لا شك في أن خطبة رافنسجاني في جامعة طهران تمثل نقطة تحول في أزمة النظام الإيراني.

رافنسجاني، كما هو معروف، هو العماد السياسي الثاني في النظام بعد خامنئي، وهو ذو نفوذ كبير، وثري للغاية، ويرأس مجلس الخبراء ومجلس تشخيص مصلحة النظام. إنه هو الذي كان من وراء ترشيح موسوي، ومن قبل، بعيد وفاة خميني، هو الذي عمل على انتخاب خامنئي فقيها أعلى للنظام. إنه خمينيّ مخلص، لكنه براجماتي، ومن دعاة الانفتاح الاقتصادي على النمط الصيني.
خطبة رافنسجاني كشفت، أكثر من قبل، شروخ النظام واهتزازه بعد الانتفاضة، والخطيب تحدث علنا، ولأول مرة، عن أزمة النظام صراحة، وعن تزعزع ثقة الشعب بالحكومة.

لقد دعا في خطبته إلى إطلاق سراح المعتقلين بسبب الانتفاضة، ورفع الرقابة الصارمة على الإعلام، وتحدث عن الشكوك حول نتائج الانتخابات، ولكن دون الطعن المباشر والصريح بالنتائج، مما جعل بعض المتظاهرين - الذين كانوا في الشارع يستمعون للخطبة ndash; أن يهتفوا quot;رافنسجاني: إن لم تتكلم فأنت خائنquot;، [ عن الهيرالد تريبيون بتاريخ 18 تموز الراهن]، وأضافت الصحيفة الأميركية أن الكثيرين من المعارضين شعروا بمرارة لأن رافنسجاني لم يدن النتائج. ومع ذلك فإنه فتح الباب ببراعة لإعادة النظر بعد أن حاول خامنئي ونجاد غلق الباب تماما.
مهما يكن، فإن الخطاب قد زاد من حماس جماهير الانتفاضة، وألهب الشارع من جديد، لدعوته للتنفيس الداخلي، ولأن رجلا ذا نفوذ هائل يعلن لأول مرة دعم تحركها وشرعيته لتطابقه مع quot;القانونquot;، أي لحرية الرأي والتظاهر. لكن رافنسجاني قد دعا، في الوقت نفسه، إلى quot;المصالحةquot; بين الأطراف، أي بين معسكر من يدعون إصلاحيين ومؤيديهم، وبين ثنائي نجاد ndash; خامنئي والقوى التي وراءهما. بعبارة أخرى، إن رافنسجاني قلق جدا لوصول أزمة النظام حدا يخشى معه أن يزاح تحت ضربات الشعب الناقم من نظام الملالي، لصالح نظام مدني ديمقراطي. إنه يخشى تحول المعارضة الشعبية إلى حركة جبارة تحت شعار إزاحة النظام، وليس فقط من أجل إعادة النظر في نتائج الانتخابات. كما أنه يخشى ازدياد عزلة النظام بسبب استفزازات أحمدي نجاد في سياسته الخارجية، ويريد تلطيف الأجواء مع المجتمع الدولي، ومع الغرب أولا، وقد لاحظت صحف بريطانية أن الهتافات التي جرى ترديدها هذه المرة في مسجد الجامعة خلت للمرة الأولى من شعارات العداء لأمريكا وإسرائيل، وبدلا من ذلك، كانت الهتافات ضد quot;الدكتاتورquot; وضد quot;الخصومquot; - أي الخصوم الداخليين، كما تعالت هتافات quot;الموت لروسيا.quot;.
كانت خطبة رافنسجاني انتقادا غير مباشر لخامنئي، ولكن ليس لحد quot;كسر العظمquot;quot;، وقد دعا لإيجاد حل لنتائج الانتخابات يناقَش في مجلس الخبراء ومجلس تشخيص مصلحة النظام، دون أن يذهب لحد المطالبة بإلغائها، كما قلنا.
مما مر، نرى أن خطيب الجمعة يريد تجنب سقوط النظام الذي أقامه خميني، ويطمح في أن يكون هو quot;الوسيطquot; وquot;الحكمquot; بين خامني والحكومة، وبين المعارضين quot;الإصلاحيينquot;.
رافنسجاني قد عبر عن خط وسط في السياستين الداخلية والخارجية، دون أن نعرف بعد موقفه من النووي، هو والموسوي: هل هو ثابت مع المشروع، أم سيتبدل؟ من جانبنا، نرى أنه لن يتبدل ما لم تتعرض إيران لمزيد من العقوبات الحازمة جدا، وما لم يكف أوباما عن تناقضات ومفارقات موقفه وتصريحاته، وما لم يدرك أن الوقت هو لصالح القنبلة. هذا رأي خاص. وقد صادف أن تعرفت في يوم الخطبة في محل استنساخ للوثائق إلى المعارض الإيراني اليساري، مهدي دادستان، أحد مؤلفيْ كتاب quot;رقصة المذبوحquot;، الذي استعرضناه مرارا. انتهزت الفرصة لمعرفة رأيه، فوجدته شديد التفاؤل، وأثنى على رافنسجاني كثيرا، واعتبر خطبته حدثا كبيرا لصالح الشعب. قال إن النظام سيكون مجبرا على تقديم تنازلات كبرى. قلتquot;: ربما داخليا، ولكن هل سيعدل النظام موقفه من النووي؟quot; قال إنه سيكون مضطرا لأن الشعب يريد السلام. أما رأيي، الذي عرضته له، فهو أن النووي تحول إلى رمز للكرامة القومية، وأن المعارضين من ضمن النظام، [ quot;الإصلاحيونquot; والبراجماتيون]، سيجبرون على التمسك به، لاسيما وهناك قوة حراس الثورة،، الذين يحتكرون كل مراكز الحكومة تقريبا وكل رئاسات الولايات، كما بأيديهم الشركات والمصانع الكبرى والتجارة الخارجية. وقد ذكّرت الأستاذ مهدي بما ورد في كتابه مع زميله عن المطالبة بتشديد العقوبات الدولية، ولكنه ظل شديد التفاؤل، وقال إن العالم كله يجب أن يدعم نضال الشعب الإيراني، وأسف لأن حركة التضامن محدودة، بالعكس من زخم التضامن ضد الشاه. كان جوابي بابتسامة:quot; ألا تعتقد أن لسياسة أوباما دورا ما يا صديقي؟!quot; ضحك، وافترقنا وأنا أقول له: quot;ليت ما تقوله يتحقق، ونحن جميعا مع شعب إيرانquot;
إننا نتمنى من القلب تحقيق الأماني الحقيقية لشباب إيران ونسائها ولكل من يضطهدهم النظام، أي الانتقال يوما ما إلى النظام المدني المسالم. صحيح أن الحركة الشعبية تفتقد إلى قيادات صلبة وجذرية، والعديد من هؤلاء هم اليوم في السجون أو رهن الاعتقال، ولكن نور الحرية لابد أن يشع يوما على جارتنا إيران، آملين أن لا يكون ذلك اليوم بعيدا.