هموم مصر تهم كل الشعوب العربية والمنطقة، بل، وكذلك الوضع الدولي. فمصر هي كبرى الدول العربية، ولها من تاريخها ومن موقعها الجغرافي ومن ارتباطها بمجمل المشاكل العربية، ما يجعل حاضرها ومسارها القادم من همومنا جميعا. ومن هذا المنطلق، وحبا لمصر وشعبها، أبدي هذه الملاحظات تعليقا على ترشيح فريق من المثقفين المصريين الديمقراطيين- ممن أحترمهم وأقرأ لهم- للدكتور البرادعي كخليفة للرئيس حسني مبارك.
بادئ ذي بدأ، أعرف أن ما يجري في داخل مصر لا يسر كله، بل، وفيه كثير مما يحزن وما يغضب، وأقصد، أولا، محنة الإخوان الأقباط، وما يعانونه من مطاردة وتضييق وعنف على مدى سنوات، من دون أن تولي الرئاسة والحكومة المصرية اهتماما جديا لمشكلة هي متعددة الجوانب: وطنيا وإنسانيا واجتماعيا وفكريا. وكانت مجزرة نجع حمادي واحدة من الأكثر هولا في سلسلة الجرائم البشعة ضد أقباط مصروهم من أهل البلد الأصليين.
إن هذه المشكلة مرتبطة ارتباطا كليا بالمشكلة الأعم والأكبر، وأعني غزو التطرف الديني الإخواني للشارع المصري، وزحفه للثقافة والصحافة ومناهج المدرسة والجامعة، وحتى للقضاء، ويا عجبا- هذا القضاء الذي سبق وأن قضى بفصل مفكر بارز عن زوجته، واليوم ينقض قرار الأزهر نفسه حول النقاب.
هناك أيضا مشكلة الفساد، وقضية التضييق الديني، إخوانيا أو أزهريا، على حرية الفكر والتعبير والإبداع، مع سلبية وعدم مبالاة، وأحيانا مسايرة، من جانب الحكومة نفسها أحيانا، أو بعض وزاراتها. فالحكومة المصرية والرئاسة تتحملان مسئولية كبرى عن زحف الفكر والتطرف الإخوانيين بسبب مواقف الصمت أو المجاراة أحيانا- تلك المجاراة التي بدأها الرئيس الراحل السادات فوقع ضحية ذلك. إن التساهل الفكري يشجع فكر التطرف والمتطرفين، والإجراءات الأمنية المتعثرة والموسمية وغير الحازمة، كلما تعرض الأقباط للعدوان، لا يمكن لوحدها أن تلجم التطرف وممارساته العدوانية.
أعرف هذا، وأتألم له، وأشارك من يغضبون منه ومن يستنكرون.
في الوقت نفسه، ثمة جوانب أساسية أخرى لابد من أخذها بالحسبان لتكوين موقف واقعي ومتكامل من موضوع الرئاسة المقبلة.
هذه الجوانب تخص الخطر الداخلي الأكبر، الذي يشكله الإخوان على مصر وعلى الرئيس نفسه، وسيطرتهم الفكرية على الشارع، بحيث لو جرت اليوم انتخابات حرة لفاز الإخوان بدور قوي جدا في البرلمان بما يمكنهم من العرقلة والإرباك المستمرين.
أما إقليما، فمصر لها معاهدة سلام مع إسرائيل، وبالتالي تصلح لكي تلعب دورا كبيرا في التوصل للحلول السلمية العادلة للصراع العربي ndash; الإسرائيلي، وهو ما يعرقله المتطرفون الفلسطينيون وإيران وسوريا. كما أن مصر معرضة للخطر الإيراني وخطر أدوات إيران، كحزب الله، وحماس. ونعرف تفاصيل الخطة الإرهابية لحزب الله والتي فشلت لحسن الحظ. كما نعرف الاستفزازات المستمرة التي تمارسها حماس ضد مص.
إذا أخذنا مجموع هذه الحقائق والظروف بعين الاعتبار، فالمعارضة الديمقراطية والعلمانية في مصر، كما أفهم، لا يمكن أن تتخذ موقف العداء تجاه النظام المصري ورئيسه، أي اعتباره العدو الذي يجب التخلص منه، بل تمارس الضغوط من الداخل وتستثير الضغوط الخارجية quot; الإيجابيةquot; المستمرة لدفع الرئيس المصري وحكومته نحو المعالجة الجادة والعملية لمشاكل مصر، كقضية الأقباط، والفساد وحرية التعبير وإعادة النظر في المناهج الدراسية، ألخ. ولا يكفي لمكافحة التطرف الديني والفكري اتخاذ بضعة إجراءات أمنية عابرة، برغم ضرورة الجانب الأمني.
إن مصر والمنطقة أمام خطر خارجي داهم هو الخطر الإيراني، الذي لابد من مواجهته: مصريا، بصف داخلي متين وبسياسة خارجية حكيمة وحازمة، وبرئاسة واعية تاما للخطر الإيراني، ولا تجامل إيران على حساب أمن مصر والمنطقة.
والآن، فهل الدكتور البرادعي هو مرشح مؤهل؟ لا أعتقد. فقد برهن الرجل في موقعه الدولي في وكالة الطاقة بتراخيه تجاه نظامي صدام ونظام الفقيه الإيراني. لقد شجع الدكتور البرادعي أوباما على سياسته المتراخية والمتناقضة تجاه النووي الإيراني، وكان يكرر باستمرار أن المشكلة تحل إذا دخلت أميركا في حوار مع إيران بلا قيد أو شرط- أي تجاهل قرارات مجلس الأمن وما وصل إليه الموقف بين إيران ودول 5+1 قبل أوباما. وهذا ما كان. ونعرف النتيجة، وهي تضييع عام كامل من وقت ثمين فيما كانت إيران تواصل تحدي المجتمع الدولي بالتخصيب المستمر، حتى وصلنا لحالة اليوم، حيث يبدو أن أوباما، [ ربما ]، استيقظ أخيرا من قيلولة أوهامه، بعد أن كان يعتقد أن كل ما عليه هو الانقضاض على سياسات بوش باسم تحسين الوجه الأميركي، وكأن التعنت الإيراني كان بسبب بوش وليس بسبب مخطط إيراني مدروس ويتبع منذ 2002 وقبله لفرض إيران زعيمة أوحد على المنطقة.
إن الدكتور البرادعي ربما يفهم الدبلوماسية ميوعة وتساهلا مع الجاني، لتحقيق اتفاق ما معه بأي ثمن بوهم إقناعه بترك طريق العدوان وأحلام الهيمنة- تماما كأوهام أوباما خلال العام المنصرم.
إن مصر بحاجة لرئيس مجرب، له علاقات عربية ودولية واسعة، ويتبع سياسة خارجية حازمة ومعتدلة مرنة في وقت واحد. ومصر بحاجة لرئيس لا يتساهل داخليا مع أفكار وممارسات التطرف والمتطرفين. فهل الدكتور الفاضل يتمتع بهذه المواصفات؟ هل هو قادر على موقف حازم من خطر النووي الإيراني، وعلى موقف واضح وصارم، متعدد الجوانب، من خطر التطرف الإسلامي داخل مصر وخارجها؟
شخصيا لا أعتقد، ولا أتمناه رئيسا لمصر، خصوصا، وأنا، كوطني عراقي، ترعبه السياسة الإيرانية التي تعيث فسادا وتطرفا وعنفا في العراق وفي المنطقة. إنني لست مقتنعا بقدرته على تفهم الأخطار الداخلية والخارجية واستيعاب مجمل الظروف والأوضاع ليكون أهلا لقيادة مصر في محيطات هذه الأخطار. وإذ أعبر عن وجهة نظري هذه، فلا يعني ذلك تفضيلي لتحول مصر إلى quot;جمهولكيةquot;!! ndash; عارفا، في الوقت نفسه، أن البحث عن الخيار الصالح ليس سهلا. وعلى كل، فالرئيس مبارك لا يزال على قيد الحياة!