الحلقة الاولى |
لا بد من أن نبدأ بملاحظات عاجلة عن الانتخابات العراقية الأخيرة، رغم أنه يجب الانتظار إلى نتائجها قبل محاولة التحليل المتعمق للانتخابات وتداعياتها السياسية.
إن من الممكن الاتفاق مع أغلب التعليقات العراقية والغربية على هذه الانتخابات التي انتهت يوم 31 يناير المنصرم، فالملاحظ:
- التراجع الجزئي لنفوذ الأحزاب الإسلامية، بما فيها الحزب الإسلامي السني، وعلى الخصوص المجلس الأعلى؛
- صعود أسهم السيد المالكي، لكونه ظهر بشعارات وطنية، داعيا لدولة القانون، ونبذ الطائفية، وهذا اتجاه يجب دعمه وتشجيعه، آملين أن يبدأ بإعادة تشكيل مكتبه. إن إقبال الناخبين على هذه الشعارات المهمة دليل على بداية تبدل إيجابي في مزاج، وفي اتجاهات الشارع العراقي، فلننتظر خيرا كما يقال، هذا وإن بروز دور قضيتي الخدمات ومكافحة الفساد والطائفية في النتائج يفسر فشل المجالس الحالية للمحافظات؛
لم تقع حوادث أمنية كبرى رغم اغتيال ستة مرشحين، والسبب الأول هو انتشار القوات العراقية بكثافة، مما وفر جوا من الأمان سمح بحملات انتخابية علنية، متعددة الأشكال، مع نشر صور المرشحين، وهو ما كانت تفتقر له الانتخابات السابقة، وفي نفس الوقت لم تشاهد القوات الأميركية إلا في السماء للطوارئ؛
- نجاح محدود للتيار العلماني نأمل أن تليه خطوات أخرى تدريجيا؛
- شهدت الانتخابات عودة لشراء الأصوات، لا نعرف حدودها اليوم، سواء بالمال، أو تقديم ساعات يد، أو الأغذية والبطانيات، وذلك من بين أشياء أخرى، وهي ظاهرة أشارت لها بعض الصحف الأميركية.
إذا كانت الأحزاب الإسلامية الشيعية قد دخلت الانتخابات مشتتة، والنتائج كما يبدو ليست تماما لصالح المجلس الأعلى، فإنها لا تزال بمجموعها القوة السياسية العراقية المهيمنة، برغم تناقضاتها وخلافاتها، ونحن لا نزال في عهد المحاصصة، كما أن قائمة المالكي نفسها كانت تضم كتلا وأحزابا دينية. نقول هذا دون إنكار أن النتائج خطوة إيجابية، في نظرنا، رغم وجود قنابل مؤقتة وعديدة لا نعرف كيف سيتعامل معها رئيس الوزراء وسائر القيادات الحاكمة، مثل تعديل الدستور، الذي يعارضه المجلس الأعلى والجبهة الكردستانية، والخدمات، ومشكلة كركوك، والصراعات الحادية بين الأحزاب الشيعية نفسها. ومكافحة الفساد، وسوف نعود للموضوع في مقال تال.
لقد دعا بوش، عند انتخابه ثانية، إلى مشروعه quot;نشر الديمقراطيةquot;، لاسيما في الشرق الأوسط، وذلك من منطلق أن الدول الديمقراطية لا تهدد أمن جيرانها، والعالم، ولا تلجأ للانتشار النووي، ولا تمارس حملات إبادة ضد شعبها، كما أنها لا تتساهل مع الإرهاب، وقد ميز المذهب المذكور بين أنظمة غير ديكتاتورية تعاني خللا في هذا الميدان يمكن معالجته، وبين الأحزاب الدكتاتورية والشمولية الدموية التي لا يمكن إصلاحها بغير إزاحتها.
لقد مارست إدارة بوش ضغوطا دبلوماسية quot;وديةquot; على بعض الدول العربية فيما يخص التعذيب واعتقال المعارضين السياسيين الذين لا يمارسون العنف، ولم تتوتر بسبب ذلك العلاقات مع تلك الدول، ولكن في حالة مصر، شهدت العلاقة بعض التوتر، مع أن العلاقات ظلت عموما قوية، ودورها المعتدل في المنطقة ظل محل تقدير الأميركيين، واستمر التعاون الأمني والعسكري بين الدولتين.
إن ما نلاحظه عن المفهوم الأميركي، والغربي عموما، لقضية الديمقراطية في بلدان المنطقة، هو، [وعدا وقف التعذيب واعتقال المعارضة]، أن إجراء انتخابات حرة هو بالمطلق المعيار الأول للنظام الديمقراطي، والحال أن إجراءها في ظروف غير مناسبة يأتي بنتائج عكسية، كانتخابات حماس مثلا.
إن التجربة العراقية بعد صدام قد بينت أن الديمقراطية في بلد كان خاضعا للدكتاتورية دموية، فاشية، لا يمكن بناؤها بين عشية وضحاها، وبعد الانتخابين العام 2005، وما حدث من فوضى واحتراب، دعا بعض الكتاب العراقيين إلى quot;تأجيل الديمقراطيةquot;، وهي دعوة أيدناها بقوة. فقد كتب الصديق عبد الخالق حسين:
quot; لقد أراد الأمريكان، والمعارضة العراقية السابقة، [ الحاكمة اليوم، أن يقفزوا بالعراق من نظام صدام حسين الاستبدادي إلى نظام توماس جيفرسون الديمقراطي بين عشية وضحاها ودون تحضيرات أو مقدمات، وهذا الخطأ الفظيع هو السبب الرئيسي وراء الفوضى العارمة التي يعاني منها الشعب العراقي....quot;
صحيح أن الانتخابات حرة، ولكن معايير الانتخابات السابقة كانت مذهبية وعرقية، ولا يبدو أنه قد حدث انقلاب حقيقي في هذا الشأن في انتخابات 31 الجاري رغم وجود انعطاف إيجابي لحد ما، إلا إن المشكلة باقية.
إن الطائفية والمحاصصة كانت آفتين مدمرتين في السنوات الماضية، ويجب القول إن مؤتمر لندن لما قبل الحرب قد شهد بداية المعايير الطائفية تحت إصرار المجلس الأعلى وبموافقة المبعوث الأميركي خليل زاد، وفي حينه عقب الكاتب أمير طاهري في مقال له قائلا، وبعد التأكيد على أهمية المؤتمر:
quot; مع ذلك فقد عانى المؤتمر من عدد من الناقضات. فقد أكد مسألة فصل الدن عن السياسة، لكنه انتهى إلى توزيع المقاعد في لجنة المتابعة السياسية.... وفقا لمعايير تستند إلى الانتماءات الدينية بل وحتى المذهبية، وقد أوضح منظمو المؤتمر أنهم أرادوا تجنب الخوض في الانقسامات العرقية، لكن اختيار الفوارق الدينية كخطوط فاصلة يعد أسوأ، ولو أن المشاركين وزعوا المقاعد وفقا للانتماءات السياسية، بطريقة تؤكد العامل السياسي، لكانوا قد انتهجوا مسارا أفضل..quot; [الشرق الأوسط في 17 ديسمبر 2002 ]. نضيف، أن الاتفاقات هناك جرت من أعلى، دون نقاش جدي بين جمهرة المشاركين، وكان الأميركيون يعيرون أهمية كبيرة لكسب المجلس الأعلى لكونه ذا مليشيا مسلحة قوية، ولكن التجربة العراقية، وكل التجارب التي نعرفها، قد أكدت أن الأحزاب الإسلامية لا تبني الديمقراطية، وذلك بحكم أيديولوجياتها وأهدافها البعيدة، وتطبيقها لأحكام الشريعة المناقضة لشرعة حقوق الإنسان، والمبادئ الديمقراطية.
إن من الممكن الاتفاق مع أغلب التعليقات العراقية والغربية على هذه الانتخابات التي انتهت يوم 31 يناير المنصرم، فالملاحظ:
- التراجع الجزئي لنفوذ الأحزاب الإسلامية، بما فيها الحزب الإسلامي السني، وعلى الخصوص المجلس الأعلى؛
- صعود أسهم السيد المالكي، لكونه ظهر بشعارات وطنية، داعيا لدولة القانون، ونبذ الطائفية، وهذا اتجاه يجب دعمه وتشجيعه، آملين أن يبدأ بإعادة تشكيل مكتبه. إن إقبال الناخبين على هذه الشعارات المهمة دليل على بداية تبدل إيجابي في مزاج، وفي اتجاهات الشارع العراقي، فلننتظر خيرا كما يقال، هذا وإن بروز دور قضيتي الخدمات ومكافحة الفساد والطائفية في النتائج يفسر فشل المجالس الحالية للمحافظات؛
لم تقع حوادث أمنية كبرى رغم اغتيال ستة مرشحين، والسبب الأول هو انتشار القوات العراقية بكثافة، مما وفر جوا من الأمان سمح بحملات انتخابية علنية، متعددة الأشكال، مع نشر صور المرشحين، وهو ما كانت تفتقر له الانتخابات السابقة، وفي نفس الوقت لم تشاهد القوات الأميركية إلا في السماء للطوارئ؛
- نجاح محدود للتيار العلماني نأمل أن تليه خطوات أخرى تدريجيا؛
- شهدت الانتخابات عودة لشراء الأصوات، لا نعرف حدودها اليوم، سواء بالمال، أو تقديم ساعات يد، أو الأغذية والبطانيات، وذلك من بين أشياء أخرى، وهي ظاهرة أشارت لها بعض الصحف الأميركية.
إذا كانت الأحزاب الإسلامية الشيعية قد دخلت الانتخابات مشتتة، والنتائج كما يبدو ليست تماما لصالح المجلس الأعلى، فإنها لا تزال بمجموعها القوة السياسية العراقية المهيمنة، برغم تناقضاتها وخلافاتها، ونحن لا نزال في عهد المحاصصة، كما أن قائمة المالكي نفسها كانت تضم كتلا وأحزابا دينية. نقول هذا دون إنكار أن النتائج خطوة إيجابية، في نظرنا، رغم وجود قنابل مؤقتة وعديدة لا نعرف كيف سيتعامل معها رئيس الوزراء وسائر القيادات الحاكمة، مثل تعديل الدستور، الذي يعارضه المجلس الأعلى والجبهة الكردستانية، والخدمات، ومشكلة كركوك، والصراعات الحادية بين الأحزاب الشيعية نفسها. ومكافحة الفساد، وسوف نعود للموضوع في مقال تال.
لقد دعا بوش، عند انتخابه ثانية، إلى مشروعه quot;نشر الديمقراطيةquot;، لاسيما في الشرق الأوسط، وذلك من منطلق أن الدول الديمقراطية لا تهدد أمن جيرانها، والعالم، ولا تلجأ للانتشار النووي، ولا تمارس حملات إبادة ضد شعبها، كما أنها لا تتساهل مع الإرهاب، وقد ميز المذهب المذكور بين أنظمة غير ديكتاتورية تعاني خللا في هذا الميدان يمكن معالجته، وبين الأحزاب الدكتاتورية والشمولية الدموية التي لا يمكن إصلاحها بغير إزاحتها.
لقد مارست إدارة بوش ضغوطا دبلوماسية quot;وديةquot; على بعض الدول العربية فيما يخص التعذيب واعتقال المعارضين السياسيين الذين لا يمارسون العنف، ولم تتوتر بسبب ذلك العلاقات مع تلك الدول، ولكن في حالة مصر، شهدت العلاقة بعض التوتر، مع أن العلاقات ظلت عموما قوية، ودورها المعتدل في المنطقة ظل محل تقدير الأميركيين، واستمر التعاون الأمني والعسكري بين الدولتين.
إن ما نلاحظه عن المفهوم الأميركي، والغربي عموما، لقضية الديمقراطية في بلدان المنطقة، هو، [وعدا وقف التعذيب واعتقال المعارضة]، أن إجراء انتخابات حرة هو بالمطلق المعيار الأول للنظام الديمقراطي، والحال أن إجراءها في ظروف غير مناسبة يأتي بنتائج عكسية، كانتخابات حماس مثلا.
إن التجربة العراقية بعد صدام قد بينت أن الديمقراطية في بلد كان خاضعا للدكتاتورية دموية، فاشية، لا يمكن بناؤها بين عشية وضحاها، وبعد الانتخابين العام 2005، وما حدث من فوضى واحتراب، دعا بعض الكتاب العراقيين إلى quot;تأجيل الديمقراطيةquot;، وهي دعوة أيدناها بقوة. فقد كتب الصديق عبد الخالق حسين:
quot; لقد أراد الأمريكان، والمعارضة العراقية السابقة، [ الحاكمة اليوم، أن يقفزوا بالعراق من نظام صدام حسين الاستبدادي إلى نظام توماس جيفرسون الديمقراطي بين عشية وضحاها ودون تحضيرات أو مقدمات، وهذا الخطأ الفظيع هو السبب الرئيسي وراء الفوضى العارمة التي يعاني منها الشعب العراقي....quot;
صحيح أن الانتخابات حرة، ولكن معايير الانتخابات السابقة كانت مذهبية وعرقية، ولا يبدو أنه قد حدث انقلاب حقيقي في هذا الشأن في انتخابات 31 الجاري رغم وجود انعطاف إيجابي لحد ما، إلا إن المشكلة باقية.
إن الطائفية والمحاصصة كانت آفتين مدمرتين في السنوات الماضية، ويجب القول إن مؤتمر لندن لما قبل الحرب قد شهد بداية المعايير الطائفية تحت إصرار المجلس الأعلى وبموافقة المبعوث الأميركي خليل زاد، وفي حينه عقب الكاتب أمير طاهري في مقال له قائلا، وبعد التأكيد على أهمية المؤتمر:
quot; مع ذلك فقد عانى المؤتمر من عدد من الناقضات. فقد أكد مسألة فصل الدن عن السياسة، لكنه انتهى إلى توزيع المقاعد في لجنة المتابعة السياسية.... وفقا لمعايير تستند إلى الانتماءات الدينية بل وحتى المذهبية، وقد أوضح منظمو المؤتمر أنهم أرادوا تجنب الخوض في الانقسامات العرقية، لكن اختيار الفوارق الدينية كخطوط فاصلة يعد أسوأ، ولو أن المشاركين وزعوا المقاعد وفقا للانتماءات السياسية، بطريقة تؤكد العامل السياسي، لكانوا قد انتهجوا مسارا أفضل..quot; [الشرق الأوسط في 17 ديسمبر 2002 ]. نضيف، أن الاتفاقات هناك جرت من أعلى، دون نقاش جدي بين جمهرة المشاركين، وكان الأميركيون يعيرون أهمية كبيرة لكسب المجلس الأعلى لكونه ذا مليشيا مسلحة قوية، ولكن التجربة العراقية، وكل التجارب التي نعرفها، قد أكدت أن الأحزاب الإسلامية لا تبني الديمقراطية، وذلك بحكم أيديولوجياتها وأهدافها البعيدة، وتطبيقها لأحكام الشريعة المناقضة لشرعة حقوق الإنسان، والمبادئ الديمقراطية.
سقط صدام، وسرعان ما ألحت الأحزاب الدينية، والمرجعية، ووفد الأمم المتحدة، على الانتقال فورا، أي قبل نهاية 2003، إلى الانتخابات، كما لعب الإعلام العربي دوره الصاخب، المنافق، متظاهرا بنفاق بالحرص على قيام حكومة عراقية منتخبة.
كل هذه الضغوط، والاستعجال الأميركي، وسوء التخطيط لما بعد الحرب، كانت من وراء اتخاذ جدول زمني مستعجل، بدلا من الانكباب على الاستقرار، وإعادة بناء الدولة، التي كانت قد انهارت مع الجيش، كما كان الواجب دعوة العسكريين المنفرطين للعودة للخدمة، باستثناء كبار ضباط الحرس الجمهوري والمتهمين بانتهاكات. كما أن الظواهر السلبية الأخرى إقحام اسم المرجعية الدينية الشيعية في كل الشؤون السياسية، بدا بالمطالبة بالانتخابات، ثم التدخل العلني في الانتخابات الأولى، ثم ورود اسمها على ألسن المسئولين وبعض رجال الدين، في معرض تصويب أو تخطئة هذا القرار أو ذاك، وهذا الموقف أو سواه، ولا يزال اسم السيد السيستاني يزج باستمرار، وآخر ذلك محاولة قائمة شهيد المحراب استخدام اسم المرجعية باعتبارها هي القائمة التي تسير على خط المرجعية، وكان السيد الحكيم وولده السيد عمار، قد ردا بعنف على تخطئة أحد مستشاري المالكي لمراسيم عاشوراء واعتبرا هذه المراسيم من أصول الدين، ومنها شج الرأس، [التطبير]، المحرم حتى في إيران.
إن ما حدث لم يكن حتى ديمقراطية الحد الأدنى، بل انتخابات طائفية، ودستورا مشوها ومتناقضا، وتثبيت نظام المحاصصة، المنافي للديمقراطية، وتهميش دور الأقليات الدينية، والعنف الداخلي.
إنه لا يجب تحميل إدارة بوش كامل المسؤولية عن تجربتنا المشوهة، بل هناك حقائق كبرى يجري تناسيها:
1 ndash; لقد خلف صدام خرابا بشريا وثقافيا وسياسيا، ومجتمعا عانى من التمييز العنصري والطائفي وممارسات العنف، وعمليات غسيل الدماغ. العراق لم يعرف تجربة ديمقراطية برلمانية حقيقية من قبل، وزاد نظام صدام من تخريب العقول والنفوس، وجاءت الأحزاب الدينية ورجال الدين ليتسببوا في المزيد من الجهل والتخلف الحضاري، وإشعال النزعة الطائفية؛
2 ndash; تخلف القيادات العراقية وقلة خبرتها في الحكم، وعدم نضجها واستعجالها لأخذ السلطة بأي ثمن؛
3 ndash; التدخل الإقليمي، وعلى الأخص، تدخل إيران وسوريا وبعض دوائر الخليج؛
4 ndash; هجمة القاعدة بشراسة، وشنها حرب اغتيالات وتفجيرات، في الوقت الذي تحركت فيه فلول صدام من جانبها لتفجير أعمال العنف وعرقلة كل خطوة نحو الديمقراطية.
إن انحسار العنف نسبيا بفضل القوات الأميركية والعراقية ومجالس الإسناد هو هام جدا برغم بقاء الخطر مستمرا، وإذا كانت القوات العراقية قادرة هذه المرة على حماية الانتخابات، فإن العراق لا يزال بحاجة للقوات الأميركية، وخصوصا للتصدي للتدخل الإيراني المتعدد الأشكال.
لقد تركت إدارة بوش لأوباما عراقا هادئا نسبيا، وبدا العراقيون يذوقون طعم الانتخابات ويمارسونها رغم بقاء المعايير غير الديمقراطية في الغالب، إلا أن الممارسة الفعلية للناخبين مهمة جدا للمستقبل، وتقول الهيرالد تريبيون من بغداد إن quot;العراقيين [مفتونون] بالانتخابات، وفي الوقت نفسه، [متعبون] منها.
لا يمكن القول إن العراق اليوم مستقر تماما، ولا إنه ديمقراطي تماما، ومع هذا فسقوط صدام كان حدثا إيجابيا تاريخيا للعراق وللمنطقة، وقدمت للعراقيين حريات واسعة لم يحسنوا، مع الأسف استخدامها كما ينبغي. إن الحرب لم تكن حرب بوش، كما يقول أوباما، بل كانت حرب الولايات المتحدة والعراقيين معا، ويخطئ أوباما في تقليله من الأهمية الإستراتيجية للعراق والقضية العراقية، كما نعتقد ان جلاء القوات الأميركية بوتيرة أسرع مما في الاتفاقية الأمنية غير مضمون النتائج.
العراق لا يزال أمام تحديات وأخطار كبرى وعلى القيادات الحاكمة تحمل مسئولياتها بجدارة بعد أن كانت تتكل كليا على الأميركيين. أمام السيد المالكي، والحكومة، وكل القيادات الوطنية، تحديات نرجو أن يكونوا أهلا للتصدي لها بنجاح، و في مقال تال سنتناول بعض الأمور الهامة عن الوضع الراهن والمستقبل القريب، هذا إن كان يمكن التنبؤ به!
نعم، لا يمكن التنبؤ اليوم بمجريات الأمور لاحقا، ولا إصدار أحكام، وهنا نتفق مع تحليل السفير الأميركي المنتهي خدماته، رايان كروكر، حين يقول إن الدرس الأكثر أهمية الذي تعلمه من العراق ومن حياته المهنية في مجملها، هو أن الأحداث لها تبعات لا يمكن توقعها أو الهروب منها، وquot;عندما نكون جزءا من مجموعة من الأحداث الكبيرة والمهمة، علينا أن نفهم أن التيارات التي تتحرك سوف تدور وحدها على مدى أعوام عديدة بطريقة لا نفهمها بصورة دائمة.quot;
لعل فيما قاله السفير كروكر درسا ما للعراقيين ولأوباما معا!
كل هذه الضغوط، والاستعجال الأميركي، وسوء التخطيط لما بعد الحرب، كانت من وراء اتخاذ جدول زمني مستعجل، بدلا من الانكباب على الاستقرار، وإعادة بناء الدولة، التي كانت قد انهارت مع الجيش، كما كان الواجب دعوة العسكريين المنفرطين للعودة للخدمة، باستثناء كبار ضباط الحرس الجمهوري والمتهمين بانتهاكات. كما أن الظواهر السلبية الأخرى إقحام اسم المرجعية الدينية الشيعية في كل الشؤون السياسية، بدا بالمطالبة بالانتخابات، ثم التدخل العلني في الانتخابات الأولى، ثم ورود اسمها على ألسن المسئولين وبعض رجال الدين، في معرض تصويب أو تخطئة هذا القرار أو ذاك، وهذا الموقف أو سواه، ولا يزال اسم السيد السيستاني يزج باستمرار، وآخر ذلك محاولة قائمة شهيد المحراب استخدام اسم المرجعية باعتبارها هي القائمة التي تسير على خط المرجعية، وكان السيد الحكيم وولده السيد عمار، قد ردا بعنف على تخطئة أحد مستشاري المالكي لمراسيم عاشوراء واعتبرا هذه المراسيم من أصول الدين، ومنها شج الرأس، [التطبير]، المحرم حتى في إيران.
إن ما حدث لم يكن حتى ديمقراطية الحد الأدنى، بل انتخابات طائفية، ودستورا مشوها ومتناقضا، وتثبيت نظام المحاصصة، المنافي للديمقراطية، وتهميش دور الأقليات الدينية، والعنف الداخلي.
إنه لا يجب تحميل إدارة بوش كامل المسؤولية عن تجربتنا المشوهة، بل هناك حقائق كبرى يجري تناسيها:
1 ndash; لقد خلف صدام خرابا بشريا وثقافيا وسياسيا، ومجتمعا عانى من التمييز العنصري والطائفي وممارسات العنف، وعمليات غسيل الدماغ. العراق لم يعرف تجربة ديمقراطية برلمانية حقيقية من قبل، وزاد نظام صدام من تخريب العقول والنفوس، وجاءت الأحزاب الدينية ورجال الدين ليتسببوا في المزيد من الجهل والتخلف الحضاري، وإشعال النزعة الطائفية؛
2 ndash; تخلف القيادات العراقية وقلة خبرتها في الحكم، وعدم نضجها واستعجالها لأخذ السلطة بأي ثمن؛
3 ndash; التدخل الإقليمي، وعلى الأخص، تدخل إيران وسوريا وبعض دوائر الخليج؛
4 ndash; هجمة القاعدة بشراسة، وشنها حرب اغتيالات وتفجيرات، في الوقت الذي تحركت فيه فلول صدام من جانبها لتفجير أعمال العنف وعرقلة كل خطوة نحو الديمقراطية.
إن انحسار العنف نسبيا بفضل القوات الأميركية والعراقية ومجالس الإسناد هو هام جدا برغم بقاء الخطر مستمرا، وإذا كانت القوات العراقية قادرة هذه المرة على حماية الانتخابات، فإن العراق لا يزال بحاجة للقوات الأميركية، وخصوصا للتصدي للتدخل الإيراني المتعدد الأشكال.
لقد تركت إدارة بوش لأوباما عراقا هادئا نسبيا، وبدا العراقيون يذوقون طعم الانتخابات ويمارسونها رغم بقاء المعايير غير الديمقراطية في الغالب، إلا أن الممارسة الفعلية للناخبين مهمة جدا للمستقبل، وتقول الهيرالد تريبيون من بغداد إن quot;العراقيين [مفتونون] بالانتخابات، وفي الوقت نفسه، [متعبون] منها.
لا يمكن القول إن العراق اليوم مستقر تماما، ولا إنه ديمقراطي تماما، ومع هذا فسقوط صدام كان حدثا إيجابيا تاريخيا للعراق وللمنطقة، وقدمت للعراقيين حريات واسعة لم يحسنوا، مع الأسف استخدامها كما ينبغي. إن الحرب لم تكن حرب بوش، كما يقول أوباما، بل كانت حرب الولايات المتحدة والعراقيين معا، ويخطئ أوباما في تقليله من الأهمية الإستراتيجية للعراق والقضية العراقية، كما نعتقد ان جلاء القوات الأميركية بوتيرة أسرع مما في الاتفاقية الأمنية غير مضمون النتائج.
العراق لا يزال أمام تحديات وأخطار كبرى وعلى القيادات الحاكمة تحمل مسئولياتها بجدارة بعد أن كانت تتكل كليا على الأميركيين. أمام السيد المالكي، والحكومة، وكل القيادات الوطنية، تحديات نرجو أن يكونوا أهلا للتصدي لها بنجاح، و في مقال تال سنتناول بعض الأمور الهامة عن الوضع الراهن والمستقبل القريب، هذا إن كان يمكن التنبؤ به!
نعم، لا يمكن التنبؤ اليوم بمجريات الأمور لاحقا، ولا إصدار أحكام، وهنا نتفق مع تحليل السفير الأميركي المنتهي خدماته، رايان كروكر، حين يقول إن الدرس الأكثر أهمية الذي تعلمه من العراق ومن حياته المهنية في مجملها، هو أن الأحداث لها تبعات لا يمكن توقعها أو الهروب منها، وquot;عندما نكون جزءا من مجموعة من الأحداث الكبيرة والمهمة، علينا أن نفهم أن التيارات التي تتحرك سوف تدور وحدها على مدى أعوام عديدة بطريقة لا نفهمها بصورة دائمة.quot;
لعل فيما قاله السفير كروكر درسا ما للعراقيين ولأوباما معا!
التعليقات