لابد بادئ ذي بدء من إعلان الغضب والإدانة للتفجيرات الإرهابية الأخيرة ضد أبناء شعبنا، والتعبير عن عواطف التضامن الحارة مع الضحايا وعائلاتهم، ولا نعتقد أن توقيت هذه الجرائم عشوائي، بل يرتبط بالذكري السادسة ليوم تحرير العراق من الفاشية.
إن التاسع من نيسان هو يوم تحرير العراق وشعبه من كابوس نظام شمولي دموي، خاطر بأرواح الملايين من العراقيين في مغامرات عسكرية، داخلا وخارجا، واستخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه، وأقام المقابر الجماعية، واحتكر للعائلة الحاكمة والحاشية كل الامتيازات، وتصرف بالثروات الوطنية، ومارس سياسات طائفية وعنصرية مقيتة.
لقد استباح ذلك النظام كل القوى الوطنية وشردها، واستخدم العنف والرعب لفرض قبضته على الشعب ومقاليد البلاد، بحيث لم يعد ممكنا التخلص منه بغير قوة عسكرية خارجية، تأتي باتفاق مع قوى المعارضة الوطنية، وهذا ما وقع فعلا بقرار الحرب الذي اتخذه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، والذي يستحق امتنان العراقيين، بل وشعوب المنطقة كلها، وذلك برغم كل الشتائم واللعنات والطعنات المصوبة له، والتشويه المتعمد لسياساته الحازمة تجاه الإرهاب والأنظمة التي ترعى الإرهاب وتسعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل لترويع الآخرين وابتزازهم.
إننا نحيي شهداءنا في مسيرة النضال الطويلة، ونجد ذكرى ضحايا صدام من مختلف الانتماءات السياسية والقومية والدينية والمذهبية، كما تجب تحية شهداء القوات الأميركية وبقية قوات التحالف، من مجندات ومجندين شباب خلفوا وراءهم عائلاتهم، ومجالس أفراحهم، ليعينوا شعبنا على استرداد حريته من القبضة الفاشية. هؤلاء الأبطال، وكما الآلاف من بنات وأبناء شعبنا منذ سقوط صدام، راحوا ضحايا جرائم القاعدة وبعث صدام وجيش المهدي الإيراني الصنع والولاء حتى النخاع.
نعم، لم يستطع العراقيون لحد اليوم بناء نظام مستقر يتمتع بالحد المناسب من الديمقراطية العلمانية، وله برلمان يحترم تعهداته ومسئولياته الوطنية، وحقا إن المشاكل كبرى، والتفجيرات تتجدد، والنفوذ الإيراني الطاغي يجعل السفير الأميركي الجديد كرستوفر هيل أن يقول: quot;مشكلة العراق جارته إيرانquot;، وحقا إن المحاصصة باقية لتعيق كل تقدم وطني ديمقراطي، كما أن الفساد مستشري، وأراملنا وأيتامنا في أوضع تعيسة، وبيع الأطفال للداخل والخارج يتحول لظاهرة منتشرة بين الذين يعانون شظف العيش. تضاف لما مر الخلافات بين القيادات الحاكمة، والتطاحن حول الصلاحيات، وبقاء البرلمان بلا رأس!
هذا كله يجب أن يقال، ويجب البحث عن الأسباب ومحاولة إيجاد الحلول الواقعية من منطلق المصالح الوطنية العراقية، ولكن حقيقة كبرى يجب أن تقال بكل وضوح وبكل أمانة للتاريخ، حقيقة أن شعبنا، بل أن المنطقة أيضا، قد ربحا بسقوط صدام وذلك بالتخلص من بعبع كان يروع المنطقة ويقلقها، علما بأن هناك بعابع أخرى، خصوصا إيران، والقاعدة، ولكن الخلاص من أحد أنظمة الشر هو بحد ذاته ربح للعراقيين ولأمن المنطقة والأمن الدولي.
إن من يواصلون توجيه الإدانات لقرار الحرب يتناسون أن خلاص شعب بأسره من نظام فاشي غاشم هو إسهام في نضال الشعوب من أجل الحرية والعدالة، ناهيكم عن أن كل المغالطات حول الأسلحة لا يمكنها أن تنسينا استعمال الكيميائي، والعثور على كميات من الأسلحة الجرثومية عام 1996، ووجود مشروع نووي اتخذ مجلس الأمن حوله أكثر من عشر قرارات بموجب البند السابع من الميثاق الدولي، وإن عدم العثور على الأسلحة لا يعني أنها لم تكن موجودة وان بعضها لم يستعمل. إن موضوع البرنامج النووي قد أثير في مجلس الأمن قبل بوش بسنوات، ولو لم يكن يثير القلق الدولي حقا لما صدرت سلسلة من القرارات الدولية المتعاقبة، وإدارة بوش هي التي اتخذت القرار الصحيح الجريء بعد أن عارضت فرنسا وألمانيا وروسيا والصين تقوية العقوبات وتوجيه قرار إنذار حازم حاسم يخير صدام بين الكشف عن كل أسرار المشروع النووي أمام المفتشين ووقف حملات الإبادة، وإلا فهو استخدام القوة الدولية. أجل، بوش، ورغم كل ما قيل ويقال ضده، كان هو المحق لا تلك الدول التي أخضعت مصالح شعبنا وأمن المنطقة لمصالحها التجارية والنفطية. مع النظام المنهار كان من المستحيل حدوث تغير انفتاحي من الداخل في حين أن ثمة فرصا للتغييرات من الداخل لأننا لسنا في نظام شمولي دموي.
ثمة من ينتقد اليوم قرار الحرب لأن إيران قد ربحت هي الأخرى، بل امتد أخطبوطها لكل المنطقة، فضلا عن العراق الذي، على حد تعبير رفنسجاني، يحكمهquot; أصدقاء إيرانquot;! صحيح، لقد ربحت إيران، ولكنها اليوم لا تقل عرضة للعزلة الدولية عما كان عليه نظام صدام بل ربما أكثر، وإن دورها وقوتها النسبية عرضة للتغيرات المفاجئة جراء تحديها للمجتمع الدولي رغم اليد الأميركية الممتدة لها؛ فإيران ليست بالقوة التي تظهر بها للعالم.
إننا لو أردنا تشخيص عوامل وظروف هذا النفوذ الإيراني الطاغي في العراق، فلا ينبغي التركيز فقط على سوء التخطيط الأميركي لما بعد صدام، وهو فعلا عامل هام، بل تتحمل القيادات العراقية المسئولية الأولى، خصوصا تلك القوى الحاكمة المرتبطة بإيران ارتباطا وثيقا، سواء عن مصالح تكتيكية واعتبارات سياسية ضيقة، أو لارتباطات عضوية وأيديولوجية ومذهبية، وبحكم نشأتها، ويمكن القول بموضوعية إن القيادات العراقية عموما لم تبرهن على جدارتها القيادية في مرحلة ما بعد صدام، وظلت تتخبط وتتناطح فيما بينها ولحد يومنا، وهذا مؤلم ويستدعي المصارحة والانتقاد بلا مجاملات، فالمصلحة الوطنية العراقية هي فوق الجميع..