من الصدف تزامن الانتخابات العراقية مع يوم المرأة العالمي- فالفارق الزمني يوم واحد. وعندما يتغني حكام العراق وبعض المثقفين ب quot;الديمقراطية العراقيةquot;، فلينظروا أولا لما حل بالمرأة العراقية وحقوقها تحت سيوف أحكام الشريعة. ومنذ عقود كتبت أن في رأس معايير الديمقراطية هو الموقف من المرأة. فإذا ربطنا حال المرأة العراقية اليوم بالقضايا الأمنية، والفساد، وانتشار الطائفية مع تراجع روح المواطنة، لأمكن أن نرى بشفافية الوضع العراقي برغم الانتخابات المتكررة. والحقيقة، أننا لو نظرنا للعالمين العربي والإسلامي، لوجدنا ردة رهيبة بالنسبة لحال المرأة. حتى مصر، التي كانت في طليعة الدفاع عن حقوقها منذ زمن قاسم أمين، تراجع وضعها ودورها للوراء بعشرات المرات. وتردي وضع المرأة العربية والمسلمة ناجم أولا عن انتشار موجة التطرف والتزمت الأصوليين، بالمذهبين، وخصوصا منذ صعود الخمينية.

كتبت مرارا عن حال المرأة العراقية اليوم. وهذا المقال ليس مكرسا لعيد المرأة، بل يخص الانتخابات العراقية القادمة، وقد تطرقت لحال المرأة بمناسبة التزامن المشار إليه، وأيضا بمناسبة مقالات تتغني بما يدعى ب quot;الديمقراطية العراقيةquot; كلما جاءت انتخابات جديدة. ورغم أن مشاركة المرأة في الانتخابات خطوة جيدة، ولكن ما يسئ إلى ذلك ويصدعه هي سيادة المعايير المذهبية والعرقية في الانتخابات، فأكثر النائبات اليوم ينتمين لأحزاب دينية، وهن من دعاة quot;الرجل قوام على المرأةquot;! وهن متحمسات لنصوص الدستور الخاصة بأحكام الشريعة، والتي داست على القانون المدني للأحوال الشخصية الذي صدر في عهد عبد الكريم قاسم. ويمكن القول هنا إن نوابا علمانيين هم أكثر حرصا على كرامة المرأة وحقوقها من النائبات الإسلاميات.

نضطر أحيانا لتكرار ما سبق قوله من قبل مرارا- وقد تكون في التكرار فائدة وضرورة- فيما يخص عمليات الانتخابات، ومواصفات ومعايير الديمقراطية، و بحدها الأدنى على الأقل

عندما دعت المرجعية الشيعية في أواسط 2003 إلى انتخابات برلمانية مبكرة، عارضتها بشدة مع لفيف من المثقفين الديمقراطيين العلمانيين برغم ضوضاء وضجيج الأحزاب الشيعية والتهديد بغضب الشارع. وعندما تقرر موعد الانتخابات ليكون في بداية 2005، وهاج الإرهابيون القاعديون والصداميون، وراحوا يتوعدون ويهددون كل من يذهب لصناديق الاقتراع، دعوت، مع الداعين، للمشاركة بقوة لتكون المشاركة صفعة قوية لتلك الجحافل من الوحوش برغم توقعي بأن النتائج لن تكون مرضية. وكان ما كان من استحواذ الأحزاب الطائفية على السلطة، وانتشار الطائفية بأوسع مدى، وعمليات التناحر والتهجير الطائفية، والحرب الدينية، التي شاركت فيها بقوة المليشيات الحزبية وقوى القاعدة ومؤيدوها.

وبالنسبة لانتخابات اليوم، فقد دعوت وأدعو للمشاركة الجماعية برغم إدانتي التامة لعمليات الإقصاء التي يصدرها ذلك الثنائي المرتبط ب quot;قدسquot; إيران، وبرغم عملية تزييف أعداد المهاجرين والمغتربين بإنقاصها من 5 ملايين إلى مجرد مليون و200 ألف! ففي سوريا وحدها يوجد مليون و200 ألف، ولكن مفوضية الانتخابات قلصت العدد إلى 200 ألف فقط!! وبينما فتحوا مراكز انتخابية في إيران، لا نجد مركزا واحدا في فرنسا، رغم وجودها عام 2005؟؟

مع كل هذه الخروق، وما لوحظ من خروق في الانتخابات الخاصة، فلا تزال المشاركة العامة واجبا وطنيا.

لا أزال أقول إن ما جرى ويجري في العراق ليس ديمقراطية، بل عملية سياسية تشوبها عشرات الشوائب. وما جلبته الانتخابات الأولى لم يكن غير الفساد، والطائفية، وهضم حقوق المرأة، وإهمال الخدمات، وهجر اليتامى والأرامل - والمجموع أكثر من 10 ملايين-، والتنكيل بالأقليات الدينية. وما حصل أيضا هو التدخل الإيراني واسع النطاق، سواء برضا تام من أطراف نافذة في النظام، أو بعدم مبالاة أو خوف أطراف أخرى تكتفي بسرد أسماء ست أو سبع دول إقليمية وتحشر بينها اسم إيران، وذلك في عملية تملص واضحة من إدانة الدور الإيراني الذي هو أكبر عشرات المرات من الأدوار الأخرى- باستثناء دور سوريا. وعجيب أن نجد السيد وزير الخارجية يورد أسماء العديد من الدول الإقليمية منها الكويت، ويحشر بينها اسم إيران. فهل الدور الكويتي هو تخريبي كالدور الإيراني؟!!

إن معايير الديمقراطية بحدها الأدنى ndash; [ولا أتحدث عن ديمقراطية متكاملة] - على هي الموقف من المرأة والطفولة، وفصل الدين عن السياسة، ومكافحة الفساد، وضمان حرية التعبير والمعتقد، واحترام الأقليات الدينية والقومية وتلبية حقوقها.

أراني مكررا مقولة quot;الطائفية لا تبني وطناquot;، التي أوردها الأستاذ حميد الخاقاني في خطابه الشهير إلى المرجعية الشيعية؛ فالديمقراطية لا تبنى في غياب أو تحجيم روح المواطنة. وإذا كان تعدد الكيانات والائتلافات السياسية المشاركة في الانتخابات ظاهرة مفرحة، فالمهم ما هي برامجها الحقيقية وأهدافها البعيدة ، وبأية معايير سوف يجري اقتراع غالبية المقترعين.

إن نشر التشاؤم من التغيير- ولو كان محدودا - موقف خاطئ، ولكن نشر التفاؤل الوهاج والمبالغ به لا يخدم. فالفساد، والطائفية، وميول التسلط الفردي، وفرض أحكام الشريعة على المرأة وquot;تحجيبهاquot;، ومطاردة المسيحيين، هي مجرد quot;حصارمquot; مرة لا ينبغي أن نسميها عناقيد عنب حلو. وإن النقد الواضح والصريح للمظاهر السود والمفجعة في العملية السياسية واجب وطني يقع أداؤه على المثقفين والساسة الديمقراطيين العلمانيين.

فلنأمل بعض التقدم للأمام من الانتخابات!