في وقت متزامن نشر الأستاذان مجدي خليل وعبد الخالق حسين، مقالين يشتركان في فضح وإدانة التطرف الإسلامي، ودعاة التطرف والكراهية والعنف.
الأول كان عن حرب التحريض والتشويه ضد المفكر المصري المعروف، سيد القمني، (ليست معركة القمنى وحده ) في إيلاف ومن هنا عنوان مقالنا. والثاني عن محنة الصحفية السودانية لبنى حسين، التي تواجه محاكم السودان القرون أوسطية، وتحدي الضحية لنظام الإرهاب والإبادة في دارفور، ووضعه هو في قفص الاتهام، وبعنوان (لبنى حسين تحاكم عمر البشير ) في المواقع الأخرى. أما الأديب والشاعر العراقي، أحمد عبد الحسين، فيلاحقه قادة أحد الأحزاب الدينية الحاكمة في العراق لنشره مقالا عن جريمة سرقة 8 ملايين دولار من مصرف حكومي، وقتل 8 من الحراس، فاضحا دور ذلك الحزب.
القمني يتهمه المتطرفون الإخوان، ومن لف لفهم، زورا وكذبا، بسب الرسول الكريم، بعد تشويه ما يكتبه، وتلفيق الكلام المزور على لسانه. أما لبنى، فلأنها لبست بنطلونا- ويا للكارثة على الدين من لبس البنطلون النسائي! واحمد عبد الحسين أبع عن عمله وهو ملاحق مغضوب عليه، ومختف عن الأنظار، لأن أحزاب الإسلام السياسي معادية لحرية النشر والتعبير والفكر، وذلك برغم كل الادعاءات، وأساليب المراوغة والتقيّة.
لقد نشر الكتاب الأحرار، خلال السنوات الأخيرة، العشرات والعشرات من المقالات والأبحاث والتعليقات عن مخاطر التطرف الإسلامي، لاسيما عندما يتدخل في تفاصيل السياسة، قاصدين الإسلام السياسي. وقد أوضحت تلك الكتابات، مرة بعد أخرى، وفضحت بالأدلة القاطعة، مدى الخطر الذي يمثله دعاة التطرف والعنف باسم الإسلام، ولاسيما التنظيمات الإرهابية الإسلامية التي تؤمن بتلك الأفكار، وتحاول ترويجها بالعنف والاغتيال وتفجير الأبرياء، لا في العالمين العربي والإسلامي وحسب، بل على النطاق العالمي كله، وخصوصا في الغرب، حيث الحريات التي يستغلها المتطرفون، والقضاء الذي لا يفكر- في بعض الأحيان - في الضحية بقدر أمر المجرم المتلبس بالجريمة. وما الضجة الكبرى عن غوانتينامو، وتصديق كل كلمة يصرح بها إرهابي، وبناء المواقف على ذلك بلا تمحيص، إلا دليل قاطع، من بين مئات الأدلة، على كيفية استغلال الإرهابيين ودعاة التطرف، للحرية المتيسرة لهم، لاسيما حرية ممارسة الفروض الدينية بلا أي تقييد وتمييز. وبدلا من الشعور بالامتنان لدول الضيافة، فإنهم يعتبرونها ديار كفر وفجور وفساد تجب مواجهتها بكل الأساليب، لفرض القيم والممارسات الأكثر تخلفا على المجتمعات الديمقراطية.

القمني مفكر حر يمارس الحق في التفكير والتعبير والنشر. مفكر متميز كما كان حامد نصر أبو زيد وعلي عبد الرازق وطه حسين ومنصور فهمي، ونجيب محفوظ وعلي الوردي، والشاعر معروف الرصافي، وجميل صدقي الزهاوي، وغيرهم من أعلام الفكر والثقافة والأدب والعلم. كل هؤلاء تعرضوا لحملات الإسلاميين المتطرفين، الرافعين سيوف التشهير والتحريض والتهديد.

أما quot;جريمة لبنىquot;، أي لبس البنطلون، بحجة quot;اللبس الفاضحquot; فالتهمة بحد ذاتها تدل على مدى تفاهة وتخلف نظام يثير بنطلون فتاة أعضاءه الجنسية الفحلة! كما تثير، مثلا، لعبة باربي فحولة كل المتطرفين الإسلاميين، من إيران للخليج، فيهرعون لصنع لعبة منافسة، بملابس طويلة، مع سجادة الصلاة، وبيديها القرآن الكريم ndash; فأعضاء الفحولة الفحلاء تنظر بغضب حتى لمنظر البندورة لان شكلها الهندسي رمز أنثوي مثلما الخيار رمز ذكوري!!
والتطرف وتخلف يهاجمان أيضا الشعر الغزلي لنزار قباني والشاعر السعودي الحر غازي القصيبي، مع أن ديوان الشعر العربي القديم عامر بأشعار الغزل، وبكل أنواعه. أما الموقف من أصحاب الأديان الأخرى، فحروب المتطرفين ضدهم قائمة ومستعرة في كل مكان: من أقباط مصر، إلى المسيحيين والأيزيديين والشبك والصابئة في العراق، إلى التمييز ضد السنة في إيران، فحرب الإبادة في دارفور، الخ.
إن حرية الفكر ممنوعة ومحرمة لأنها تجاوز على الدين وشتم للرسول! والبنطلون محرم، لأنه بدعة غربية تشجع على الفسق، وكذلك تحريم لبس سراويل الرياضة القصيرة من قبل الرجال، ما لم تصل للركبة. ونعرف أن الغرض من التحريم quot;الملابسيquot;، على اختلاف الملابس، ليس إلا فرض طراز معين من الملابس للنساء والرجال، لتمييزهم عن quot;الفاسقين والمستغربينquot;، وذلك وفق برنامج المتطرفين لفرض هيمنتهم على المجتمع، وعلى تفاصيل حياة الناس. بل من فقهاء مصر من حرموا استخدام مياه الصنابير للوضوء لأن فيها مادة الكلور المستوردة من الغرب. وفي الصومال اليوم يقوم إرهابيو القاعدة بقلع الفضة والذهب من الأسنان بذرائع دينية! وإذا كان لبس البرقع والنقاب قد صار فجأة فريضة إسلامية يجب تعميمها حتى في الغرب، رغم أنف العلمانية وحريات المرأة، فثمة اليوم معركة دشاديش سعودية في كليات أميركية، فبعض الطلبة السعوديين جاؤوا الكلية بالدشاديش باسم الحرية الشخصية، وتبعهم آخرون. ولعلهم سوف يستندون لموقف أوباما، حين هاجم دولا غربية لتحريمها الحجاب في المدارس العامة، خاصة فرنسا!
إن دعاة التطرف والعنف والكراهية باسم الإسلام يهددون الفكر الحر في كل مكان، ويعملون على نسف قيم العلمانية والديمقراطية، وسحق حقوق المرأة وكرامتها، حتى في الغرب. إنهم يروجون لكراهية الآخر والتحريض ضده.
إنها حرب كراهية وعنف حقيقية، وعلى كل الجبهات، ولا يمكن مواجهتها بغير حرب شاملة مقابلة، وليس بمجرد quot;الحرب الدقيقةquot; لمستشاري اوباما، الذين لم يقفوا لجانب لبنى السودانية، التي تتعرض لعقوبة الجلد الوحشية. الحرب الدقيقة التي يروجون لها يقصد بها معالجة العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تفرّخ التطرف وفرعه الإرهابي. طبعا إن معالجة هذه العوامل وأرضيتها ضرورية وحيوية جدا، ولكن عندما يكون أمام العالم إرهاب مدجج بالمفخخات للقتل الجماعي، فلابد من الحزم والعقاب الرادع، أي مواجهة العنف بالقوة وبالقضاء الحازم. فهناك فرق بين العلاج، أو العملية الجراحية، وبين اتخاذ وسائل الوقاية من عدوى الوباء وتكراره على المدى البعيد. العلاج الفوري واجب ولابد منه، وفي نفس الوقت يجب اتخاذ الإجراءات، وإتباع السياسات المدروسة، لمكافحة الفقر والتخلف وأفكار التطرف والكراهية.
إن مساعي التطبيع الأميركي مع البشير، كما تبدو في الأفق، طعنة نجلاء لضحايا دارفور، وخذل للنساء السودانيات الشجاعات، المناضلات من أجل كرامة المرأة وحقوقها، وإن لبنى حسين رمز حي لهن. وإن مهادنة الأنظمة العربية غير الدينية لأفكار quot;الإخوان، وتحركاتهم، وتحريضهم ضد الأحرار وضد الأقليات الدينية، وتركهم يسممون المجتمع بأفكارهم الظلامية، سترتد عواقبها القاسية على تلك الأنظمة نفسها، كما حدث للسادات. وها هو الرئيس اليمني يستقبل بنفسه الداعية المتطرف الشيخ المؤيد، بعد أن استجابت أميركا لمساعي اليمن لإطلاق سراحه بعد قضاء ست سنوات في السجن، بل وادعى الرئيس اليمني أن سجن المؤيد كانquot;غير عادلquot;!! أليس هذا مدهشا، فيما اليمن على كف عفريت بهجمات وجرائم الحوثيين والقاعدة، والأصابع الإيرانية في أريتيريا؟! هل يتصور أن استقبال داعية للإرهاب سوف يكسب قلوب المتطرفين، أم، على العكس، سوف يجعلهم يتمادون، معتبرين الحفاوة الرسمية ضعفا؟؟ أما النظام العراقي فهو يدعي أنه ديمقراطي حتى النخاع رغم أن من بين أحزابه الشيعية الحاكمة جلاوزة متطرفين، متعسفين، يلاحقون كل من يكتب الحقيقة، ويكشف موبقات السرقات وعمليات الفساد.
إن من الواجب، كل الواجب، إعلان التضامن، وبمختلف الأشكال، مع الدكتور سيد القمني، والصحفية لبنى حسين، وكلوتيلد ريس في إيران، وعبد الحسين في العراق، وغيرهم من ضحايا قوى وأنظمة القهر والظلام الإسلامية - تضامن في كل مكان ممكن، وعلى كل المنابر والأصعدة، وبذلك نكون أوفياء لقيم الحرية والعدالة والتقدم.


[ معلومة: نشرت الفيجارو الفرنسية بتاريخ 12 أغسطس الجاري افتتاحية بعنوان: quot;هؤلاء النساء اللواتي يجسدن الحريةquot;، مخصصة لحالات كلوتيلد ولبنى والمعارضة البومية، أونغ سان سوتشي.]