يحل موعد الانتخابات الأمريكية، والحكومة العراقية لم توقع على الاتفاقية، تاركة العراق تحت رحمة الوصاية الدولية. إنها، فوق ذلك، تضيف اليوم مناورة جديدة هي إرسال وفود إلى quot;دول الجوارquot; لتطمينها بأن الاتفاقية لا تضر بمصالحها!!، ونحن نعرف أن المقصود بدول الجوار هي سوريا وإيران بالذات. القيادات العراقية تخشى quot;الانتحار السياسيquot;، [ إن كان هذا هو فعلا هاجس الجميع!!]، ولكن الحقيقة أن مستقبلها السياسي هو الذي ينتحر في هذا المنعطف الخطير من تاريخ العراق الحديث.
إن قرار إرسال الوفود يأتي بعد الغارة الأمريكية على المعقل الرئيسي للقاعدة في ألبو كمال السورية، وبالتزامن مع شروع سوريا بنقل حرس الحدود بعيدا عن الحدود العراقية، والذي هو اعتراف فعلي بأن النظام السوري يستهدف امن العراق، واستقراره، ويتعمد فتح الباب واسعا أمام الإرهابيين للتسلل للعراق لقتل العراقيين، واستهداف القوات الأمريكية، التي تحمي أمن العراق، والعراقيين.
ليست سرا الرعاية السورية لإرهابيي القاعدة، ولفلول صدام، فخلال السنوات كلها منذ سقوط صدام تتالت الوقائع والشهادات، عن أن سوريا هي المعبر الحدودي الأول لتسلل الإرهابيين الإسلاميين، سواء القادمين من سوريا نفسها، أو من مصر والسعودية واليمن وأفغانستان، وغيرها، أو حتى من عواصم الغرب، ناهيكم عن إيوائها لزعماء فلول النظام العراقي المنهار.
إن النظامين السوري، والإيراني المتحالفين هما الراعيان الأولان [وليسا الوحيدين]، للإرهاب في العراق، والعدوان الرئيسيان، لا الوحيدان، لاستقرار العراق، ولتطلع شعبه نحو حياة أفضل، ولذلك فمن الغريب أن يتجه الحكام العراقيون نحو هذين النظامين بالذات، ونحو إيران خاصة، لاطلاعهما على بنود الاتفاقية الأمنية، أو بالأحرى ضمان موافقتهما، وهما لن توافقا على أية اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة !
إن النظام السوري معروف بفن المناورة والخداع والابتزاز، وهذه سياسة تتجلى خصوصا في لبنان، من حر، وبرد، من السماح بانتخابات الرئاسة اللبنانية، إلى حشد القوات على الحدود، والنظام السوري لم يحترم كل وعوده خلال الاجتماعات المتتالية لدول الجوار مع العراق بالحيلولة دون تسلل الإرهابيين للعراق، والوثائق التي اكتشفت قبل الغارة في سنجار دلت على مدى، وحجم الرعاية السورية للإرهاب في العراق، ومن هنا كانت الغارة الأمريكية لصالح العراق، ودفاعا عن امن شعبه، وإن استمرار التسلل الإرهابي من سوريا، واليوم سحب حرس الحدود، دليل جديد على مدى ضرورة الاتفاقية الأمنية، التي يواصل حولها حكام العراق، وقادة أحزابه، نهج المماطلة، والمزايدة، والمتجارة بالشعارات، بينما الانتخابات الأمريكية تحل.
إن تصرفات النظام السوري هي التي بررت الغارة الأمريكية، وأعطتها كل الشرعية، وبدلا من أن تنبري منظمة المؤتمر الإسلامي، وبعض الأنظمة العربية، ووسائل الإعلام العربية، لإدانة الغارة، فقد كان عليها، ومنذ سنوات، إدانة التدخل السوري المستمر في كل من العراق، ولبنان؛ وبدلا من سعار الصراخ المنافق ضد الاتفاقية الأمنية من جانب وسائل الإعلام العربية الحكومية، وشبه الرسمية، وحسب تصريحات بعض المسئولين، فنحن نتوصل، كما يكتب الأستاذ محمد الطائي، quot; إلى نتيجة أن الاتفاقيات الأمنية بين الدول العربية، والولايات المتحدة، كلها حلال، بينما الاتفاقية الإستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة حرام، وذلك كما نتابع البرامج اليومية، والأسبوعية في فضائيات دول الجوار، فضلا عن بعض كتاب المقالات في بعض الصحف الرسمية، أو الأهلية، في نفس تلك الدول التي فيها قواعد أمنية، ولها تحالفات أمنية مع الولايات المتحدةquot; - اتفاقات مع قطر، والسعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، والأردن، وتركيا، وقواعد عسكرية في قطر، والبحرين.quot;
النظام السوري يتوهم أنه قوي منيع، حصين، وهو يمارس سياسات مزدوجة، من تقرب للغرب بعد أن أعطاه سركوزي صك تزكية لا يستحقه، ومن وضع الموانئ السورية تحت تصرف الأسطول الروسي، وهو يتوهم أن انشغال أمريكا بانتخاباتها فرصة كبرى لمواصلة سياسة التدخل، ورعاية الإرهاب في العراق ولبنان.

إن العراق لا يزال يواجه مخاطر أمنية كبرى، خصوصا بعد فتح سوريا لأبواب حدودها مكشوفة، وإن التدخل الإيراني متواصل، ومقتدى الصدر، أداة إيران الأولى في العراق، يواصل تنظيم المظاهرات الغوغائية في بغداد وخارجها باسم السيادة الوطنية، هذه السيادة التي ينتهكها سادته كل يوم، وكل ساعة، وإذا كانت الحملة على المسيحيين قد خفت، فلا ضمان لعدم انفجارها مجددا. أما الانتخابات المزمع عقدها، والتي تدور حولها معارك سياسية ضارية، فنعتقد أنها ستكون عاملا إضافيا لتأجيج المخاطر الأمنية، لكونها، كما نرى، محملة باحتمالات تفاقم الصراعات بين القوى، والأحزاب للاستحواذ على عدد أكبر من مقاعد النفوذ، والامتيازات في المحافظات، وكل هذا فيما تتدهور أحوال الجماهير لحد أنه لا يزال أكثر من 40 بالمائة من المواطنين لا يحصلون على مياه صالحة للشرب، بحسب تقرير الصليب الأحمر، الذي يحذر من كوارث صحية كبرى.
السيد المالكي يضيع فرصة تاريخية كبرى بعدم توقيعه على الاتفاقية، والانتخابات الأمريكية ستجري بعد يومين لا غير. وفي وقت يعرف فيه الجميع أن القوات العراقية، من عسكرية، و أمنية، بحاجة للدعم والمساندة من القوات الأمريكية في تنفيذ العمليات الميدانية، ومواجهة موجات العنف.
نقول أخيرا إننا لا نريد هنا تكرار ما سبق إيراده من حجج لأهمية الاتفاقية، وقد تزايد عدد الكتاب الذين ذهبوا هذا المنحى، وآخر ما قرأنا تصريح شخصي للشيخ فرحان الساعدي، الأستاذ في الحوزة العلمية بالنجف، نقول هو تصريح باسمه كمواطن عراقي، وليس تصريحا رسميا باسم الحوزة، حيث نؤكد مجددا أن المراجع الدينية يجب أن لا تقحم نفسها، أو يجري إقحامها، في القضايا السياسية، وتفاصيلها.

يقول الشيخ الفرحان:
quot;لأول مرة تتمكن جهة في العالم، تتعامل مع القوات الأمريكية، من انتزاع بند يقول إن القضاء هو المسيطر خارج القواعد الأمريكية على قرار المساءلة القانونية، ولكن، ويا للأسف، فإن المفاوض العراقي ظل يترنح كما يجري الأمر معنا في العراق، حيث لا ننجز شيئا إلا بالمماطلة. إن التصرف مع أمريكا على هذا النحو شيء مقلق، فنحن نتعامل مع دولة كبرى، ويجب أن يضع المفاوض في اعتباره أن هذه الدولة تتمكن من إصدار قرار من الأمم المتحدة يبقي العراق معلقا في مشجب البند السابع إلى ما لا نهاية.quot;