1- وضع هش وخطير:
لا يكاد يمر يوم، إلا وثمة تصريح للسيد المالكي عن دور quot;أجنداتquot; خارجية لجهات سياسية عراقية. إنه، مرة يتحدث عن محاولات إقليمية للتأثير في الانتخابات القادمة عبر جهات داخلية، ومرة عن دور quot;الأجنداتquot; المذكورة في زعزعة الأمن، ويتحدث بتكرار كما لو أن هناك مؤامرة عليه شخصيا لزعزعة حكومته، [وضمنيا لمنع عودته رئيسا للوزراء.]

المالكي لا يفصح علنا عن كل هذه الجهات، إقليمية أو داخلية، تاركا الرأي العام للحدس والتخمين، بدل المكاشفة والشفافية، اللتين هما من صميم الديمقراطية الحقيقية.
إن الوضع العراقي العام لا يزال هشا ومقلقا للغاية، بل وهو يتراجع للوراء كل يوم وفق قاعدة quot;خطوة للأمام وخطوات للوراءquot;، سواء في الموضوع الأمني، أو الخدمات، أو الفساد، الذي وصل حتى لتنفيذ عمليات السطو على البنوك الرسمية، أو الصراعات السياسية المحتدمة، واليوم خاصة بين الدعوة والمجلس الأعلى رغم كل التدخلات والضغوط الإيرانية الحامية لإعادة لحمة quot; إتلافهمquot; الطائفي العتيد، الموالي لنظام ولاية الفقيه. أما الخلافات المستحكمة بين حكومة إقليم كردستان والمركز، فلا تزال قائمة، ولم تستطع زيارة المالكي للسليمانية حل العقد الكبرى، بل لم تُبحَث أصلا، حسب الأخبار، بل وقيل إنه زار الإقليم كزعيم لحزب الدعوة لبحث التحالفات السياسية المستقبلية، والعلاقات المتردية مشحونة بعواقب فادحة وكبرى.
لقد رفع المالكي شعارات مدنية جيدة خلال حملته الانتخابية في انتخابات المحافظات، تعاطفت معها جماهير واسعة، ورحبت بها القوى والشخصيات الديمقراطية، ولكن هذا هو مؤتمر حزبه ينفض دون إعادة النظر في برنامج الحزب، الذي هو برنامج حزب ديني، وحتى اسم الحزب يبقى على حاله:quot;الدعوة الإسلاميةquot;. وكما عبرنا مرارا، فاعتقادنا الراسخ، المستمد من تجارب إقليمية وإسلامية، هو أن الأحزاب الإسلامية معادية بطبيعة رسالتها وبرامجها للديمقراطية وحرية الفرد وحقوق المرأة، وبالتالي، فغير ممكن لها بناء نظام له الحد المناسب من مقومات الديمقراطية المدنية ـ نظام قائم على الالتزام بحقوق الإنسان لا على أحكام الشريعة.
الوضع العراقي مقلق جدا، وفي رأينا، إن الوضع الأمني ومسائل الخدمات والمياه والفساد والخصومات والخلافات والعقد السياسية العالقة، تشكل بمجموعها لوحة الوضع الراهن، وكلها مشاكل كبيرة مترابطة. ومما له دلالة أن يصف الدكتور الفاضل عادل عبدالمهدي، في تصريحات للشرق الأوسط، وضع العراق كما يلي: quot; نظام اللانظامquot;! مع كل المشاكل، فإن القيادات السياسية والدينية منهمكة كليا في الانتخابات القادمة، التي هي بدورها، راحت تعقد وتلهب الصراعات الحامية، ومن ثم المساهمة في تصديع الأمن.

2- الوضع الأمني:
الوضع الأمني يزداد خطورة، فقد عادت التفجيرات بقوة ويوميا، وطالت خاصة أماكن العبادة للشيعة وللأقليات الدينية وذلك في مناورة دموية صارخة لإشعال لهيب التناحر الدموي الطائفي، وللإمعان في الحرب الدينية المشتعلة منذ سقوط صدام.
من هي quot;الجهات الخارجيةquot; التي تواصل تأجيج الإرهاب في العراق؟؟ لأول مرة يعترف مسئولون سياسيون وأمنيون عراقيون بدور سوريا في الإرهاب. فبعد أن تحدثت القيادة العسكرية الأميركية أكثر من مرة عن مواصلة التسلل الإرهابي من سوريا، يعترف اليوم حتى سماحة موفق الربيعي بذلك، ويتحدث عن وجود قيادات بعثية عراقية وأموال صدامية تستخدم لتمويل العمليات الإرهابية. صحيح أن النظام السوري اتخذ بعض الإجراءات للحد من التسلل، ولكنها إجراءات جزئية، وقد تمت بضغط أميركي لا عراقي، ولا تزال الجهة الأميركية هي الأكثر ضغطا على سوريا للعمل لوقف التسلل، برغم أن المساعي الأميركية راحت تزعج الحكومة العراقية، و[طبعا تزعج إيران أولا]. بل إن ناطقا باسم الخارجية العراقية راح يصرح أن المباحثات الأميركية في سوريا quot;لا تهم العراقquot;، بينما إن من حق الجانب الأميركي أن يبذل مساعيه هو الآخر ما دامت القضية تخص أيضا أمن القوات الأميركية في العراق.
لكن هل سوريا وحدها؟ من أصحاب quot;الأجنداتquot; التي يراد تطبيقها في العراق؟ أي من quot;دول الجوارquot;الأخرى، عدا سوريا، التي لم يتحدث عنها مسئولون عراقيون إلا اليوم وبلباقة تامة، وبعد أن قدم الوفد الأميركي للمسئولين السوريين قائمة أسماء بالمسئولين عن تمويل عمليات الإرهاب والتخطيط لها من الأراضي السورية. هل المقصود الكويت، وهو زعم لا يصدقه حتى الرضيع، فالكويت كان من الدول العربية النادرة التي وقفت مع المعارضة العراقية في النضال ضد صدام، الذي احتل أرضه واستباح شعبه وممتلكاته. هل الأردن؟ في السابق كان الحديث عن نشاط ابنة صدام وحاشيتها، ولكن الحديث تلاشى مع الأيام بسبب إجراءات الحكومة الأردنية. هل السعودية؟ ربما يقصدونها، ولكن بلا مكاشفة. صحيح أن عددا كبيرا من الإرهابيين هم سعوديون، وإن التشدد الفقهي والديني في السعودية يغذي التطرف، ويشكل مناخا لبروز إرهابيين، يهددون السعودية نفسها، وسيظلون يهددونها ما مادامت مدارس الفقه المتطرف والمتشدد رائجة هناك، علما بأن الإرهابيين السعوديين، الذين تسللوا للعراق، شأنهم شأن القادمين من اليمن والسودان وغيرهما، إنما تسللوا من الحدود السورية وحدها، وهو ما دلت عليه كل الدلائل والمعلومات الموثقة، [ * هامش]