1 - صراعات quot;تجتثquot; شعبنا تدريجيا، جسدا وعقلا.

الجزء الأول

جسدا؟ بهذه العمليات الإرهابية الدموية، وخصوصا منذ الأربعاء الدامي، وصولا لتفجيرات بغداد الأخيرة يومي الاثنين والثلاثاء، ومعها تفجير في النجف.
كل هذه التفجيرات تضاف إلى تفجيرات قبلها، وإلى الحرب الطائفية قبل سنوات، ومن قبلها فتن الفلوجة والنجف والصراعات والمصادمات الدموية في البصرة وكل الجنوب والوسط ـ ناهيكم عن الحرب الدينية المستمرة ضد المسيحيين وبقية الأقليات الدينية
صراعات داخلية وإقليمية، وذات بعد دولي، تواصل نخر العراق، واجتثاث المزيد بعد المزيد من الضحايا، وعلى مدى حوالي سبع سنوات، وكأنه لم تكف العراق وشعبه حروب صدام وquot;غزواتهquot; الداخلية والخارجية، وبقية جرائمه الوحشية. شعب له أكثر من 5 ملايين يتيم، ولا ندري كم مليونا من الأرامل المفجوعات. شعب لا يفكر في الانتخابات المتتالية بقدر ما يفكر في الأمن والطمأنينة والعمل والخدمات والعيش بسلام.
ترى من هي القوى المتصارعة على ساحة العراق؟ إنها كثيرة، ولعل الأخطر منها حرب إيران، [المتحالفة مع سوريا]، على أميركا عبر العراق، دون تجاهل الصراع السعودي ndash; الإيراني في المنطقة، ومنها العراق. إيران تصدر أزمتها للعراق واليمن ولبنان وغزة وغيرها، ولها في العراق من القدرات والأدوات والأعوان ما يمكنها من أن تفعل ما تشاء ومتى تشاء على أرض الرافدين، ولا تتورع عن التعاون مع القاعدة مباشرة ومع البعثيين الصداميين بواسطة سورية.
ترى من هي القوى التي تنفذ هذه العمليات الإرهابية المتتالية؟ هل بعثيو صدام؟؟ هل القاعدة ؟ أم عصائب أهل الحق وبقية عملاء الجنرال الإيراني سليماني، كلواء اليوم الموعود؟ أم مجموع هذه القوى تحت قيادة quot;مايستروquot; مجرم شرير، له إمكانات فنية كبرى، هي إمكانات دولة أو أكثر من دولة واحدة؟
لا أعتقد أن التوصل لحقيقة دامغة بهذا الشأن ممكن على يد الحكومة الحالية ومؤسساتها لكونها طرفا رئيسا في الصراعات القائمة، ولأن مؤسساتها الأمنية مخترقة من أكثر من جهة. إن ما نحتاجه هيئة دولية مقتدرة ذات صلاحيات تقوم بالتحقيق، مع الاستئناس بما تقدمه الحكومة والقوات الأميركية من معلومات، فبدون هيئة دولية هي فوق الصراعات، ومحايدة تماما، لا أعتقد أنه يتم التوصل إلى تحديد المسئولية بدقة موضوعية عن حرق المواطنين حرقا، وتشخيص الأدوار في الجرائم المقترفة، تنفيذا وتخطيطا.
أما quot;الاجتثاثquot; العقلي، فبنشر سموم الكراهية والتفرقة والطائفية والفئوية، وترويج الإشاعات والاتهامات، والشحن العاطفي والغرائزي، كما يفعل حاليا مقتدى الصدر في مدن النجف والجنوب بحجة الحرب على البعث، ورفض quot;التدخل quot;الأميركي. شحن الجهلة والمخدوعين ، للتحريض على القتل، ولصرف الأنظار عن الاحتلال الإيراني في فكة حيث أن الضجة المحتدمة حول قرارات السيد علي اللامي تطغي على الوجود الإيراني في فكة، وهو ما ترتاح له بعض الأطراف الحاكمة، ومن بينها من يعتبر بلاده إيران قبل العراق، كما قال السياسي العراقي السيد إياد جمال الدين. ولا ننسى استغلال المناسبات الدينية الشيعية، والمتاجرة بها، وهو ما كتب عنه الأستاذ غالب حسن الشابندر مقاله المتميز في إيلاف.

2 - quot;الديمقراطيةquot; اللاديمقراطية!
ربما استخدمت شخصيا مرة أو مرتين عبارة الديمقراطية العراقية منذ سقوط صدام، ثم تراجعت عن ذلك، مخالفا الأكثرية بذلك. فالواقع أنني أفضل عبارة quot;العملية السياسيةquot; أو المسلسل الانتخابي، فليس لنا من quot;ديمقراطيةquot; غير انتخابات متتالية تقوم على أسس ومعايير هي في الغالب فئوية ومذهبية، لا على أساس برامج سياسية وطنية مدنية، كما لدينا قدر من حريات.
في رأيي، ليس في العراق اليوم، بعد زوال النظام الفاشي، غير نظام شبه ديني يقوم دستوره على أحكام الشريعة، وتخضع قوانينه لما يعتبره الدستور quot;ثوابت الإسلامquot;. وهذا لا يعني خلو الساحة من قوى علمانية وديمقراطية، ولكن


تصريح بترايوس:
[وعلى الصعيد ذاته إتّهم الجنرال ديفيد بترايوس قائد الجيش الأميركي في الشرق الأوسط وشرق أفريقيا هيئة quot;المساءلة والعدالةquot; في العراق بأنها أصبحت أداة بيد فيلق القدس التابع لإيران. واضاف في مقابلة مع صحيفة quot;تايمزquot; اللندنية امس أنه ليس قلقًا من أن يؤدي قرار شطب مرشحين من قوائم الانتخابات إلى إندلاع إضطرابات. وأعرب عن امله بأن تكون ازمة اجتثاث المرشحين في طريقها الى الحل قائلاً ان السؤال المهم يتعلق بالطريقة التي اتاحت لطاقم الاجتثاث القديم quot;المرتبط بإيرانquot; ان يتسلل الى هيئة المساءلة الجديدة.]

الزمام هو لأحكام الشريعة ودعاتها، وبالأخص، أحزاب quot;حاكمية الأكثريةquot;، على حد تعبير أحد قادة المجلس الأعلى، حين أفتى في إحدى خطبه بأن quot;الحاكميةquot; هي للشيعة باعتبارهم أكثرية، وهو نفسه قد أفتى بأن زيارة كربلاء أهم عند الله سبع مرات من الحج لمكة!!
في المسودات الأولى للدستور الدائم لم تكن هناك كلمة واحدة اسمها quot;ديمقراطيةquot;، وأمام الاعتراضات، أضيفت الكلمة على أن تخضع كل القوانين للثوابت إياها. وأحكام الشريعة شيء والديمقراطية - وركنها الأول حقوق الإنسان - شيء آخر. والحرية الدينية مثال واحد على الفرق. وهو يصدق على جميع فرق الإسلام السياسي. . فاليوم يعتبر من خرج من دينه الإسلام لدين آخر quot;مرتداquot;، وعقوبته حكم quot;الردة. وهذه قاعدة يؤمن بها ويطبقها الإسلاميون من المذهبين السني والشيعي. وتمتد القاعدة أحيانا لتبرير اضطهاد أصحاب الأديان الأخرى، كما يجري في العراق، وكما هو وضع الأقباط المضطهدين في مصر. أي أن أحكام الشريعة تحد من حرية الضمير وحرية المعتقد. والفارق الرئيسي الآخر يخص وضع المرأة وحقوقها، ولا أفصّل هنا.
النظام العراقي اليوم لا يقوم على أساس المواطنة والمواطن، فالبلاد تمزقه الضغائن والعقد من كل نوع، والانتخابات نفسها لا تنطلق من مبدأ المواطنة المشتركة. وإن الخضوع لأحكام الشريعة يعني تسلط رجال الدين والفقهاء في التعليل والتفسير. وعندما يُخضِع الدستور العراقي كلَ قانون للثوابت التي يحددها الفقهاء وحدهم، فيعني إعدام عبارات الديمقراطية الواردة في الدستور. والأحزاب الدينية الحاكمة والحكومة تتشبث في كل صغيرة وكبيرة باسم المرجع الشيعي الأعلى مع انه مرجع ديني لا سياسي، وهو مرجع لمذهب واحد دون بقية المذاهب والأديان العراقية.
أما نظرية quot;الحاكميةquot;، فهي ضد التناوب السلمي للسلطة، وتعني احتكارها وحصر مناصبها الحاسمة وعتلاتها الكبرى في أيدي الأحزاب الشيعية التي تقول إنها تمثل مجموع شيعة العراق، رغم أن هناك من شيعة العراق من يخالفونها في العقلية والتصرف والممارسة.
الديمقراطية هي لبرالية ومدنية، وهي نظام سياسي ليست الانتخابات الحرة ركنه الأوحد، بل هناك أركان أخرى كسيادة القانون ومبدأ المواطنة والفصل بين السلطات وضمان كل الحريات الأساسية ومنها الحرية الدينية وضمان كامل حقوق المرأة وحقوق القوميات والأقليات القومية والدينية .

3 - بعض الأسئلة عن قرارات quot;المساءلةquot;:
تناولنا الموضوع في مقالات سابقة وهنا نطرح بعض الأسئلة لا غير:
أولا- من أصدر القرارات؟ هيئة الاجتثاث قد ألغيت وتقرر تأسيس هيئة المساءلة، ولكن تشكيلتها لم تتم وبالتالي لم تعتمد في البرلمان. إذن من أصدر القرارات رسميا هو فرد، أي السيد اللامي. فهل هذا دستوري؟ وذلك بصرف النظر عن جوهر الموضوع - أي طبيعة تلك الكيانات والأشخاص واتجاهاتهم؛
ثانيا- إذا أخذنا حالة المطلك مثلا، فقد خاض انتخابين وشارك في كتابة الدستور. فلماذا الآن؟ ما الذي اقترفه لينال العقاب؟ الأسباب لم تعلن بعد. كذلك عن وزير الدفاع: ألم يحققوا من قبل ويدرسوا اتجاهاته ونشاطه قبل أن يتبوأ منصبه الخطير؟ أين كانت هيئة الاجتثاث السابقة؟ وأين كان مكتب السيد المالكي؟ فما المبررات إذن؟ أليس من حق الرأي العام العراقي والخارجي أن يطلع؟؟؛
ثالثا- تعرض السيد رئيس الجمهورية للنقد في تمييزه بين البعث الصدامي والبعث غير الصدامي. ولكن تعبير quot;البعث الصداميquot; موجود ومنصوص عليه في الدستور نفسه. فماذا كان واضعوه يقصدون؟ علما بأن في أدبيات المعارضة قبل سقوط صدام كان التعبير نفسه يتكرر. فمن هم المقصودون بالبعثيين غير الصداميين؟ هل quot;القيادة القطريةquot; القريبة من سوريا؟ ولكن، هل حقا هناك فارق جوهري في العقلية والاتجاه؟ أم المقصود هم بعثيون كانوا في حزب البعث العراقي وانشقوا عنه او عارضوه من داخله، أو تركوه؟ وكان صدام قد اعدم حال احتكاره الحكم مجموعة من قادة البعث عام 1979 كما هو معروف. كما نعرف أن آلافا انضموا لحزب البعث اضطرارا. أي هناك تشويش وضبابية ومتناقضات في التفسير وفي الموقف. ونلاحظ أن السيد المالكي في مؤتمره الصحفي الأخير قد اقترب من موقف طالباني في وجوب التمييز بين البعثيين، وأشاد ببعثيين سابقين يشاركون بإخلاص في العملية السياسية، كما قال؛
رابعا- بقيت قضية quot;البراءةquot;، أي مطالبة الذين أقصوا من الانتخابات بكتابة صك براءة من حزب البعث، كما كان يُطلب زمن نوري السعيد من المعتقلين والمسجونين بتهمة الشيوعية. وأقول إن من يضمر شرا بالعراق يستطيع أن يخفي نواياه بألف شكل وشكل، ومنها التوقيع على وريقة براءة، على طريقة الأحزاب الشيعية في التقية. فخميني، على سبيل المثال، كان يصرح وهو في باريس بأنه يريد الديمقراطية كما يريدها الغربيون، وحالما عاد، واستولى على السلطة، حظر حتى استخدام كلمة ديمقراطية واعتبرها بضاعة غربية مستوردة. أما من لا يضمر شرا، فلماذا يوقع؟!
العراق وشعبه مهددان، فلا ينبغي صب النفط على النار المشتعلة