تعرضت سياسة إدارة بوش في مواجهة 11 سبتمبر، وبعدها، إلى حملة تشهير وتشويه عالمية، ساهم فيها أوباما وحزبه بقسط هائل، وهي حملة قائمة بنشاط جنوني لحد اليوم. وقد وصلت الحالة لتوجيه كل ما يمكن من اتهامات إلى الأجهزة الأمنية الأميركية، ووضعها في قفص الاتهام، ونشر أسرار تخص الأمن القومي نفسه، بل والأمن الدولي كله.

لقد أشرنا مرارا إلى مخاطر مد اليد للأعداء، باسم الانفتاح والحوار، ونسيان ضحايا هذه القوى والأنظمة، التي يبدو أن اوباما شديد التلهف للجلوس معها، وبأي ثمن كان. إن قوى التطرف والإرهاب والتوتر الدولي لا تفسر بغير الضعف سياسة اليد الممدودة باستمرار، وبدون التلويح الحازم بالعصا الغليظة.

لقد غابت محكمة الحريري على مذبح الانفتاح الأميركي على سوريا، وها نحن نرى تعجيز الحريري عن تشكيل حكومة، رغم أن تحالفه هو الذي نجح في الانتخابات. فهل من المبالغة أن نرد جزءا كبيرا من المسؤولية إلى يدي الإدارة الأميركية الممدودتين لسوريا وإيران؟ وأين طارت محكمة البشير؟! استعاضت عنها أميركا بفتح كل القنوات على نظام البشير، وإنكار حدوث حرب إبادة في دارفور. وباسم الانفتاح على سوريا، لم نسمع كلمة تعاطف أميركية مع ضحايا تفجيرات الأربعاء الدامي، ونجد موقفا محايدا باردا بين العراق الضحية وسوريا المعتدية.
لقد كان المفترض استخلاص الدروس الكبيرة من 11 سبتمبر، وفي مقدمتها أن الإرهاب الإسلامي قد تحول لحرب شاملة ضد قيم الحرية والديمقراطية في كل مكان، وضد حياة الإنسان، وأن شعار quot;الحرب على الإرهابquot; لم يكن خاطئا، بل، على العكس، كان ولا يزال هو الشعار الصحيح الوحيد في مواجهة حرب الإرهاب. أما الأنظمة التي تنشر الإرهاب وتدعمه، كإيران خاصة، فإن اللين والتمادي فيه باسم الانفتاح لا يمكن إلا أن يشجعها على المضي في طريق التوتر والتدخل الإقليمي والانتشار النووي.
لقد وجه اوباما رسالته المعروفة للعالم الإسلامي. لكن عن أي عالم كان يتحدث، ولأية أطراف فيه؟ فالعالم الإسلامي خليط سكان وقوى سياسية واجتماعية ودينية وأثنية - فهو ليس كتلة متجانسة. فمن كان الذين يخاطبهم؟؟ وما مغزى حملته على الدول الغربية التي تضع قيودا على الحجاب؟ ومغزى تعيين مستشارة له محجبة؟ واستضافة فتاة مسلمة محجبة سوداء؟ ألم يجد امرأة مسلمة لبرالية غير محجبة ليحييها؟ ثم توجيه التحية لمحجبة أميركية ربحت قضيتها في المحاكم لرفضها نزع الحجاب أمام المحكمة؟ أليست في هذه الوقائع وغيرها رغبة في كسب المتزمتين المسلمين، ما دام لا يوجه العناية اللازمة للتيارات والشخصيات العلمانية المسلمة؟ ونسأل: لماذا لم يقل كلمة صغيرة تضامنا مع ضحية النظام الإسلامي الغاشم في السودان، لبنى عبد العزيز، فيما يحيي من أصرت على لبس الحجاب في غير مكانه؟!!
أما إيران، فقد فهمت سياسة أوباما المتناقضة نحوها بعكس المطلوب؛ فقد ازدادت العنجهية الإيرانية، ومازالت تصر علنا على أن ملفها النووي مغلق وغير قابل للنقاش، وهي تواصل استيراد السلاح المتطور من كوريا الشمالية وروسيا. وفي أفغانستان، عاد الطالبان بزخم هائل، وانتشرت عمليات القاعدة في باكستان وأفغانستان والعراق واليمن والصومال.
نعم: إن من الواجب مكافحة العوامل والظروف التي تشجع على انخداع شرائح من المسلمات والمسلمين بأفكار التطرف الإسلامي، ومن ثم الانخراط في عمليات إرهابية، ومن ذلك مكافحة الفقر والأمية والتوعية الفكرية وعزل فقهاء التطرف عن استغلال المنابر الإعلامية والدينية. لكن مكافحة الإرهاب تستدعي، في نفس الوقت، العلاج الفوري الحازم، أي ملاحقة المتطرفين والإرهابيين، وعدم التسامح معهم، وعدم وقوع القضاء ضحية للنزعة الملائكية، أو ضحية لمحامين يستغلون ثغرات القانون لصالح المجرم.
إن العمل لتوفير وسائل المناعة ومنع العدوى، وإن العلاج الإستئصالي الفوري، أي الحرب على الإرهاب، هما وجها العملة في التصدي للإرهاب. وها نحن مع الأسف أمام وضع دولي خطير: ففقهاء الإرهاب الإسلامي منتشرون في كل مكان، وفي العالم الإسلامي خاصة، ولكن في الغرب أيضا. والدول المبتلاة بجراثيم الإرهاب، كباكستان والسعودية، لم تعمل كل ما يجب لمكافحة أفكار التطرف والتكفير. وما أحسن قول طارق الحميد، وهو يتحدث عن الحالة السعودية، إذ يقول، [سبق لنا الاستشهاد بذلك]: quot;فهل علينا أن نلوم السوريين والإيرانيين وغيرهم؟ لماذا لا يكون لدينا جهد فكري على مستوى التعليم، ورجال الدين، وهم الأهم، لحماية شبابنا وإبعادهم عن تلك المهالك؟
ويقول غسان شربل في افتتاحية quot;الحياةquot;: quot;يشن المتطرفون حربا شاملة ، متعددة المسارح وعابرة للحدود.quot; إنها حرب طويلة، تستدعي مواجهة أمنية صارمة بلا تردد، وبلا إيجاد ذرائع للمتطرف والإرهابي. إنها quot;معركة أمنية وسياسية وثقافية وداخل الكتب والإعلام والأسرة. وهي معركة تستدعي وعيا شاملا، وإرادة صلبة، وجرأة، وإمكانات. ويخطأ من يتوهم أنه غير معني بهذه المعركة ونتائجها، وأنه يربح بفعل مهادنة التطرف وأفكاره.quot; [ شربل].
نعم، إن التذرع بوجود ظلم ما لا يمكن أن يبرر فتح بوابات الظلام. وهذا خطاب يصلح لأوباما أيضا، كما هو موجه للقادة والنخب في العالم الإسلامي، وللعرب على وجه الخصوص. ولا يزال العدد الأكبر من علماء الدين المسلمين، ولهم منابر دائمة في الفضائيات العربية، يبثون سموم التفرقة وابتكار المحرمات، مع الحث على الموت والكراهية باسم quot;الجهادquot;، فيما التفجيرات تتواصل في بلدان كثيرة، معظمها داخل العالم الإسلامي.

إنه ليس الفقر والظلم؛ فليس كل فقير ومظلوم مهيئا للإرهاب، أو مستعدا له وراغبا. بل، إنه غسل الأدمغة بالسموم، ووجود دول وقوى متمكنة تشجع وتدعم التطرف وفرق الإرهاب، وهي، مع الأسف، لا تزال ماضية في نهجها الجهنمي بلا رادع.