النجاح في إنقاذ صحفيتين من براثن طاغية دموي، نووي، عمل إنساني رائع، ويستحق الترحيب. غير أن ثمة ملاحظات تقال في هذا الحدث.
لا ندري لماذا جازفت الصحفيتان الكوريتان الأميركيتان بانتهاك حدود كوريا الشمالية وهما تعرفان، قبل غيرهما، أي عقاب ينتظرهما؟! الصحفيتان تعملان في مؤسسة آل غور الإعلامية، فهل ذهبتا لسبق صحفي؟ أم كان العبور غير برئ، ولحسابات معينة، شخصية أو سياسية، وحسابات أية جهة؟؟
لقد استطاع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون انتزاع المرأتين من سجون الطاغوت، ولكن بأي ثمن؟ هل لمجرد تقديمه الاعتذار باسم الرئيس الأميركي وباسمه عن تجاوز الصحفيتين، كما رددت وسائل الإعلام الكورية، ولكن نفت ذلك هيلاري كلينتون؟؟!
مهما يكن، فالقضية الحقيقية عندنا هي مناورات نظام بيونغ يانغ، كزميله الإيراني - أي إلقاء القبض، والإفراج بثمن ما، لتلميع صورة كل من النظامين، ولتضليل الرأي العام الدولي عن quot;حسن النواياquot;، المفتعل.
الرئيس الأميركي أعرب عن أمله في تعاون الطاغية quot;كيم لونغ إيلquot; مع المجتمع الدولي حول سباق تسلحه النووي النشيط والمتصاعد، ولكن هذا أمل سراب، كالآمال المعقودة على تعاون نظام ولاية الفقيه بالتراجع عن سباق التسلح النووي، والذي اقترب من حافة تصنيع القنبلة، كما تقول صحيفة التايمس البريطانية، واسعة الاطلاع. أما وزيرة الخارجية هيلاري كينتون من جانبها، فطالبت بيونغ يانغ quot;بالكف عن استفزازاتهquot; - أي في نبرة أقوى من أوباما.
لقد تحدثنا في مقالات سابقة عن القدرة الهائلة لدى الأنظمة الشمولية على المناورات وعمليات التضليل، التي كانت تتجاوز بها على الغرب في عهود الحرب الباردة، ولا تزال تخدعه أحيانا. وهذا يعود لتعدد المؤسسات الديمقراطية في الغرب، ودور الإعلام والمنظمات quot;الإنسانية، وتضارب المصالح والحسابات، واليوم، وفيما يخص الرئيس الأميركي، تعدد مستشاريه وتضارب آرائهم وتوصياتهم في القضايا الدولية الشائكة، لحد وجود خطة [ب] لدى الإدارة الأميركية للرضوخ للأمر الواقع بالنسبة لإيران، أي التعايش مع القنبلة، كما ذكرنا سابقا. وقد كرر ذلك مؤخرا أحد أعضاء فريق دينس روس، المكلف بملف إيران. فالصحفي الأميركي روجيه كوهين نقل عن العضو المذكور، [في مقال بنيويورك تايمس، نشرت صحيفة الشرق الأوسط ترجمته في 3 آب الحالي]، قوله:
quot;لن يكون سهلا العيش مع إيران نووية على أرض الواقع، ولكنها في نهاية المطاف ليست كارثة بالكاملquot;!!
لقد وصلت الحال لأن تكفي تهنئة بعيد، أو إطلاق سراح ضحية أميركية معتقلة، عن تجاوز غير خطير، أو اعتباطا، [ما حدث في إيران من قبل]، لإطلاق أوهام جديدة عن استعداد الأنظمة المتمردة على المجتمع الدولي، وquot;إقناعهاquot; دبلوماسيا بأن تكف عن أن تكون شمولية ومصدر تهديد للأمن الدولي!! هذا، كما نرى، نهج خطير جدا، يشجع الأنظمة والقوى الشمولية على التمادي، وما يعنيه ذلك من احتمالات وقوع الكوارث، وحتى الحروب. كما أنه نهج يثبط معنوية قوى وأنظمة الاعتدال، وإلا فكيف نفسر إبرام اتفاقية أمنية ndash; سياسية شاملة بين إيران وسلطنة عمان، المعروفة باعتدال سياساتها الخارجية والعربية والداخلية؟ ألم تتحول إيران لبعبع الخليج، ناشرة الخوف والقلق، ومستعملة الضغوط والابتزاز، دون أن تواجهها سياسة أميركية وغربية حازمة، صارمة و موحدة؟ هكذا أيضا حالة نظام كوريا الشمالية، الذي يتحدى المجتمع الدولي يوميا.