في الشأن النووي، وقد يواجهون محاولات فتح المباحثات عن قضايا إقليمية، ودولية، كالعراق، ولبنان، وأفغانستان، وفلسطين، والمناخ، وقضايا أخرى.
المرجح، وشبه الأكيد، أن يخرج المفاوض سولانا خالي الوفاض، وأن ينتظر مع أوباما جولة مباحثات جديدة مستقبلا؛ فالتهديدات بالعقوبات لم تعد تردع إيران، بل والديمقراطيون في الكونغرس يعملون على إرجاء اتخاذ عقوبات جديدة بحجة انتظار جولات مقبلة من المباحثات.
وهكذا، يكسب النظام الإيراني وقتا إضافيا لصنع القنبلة قريبا، فيضع الجميع أمام الأمرالواقع. وقد سارعت الصين لتزويد إيران بكميات كبيرة من البنزين، تحسبا لعقوبة حظر تصديره، في حين تقف روسيا بين بين، مع الميلان نحو إيران. وهنا، نتوقف لجدوى العقوبات، حيث أن الكثير منها يمس الشعب نفسه أيضا، مثلما كانت العقوبات على نظام صدام. واشنطن فرضت عقوبات على إيران بعد خطف سفارتها، وقد استغل نظام خميني تلك العقوبات لإثارة الغضب نحو الخارج لطمس مسئولية العمل الإرهابي الذي اقترفه، كما كان يفعل صدام، فضلا عن أن حراس الثورة، الباسداران، استغلوا العقوبات لخلق سوق سوداء للاستيراد من الخارج يهيمنون هم عليها، ومرجح أن يستغل النظام اليوم فرض عقوبات جديدة، ما لم تكن عقوبات تمس في الصميم مصالحه، دون المواطن العادي، وإلا، فسوف يضعف ذلك موقف المعارضة. إن القضية دقيقة جدا، والمهم اختيار العقوبات الشديدة التي تضعف طاقات وقدرات النظام وأركانه، عسكريا، ودبلوماسيا، وماليا. مع كل هذا، فهل العقوبات كافية لوحدها عن ردع إيران؟!! أمر مشكوك فيه.
المسئولون البريطانيون والفرنسيون لا يكتمون انتقاداتهم الضمنية للإدارة الأميركية، التي كانت تصر على أن إيران أوقفت العمل في المفاعل منذ 2003، في حين كان أعلى مرجع عسكري أميركي قد أعلن بنفسه قبل شهور عن وجود إمكانات فنية فعلية لدى إيران لصنع القنبلة.
من المعلقين العرب من يخشون صفقة أميركية ndash; إيرانية تتسامح مع الهيمنة الإيرانية في المنطقة، ولكن مقابل ماذا؟ إيران، كما قلنا، من المستبعد جدا أن تتخلى عن البرنامج النووي العسكري. فمقابل ماذا تكون مثل صفقة كهذه؟؟
الغربيون يقولون إن هدف جنيف هو التأكد من حسن نوايا إيران، رغم تأكيد المسئولين في الاتحاد الأوروبي بأنهم أخفقوا حتى اللحظات الأخيرة في الحصول على ضمانات محددة بشأن طبيعة أنشطتها النووية، التي تؤكد إيران على طابعها المدني، نافية وجود شق عسكري قائم للبرنامج. إذن، فعلام تضييع الوقت في مباحثات المأزق شبه المؤكد!!؟؟
التحدي الإيراني المتصاعد يتزامن مع التحدي الكوري الشمالي، فقد أعلنت بيونغ يانغ عن عدم التخلي عن سلاحها النووي، وهذا ما أعلنته الصين أيضا ردا على خطاب أوباما عن نزع السلاح النووي الشامل، وها هي الصين تقيم استعراضا عسكريا ضخما في ساحات بكين، كما تتحدى احتمال فرض العقوبات على إيران.
إنه لجو دولي مرعب،محفوف بكل المخاطر، تشجعت فيه قوى التوتر والقوة والغوغائية في العالم على استغلال مثاليات أوباما، وسذاجة سياساته الخارجية، وتخبط مستشاريه، وهي حقيقة دامغة مهما كال له العرب من إفراط في المديح، وربما سيكون من بين الاحتمالات، [ نقول ربما]، السماح لإيران بالقنبلة، وتركها تتدخل في شؤون المنطقة كما تشاء، ولكن مقابل ماذا؟! ولو وقع ذلك، فلا الفلسطينيون سيربحون، ولا لبنان، ولا العراق، ولا اليمن، الذي يساهم نظام الفقيه في تمزيق أوصاله.
وإسرائيل في هذا كله؟؟ هل ستقف مكتوفة اليدين بانتظار تهديد القنبلة الإيرانية؟! من يصدق!
هذه تقديراتنا التي قد يراها كثيرون متشائمة، سوداء؟؟
آملين، على أية حال، ألا تحدث هذه التوقعات الكارثية، وأن تؤدي مباحثات جنيف، ومنطق أوباما ورسائله الرقيقة لخامنئي، إلى عقلنة النظام الإيراني، وإرشاده للطريق السليم!- ومن الأماني ما يبنى على رمال!!