[1-2]
لا يزال المشروع النووي الإيراني مصدر قلق للغرب، ومنظمة الطاقة ومجلس الامن.
منذ قيام نظام ولاية الفقيه، وهو يثير المخاوف الدولية من تحركات وممارسات ونوايا هذا النظام الشمولي، الديني، العسكري، ذي الأطماع التوسعية. إن إيران، وتحت غطاء حق تقرير المصير، ورفض التدخل الخارجي، تواصل تخصيب اليورانيوم، وتطوير الصواريخ، في السعي لتكون القوة المهيمنة في المنطقة، وفرض الاعتراف الدولي بها كدولة نووية.
إن هذه القضية الساخنة، وطبيعة النظام، ومجمل سياساته، وما يدور من تحركات وصراعات داخل إيران، ومدى قوة ما يوصف بالحركة الإصلاحية، التي يمثل خاتمي رمزها؛ كل هذه الموضوعات هي محاور الكتاب المهم، الجديد، الذي صدر بالفرنسية عام 2008 قبل الانتخابات الأميركية.
عنوان الكتاب الصادر عن دار quot;هارمتانquot;، قد يدعو للدهشة فهو quot;غناء الملاليquot;،le chant des mollahs في إشارة إلى التعبير الفرنسي quot;غناء البجعquot; وترجمته quot;رقصة المذبوحquot; في إشارة لارتجاف البجعة وهي تذبح. أما العنوان الفرعي فهو quot; الجمهورية الإسلامية والمجتمع الإيراني la reacute;publique islamique et la socieacute;teacute; iranienneلقد كتب هذا الكتاب المؤلفان الإيراني مهدي دادستان، وهو أستاذ جامعي بمشاركة ديميتري جانيو Mehdi Dadstan et Dimitri Jageneneau
الفصل الأول يبحث عن دور إيران في الوضع الدولي، وعن الدبلوماسية الإيرانية، وخيارات المستقبل، والعلاقات مع أوروبا وأميركا، والفصل التالي هو عن إيران والوضع الإقليمي، ومواقفها في المنطقة، وعلاقاتها بشيعة المنطقة، وفي هذا الفصل يأتي موضوع النووي.
إن الفصول الأخرى تعالج مقدمات الثورة الإيرانية، وقواها ومكوناتها في الأصل، وشخصية خميني، وردته على الثورة، وتفاصيل ما يجري داخل النظام، والمجتمع، وفي نظرنا، فإن الفصول الأهم، بعد موضوع النووي، هي الخاصة بتحليل دقائق وتفاصيل القوى المسلحة الحاكمة، أي حرس الثورة quot; باسدارانquot; وتفرعاته، quot;كفيلق القدسquot; الخاص بتدبير عمليات الإرهاب في المنطقة، وأوروبا، ودعم الإرهاب، ومنظمة quot;اطلاعاتquot;، وهي منظمة مخابرات خارجية ترافق عادة عمليات فيلق القدس، ثم quot;الباسيجquot; وهي مليشيات محلية على نمط quot;الإس إسquot;، أو الحرس القومي في العراق بعد الانقلاب على عبد الكريم قاسم عام 1963..إن الكتاب يكشف ويفضح في هذه الفصول التدخل الإيراني ذي الرؤوس المتشعبة في العراق، لبنان، غزة، الخليج، وكذلك اليمن، ونفوذ إيران في سوريا، وهي فصول سنعود لعرضها في مقال تال..
يمكن أن تكون بعض التحليلات الخاصة بالعراق والدور الأميركي غير مقنعة، كما لا نعرف مدى دقة وواقعية هذا التفاؤل الكبير بقرب انهيار النظام الإيراني، كما يطرحه المؤلفان. ربما هما على حق، لا ندري، ولكنهما يريان النظام في أزمة شاملة، اقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا، وفي عزلة دولية قد تهدد النظام لو استمر في النووي؛ كما يواجه تذمرا واسع النطاق، وخصوصا بين الشبيبة، حيث نسبة الشباب دون الثلاثين هي 70 بالمائة، كذلك تذمر النساء، فضلا عن القنابل الموقوتة في كردستان، والأهواز؛ تضاف لكل هذا، الصراعات داخل مراكز القوى في النظام، والتي زاد من حدتها انفصام التحالف بين رافنسجاني وخامنئي، بعد أن غدر الأخير بالأول في الانتخابات الماضية لعام 2005 التي جاءت باحمدي نجاد الذي كان كادرا فعالا في حرس الثورة؛ لكن، هل حقا وصلت أزمة النظام ليكون على مشارف الانهيار، والقول إنه على وشك أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، [أو يرقص رقصة المذبوح]؟!! مهما يكن، فالشعب الإيراني ذو تاريخ حافل بالطموح نحو التغيير، وله تاريخ طويل مجيد، وكل الأدلة تدل على أن الإحباط، والسخط على النظام، في ازدياد، ويقول المؤلفان إنه، إذا كانت إيران اليوم تثير الذعر والقلق على النطاق الدولي، فإنها قد تصبح quot;فرصة الشرق الأوسطquot;، فبينما يستخدم النظام الخطاب القومي لتبرير النووي والدفاع عنه، فإن التعارض الصارخ بين المجتمع والسلطة يدل على محدودية نظام الملالي.
إن القضايا الكبرى التي هي موضع قلق المجتمع الدولي فيما يخص إيران هي في نظر الكتاب:
1 ndash; المشروع النووي؛
2- الوقوف ضد كل حل سلمي للقضية الفلسطينية؛
3 ndash; دعم الإرهاب المشاركة الفعالة فيه؛
4 ndash; استباحة حقوق الإنسان.
نتوقف هنا لدى المشروع النووي، وهو ما يشغل المجتمع الدولي حاليا، وكل الغرب، وسيما إدارة أوباما، والملاحظ مما يتسنى لنا قراءته في عدد من الصحف الغربية أنه لا يمر يوم دون نشر أكثر من مقال ووجهة نظر عن تصريحات أوباما حول الحوار المباشر مع إيران، وعن كيفية حل مشكلة النووي. تتراوح الآراء المنشورة، بين الدعوة للتفاوض بلا شروط مسبقة، وبين وجهات نظر معاكسة تطالب بأن يكون واضحا إن وقف التخصيب شرط لإقامة علاقات كاملة بين طهران وواشنطن، وثمة وجهة نظر ثلاثة خبراء رئيسيين في المعهد الأميركي للأمن القومي، الذين نشروا، بمشاركة جنرال إسرائيلي متقاعد، مقالا في هيرالد تريبيون في 22 ديسمبر الماضي، تحت عنوان quot;دعوا روسيا توقف إيرانquot;، وهي وجهة نظر رائجة اليوم حتى لدى الإدارة الأميركية، ومحتواها تقديم تنازلات أميركية كبرى في موضوع الدرع الصاروخية مقابل الضغط الروسي على إيران. أما أغرب ما نقرأ للصحفيين فهي مقالات الصحفي الأميركي روجير كوهين، الذي يكاد ينطق بوجهة نظر الملالي، وآخر مقال له مرسل من طهران، حيث يصف الموقف الغربي من النووي بالتعالي، وبما يجرح الكبرياء القومية الإيرانية. إنه ينقل تصريحات المسئولين الإيرانيين ويقدمها كنصائح لاوباما، ضد فرض العقوبات الجديدة، كما يطلب الانتظار لأن خاتمي قادم في الانتخابات القادمة. طبعا هذه نصائح لوجه الله!
إن المؤلفين يريان أن النووي يجسد العطش للهيمنة المطلقة على السلطة والمجتمع، وهو يخفي الأزمة العامة، ويكلف المجتمع، ويرهق الاقتصاد، وquot;لكن كل الخطاب القومي أو الديني للنظام عاجز عن تغطية التطلعات الصارخة لمجتمع هو وارث تاريخ سياسي شديد التركيبquot; حسب الكتاب. لقد تحول النظام منذ رئاسة نجاد إلى أقصى تصلب ورجعية، وفشلت كل محاولات الغرب والمجتمع الدولي كله لوقف التخصيب، ويريان أن المجتمع الدولي قد أهمل القضية على مدى عشرين عاما وإلى عام 2002، بينما كان النظام يمارس تكتيك المراوغة والخداع. إن المجتمع الدولي كان، ولا يزال، يمر من أزمة لأخرى، دون النجاح في وقف الاندفاع النووي الإيراني. أما اقتراحات الكتاب، فهي رفض الحرب، وتشديد العقوبات الحازمة، المقترنة بالتفاوض، ومع دعم المجتمع المدني الإيراني. هذا موقف قريب جدا من موقف الاتحاد الأوروبي، الذي راح يشدد على وجوب تشديد العقوبات، ونعني خصوصا المواقف الفرنسية والألمانية والبريطانية.
إن الكتاب محق في الحديث عن عجز المجتمع الدولي حتى اليوم عن وقف آلية صنع القنبلة، وذلك لانقسام المواقف في مجلس الأمن، ورخاوة منظمة الطاقة الدولية.