لا تزال المقالات تكتب عن دلائل فشل فاروق حسني، ومغزاه. وآخر ما قرأنا مقال الكاتب المتميز مجدي خليل في إيلاف، ومقالان في الحياة بقلم الكاتب السعودي، زياد بن عبد الله الدريس، [المقال الأخير في عدد 7 أكتوبر الجاري من الحياة].
الانتخابات مضت، والموضوع ليس مصيريا، وقد كتب عنه الكثير. فهل هو يستدعي المزيد؟
سؤال وجيه- علما بأنه إن كان كل جديد يكتب يعطينا أفكارا جديدة، أو معلومات جديدة ودقيقة تصحح بعض ما كتب، فقد تكون العودة مفيدة. ومن هذا المنطلق، ولغرض تصحيح بعض المعلومات، وإضافة أخرى، أكتب التالي، مع اعتقادي بأن هناك موضوعات الساعة، الأكثر إلحاحا بالتوقف عندها، ومعالجتها، سواء كانت قضايا عربية، أو إقليمية، أو دولية.

عودة لصفحة شبه منسية:
لقد عملت في اليونسكو طويلا، ونشرت كتابا ضخما عام 1987 بعنوان quot;اليونسكو: ضوء في آخر النفقquot;، ورافقت تأسيس مجموعة عربية مستقلة، ذات نشاط منتظم وموحد، عام 1971، وكانت غير موجودة قبل دخولي المنظمة. وقد انتخبنا الدكتور أحمد فتحي سرور سكرتيرا، وأخذنا بمبدأ الرئاسة الدورية للمجموعة. وكان الدكتور سرور،عهد ذاك، ممثلا للمنظمة العربية للتربية والثقافة، quot;أليكسوquot;.
لقد فند عدد من الكتاب، وكذلك مقالاتنا ، خرافة عداء الغرب لانتخاب مسلم على رأس اليونسكو، وأوضح بعضهم، عن حق، وآخرهم مجدي خليل، بأن شخص المرشح المصري لم يكن وحده سبب فشله، بل، قبل كل شيء، وأساسا، الأوضاع السلبية المعروفة في المجتمع والسياسة المصرية: كحرية الدين، وحقوق الإنسان. وعامل مماثل أدى لفشل الدكتور غازي القصيبي، رغم كونه كان مرشحا كفئا، وجديرا بالمنصب.

عداء غربي للعالم الإسلامي؟!!!
في 1974، انتخب المؤتمر العام السنغالي المسلم، أحمد مختار أمبو، مديرا عاما، وتجددت ولايته حتى 1987. وقد رد أحد الكتاب: نعم هذا صحيح، ولكن أميركا والغرب الأوروبي وقفا ضده.، أما الصحيح، فهو أن الغرب هو الذي لعب دورا كبيرا في انتخابه عام1974. لماذا؟ لأنهم اعتمدوا عليه، وعلى الدول الأفريقية، لفرض التراجع عن عدة قرارات قوية اتخذها المجلس التنفيذي من قبل ضد إسرائيل. ففي عام انتخابه، مارس الغرب، وأمبو والمجموعة الأفريقية، ضغوطا هائلة على العرب لتحقيق التراجع. صحيح، لقد كنا في بعض المواقف متشنجين، بل، وأحيانا، وقف العديد منا ضد الموقف المرن لمنظمة التحرير الفلسطينية. من ذلك، مثلا، أننا فرضنا قرارا ضد رغبة المجموعة الغربية في انضمام إسرائيل إلى مجموعة أنشطتها الجغرافية. عجيب كان تشددنا: فالقضية لا تخصنا، بل هناك طلب إسرائيلي مدعوم غربيا، وإسرائيل دولة عضو ولا يمكن أن تظل خارج المجموعات الإقليمية للأنشطة. مع ذلك، فرضنا قرارا بأغلبية هزيلة. وفي حالة أخرى خرج كل المندوبين الغربيين من قاعة المجلس احتجاجا. كذلك فرضنا في المؤتمر العام قرارا بقطع مساعدات اليونسكو لإسرائيل بسبب أحوال حول التراث الثقافي في القدس، والتعليم في الأراضي المحتلة. وقد مر مشروع قرارنا بالأصوات التالية:
59 مع؛ 34 ضد؛ 24 ممتنع- أي انشقاق عملي حقيقي بين الدول الأعضاء. من بين الممتنعين كانت السنغال، دولة المرشح أمبو، وعدد أخر من الدول الأفريقية.كما غابت عن الجلسة 18 دولة، بينها عدة دول أفريقية.
إن الدول الأفريقية ظلت تربط مواقفها بشخص المدير العام الأفريقي، سواء عام 1974، أو في مؤتمر نيروبي لعام 1976، مروجة بأن كل موقف لا يرضاه هو موجه ضد الأفارقة. وقد تأزمت العلاقات العربية مع أمبو، وجرت مساعي لتجميد منح المنظمة قروضا عربية لمعالجة أزمتها المالية. نضيف أن الدكتور حسن نافعة كرر هذه المعلومات في كتابه quot; العرب واليونسكوquot;، الصادر عام 1989 .
جاء أمبو المؤتمر العام في عام 1976 بمبدأ [ الاتفاق العام]، فاعتبرناه من وحي كيسنجر، بينما رحب الغرب، وراح عدد من مندوبيهم يكيل المديح الحماسي للمدير العام.
لست بصدد من كان المحق، ومن المصيب، مع أن رأيي اليوم، وهو الذي كتبته مرارا، هو أننا كنا متشددين، ونتصرف كما لو كانت اليونسكو منظمة الأمم المتحدة. وأحمّل نفسي، ونواة صغيرة في مجموعتنا عهد ذاك، مسئولية خاصة، إذ كانت ثمة مواقف عربية معتدلة عارضناها، وفي نيروبي وقفنا ضد وفد منظمة التحرير، واتهمناه بالمساومة مع إسرائيل والغرب، لمجرد أنه قال إن قضية انضمام إسرائيل للمجموعة الغربية ليست قضية فلسطين والعرب.
أحداث تلك الفترة كثيرة ومتشعبة، ولا فائدة من العودة، ومن شاء التفاصيل عن تلك الحقبة، أعني في عهد ولاية أمبو الأولي، فيمكنه أن يراجع أحد الكتابين المذكورين أعلاه.
أما وقوف أميركا ودول الغرب ضد إعادة ترشيح أمبو لولاية ثالثة، فيعود لاقترافه سلسلة أخطاء إدارية متلاحقة، وعمليات تبذير، ولرغبة الدول في تجديد الدم، وعدم احتكار الأفارقة للمنصب. هنا جاء انتخاب الإسباني مايور في معركة انتخابية كثر فيها المرشحون. وللعلم، فإن مايور لم يحصل في الاقتراع الأول إلا على 6 أصوات.
قبل ترك هذه النقطة، نود الثناء على شخص امبو، فقد كان رجلا ذا دراية وكفاءة، وشخصية قوية، وقدم الكثير لشعوب الجنوب، وكان هو المحق في المطالبة بالأخذ بمبدأ الاتفاق العام في اليونسكو جهد الإمكان، إلا في حالات التعذر.
هذا، ويجب القول أيضا بأن شخص حسني لعب دورا في الفشل، كما قال عدد من الكتاب، وإن لم يكن دورا رئيسيا وحاسما: سواء بسبب بعض تصريحاته المعروفة، أو لثبوت عدم استيعابه لطبيعة اليونسكو، ومشاكلها، وأهدافها، والإستراتيجية المطلوبة لتصحيح الثغرات والسلبيات. وإذا قارنا أجوبة المرشحات الثلاث، وحتى البجاوي، أمام المجلس التنفيذي، بأجوبته، فإن تلك الحقيقة تبدو للعيان. وهذه نقطة سبقت لنا الإشارة لها- نعني جوابه حين سئل عن مشروعه للدفاع عن حقوق الإنسان لو تبوأ المنصب، أو جوابه عن الإستراتيجية التي يقترحها لنشاط ومسيرة اليونسكو، وأسئلة أخرى. أما وقفة العرب حول ترشيحه، فنادرا ما يذكر أنه كان هناك 3 مرشحين عرب أكفاء، على دراية تامة بعمل وطبيعة اليونسكو، ومن داخلها: مرشحة مغربية، كانت رئيسة المجلس التنفيذي، ومرشح من سلطنة عمان ومرشح اليمن. ولكن الضغط المصري دفع دول المرشحين للتراجع. وفي رأيي، أن كلا من أولئك المرشحين كان أكفأ من حسني، دون أن نذكر البجاوي، الذي لم ترشحه دولة عربية، فهو الآخر كان ذا خبرة طويلة بعمل اليونسكو، حيث كان لسنوات طويلة سفير بلاده لدى اليونسكو وباريس معا، وقال عدد ممن حضروا الاجتماع إن أجوبته كانت في الصميم.
ومعذرة للعودة للموضوع.