تناولنا في مقالات كثيرة سابقة التقارير الاستخبارية الغربية المتلاحقة منذ العام المنصرم عن توصل النظام الإيراني للقدرات الفنية اللازمة لإنتاج القنابل النووية. وكانت فرنسا قد احتجت في منتصف ذلك العام لأن الدكتور البرادعي لم يوزع ملحقا سريا بالتقرير الرسمي لوكالة الطاقة، وكان الملحق يؤكد بوضوح على تلك الحقيقة.

واليوم يعلن أحمدي نجاد عن استمرار التخصيب بنسبة 20 بالمائة، [وهو في الحقيقة مستمر سرا ولم يتوقف]،] كما يعلن القدرة على تخصيب بنسبة 80 بالمائة.
الإدارة الأميركية حاولت التشكيك في القدرات الإيرانية النووية وكأن ادعاء أحمدي نجاد مجرد بلف، ولكنها إنما تناور وتداور لأن تلك القدرات قائمة فعلا، ووفقا لتقارير أميركية وفرنسية وبريطانية متلاحقة، كما مر.
وبناء على تصريحات سابقة لهيلاري كلينتون وغيرها، ذهبنا منذ شهور إلى احتمال سير اوباما نحو التعايش مع القنبلة الإيرانية مع تطمين دول الخليج بنشر مظلات صواريخ مضادة. وهو ما ذهبنا إليه أيضا في مقال لنا أخير بإيلاف، وقلنا فيه إن إيران القنبلة ستكون أكثر خطرا على الخليج ومهما كانت المظلات الأميركية.
يبدو أن دعوات التعايش مع القنبلة الإيرانية راحت تشق طريقها للساحة الدولية، وآخر ما قرأنا في هذا الاتجاه مقال quot;باتريك سيلquot; في صحيفة quot;الحياةquot; بتاريخ 12 شباط الجاري.
إن المحلل سيل معروف بهواه quot;الأسديquot;، نقصد سوريا الأسد، سابقا واليوم، وله كتاب معروف عن حافظ الأسد والدور السوري. وقد دافع عن النظام السوري عندما قامت محكمة الحريري، وكان من المهاجمين الشرسين لحرب العراق. فكتب مثلا في 2005، وهو بصدد محكمة الحريري، إن السوريين يشعرون بظلم كبير لحق بلادهم وبالعرب بصورة عامة بسبب المحكمة، بينما
quot;أميركا وحليفتها بريطانيا مدانتان بشن حرب غير قانونية أدت إلى مجازر كبرى ودمار شامل ونهب ثروات العراق. فأين صيحات الاحتجاج العالمية من هذه الجرائم؟ ولماذا تكون سوريا وحدها في ففص الاتهام؟quot; ونقول للكاتب المحترم: ودماء العراقيين يا رجل؟!! ودم رفيق الحريري وغيره ممن اغتالتهم أجهزة المخابرات السورية وأزلامها في لبنان؟!! ومن ساهم في تدمير العراق ومنع استقراره، بعد عهد صدام، أكثر من سوريا وحليفها الإيراني؟!
أما في المقال الذي نشير له، وهو بعنوان quot;ذعر خطير من برنامج إيران النوويquot;، نراه ينتهي إلى النتيجة التالية:
quot;بدلا من أن تحدث القنبلة الإيرانية الفوضى، قد تساهم في فرض الاستقرار في المنطقة وفي وقف تصرف إسرائيل العدائي ضد الدول المجاورة لها، وهو الأمر الذي لم ينجح العرب في القيام به في العهود الستة الأخيرة. فضلا عن ذلك، قد تساهم إيران بفضل فرض توازن للقوى مع إسرائيل، وبالتالي الحد من حرية تصرفها، على تشجيعها على إبرام صفقة سلام مع جيرانها بمن فيهم الفلسطينيين.quot;

سلسلة مغالطات:
الكاتب لا يريد الاعتراف بحقيقة الدور الإيراني في زعزعة استقرار المنطقة، وفي تعطيل الجهود السلمية لحل القضية الفلسطينية نفسها. لا يريد الكاتب الاعتراف بما يشهده العالم من تدخل إيراني تخريبي في العراق ولبنان وغزة واليمن والصومال. فكيف لها أن تساهم في استقرار المنطقة؟! إيران بلا قنبلة نووية ndash; وكما تقول الفيجارو الفرنسية ndash; هي دولة مخيفة، فكيف لو صارت دولة نووية؟؟!!
وجهة نظر باتريك سيل تعبر بطريقة ما، ولكن واضحة، عن موقف النظام السوري وهو حليف نظام الفقيه في زعزعة استقرار المنطقة وفي دعم المتطرفين الفلسطينيين الذين لا يريدون حلا سلميا تفاوضيا لقضية شعبهم، والذين يواصلون تحدي وزعزعة السلطة الفلسطينية الشرعية.
نعلم أن منطق الكاتب له أتباع كثيرون في العالمين الإسلامي والعربي، وذلك من منطلق الموقف من إسرائيل، التي، وبدون نكران دورها في عرقلة الحل السلمي، ليست وحيدة في العرقلة، ولو أجري استفتاء في الشارع الإسلامي كله حول القضية الفلسطينية لكان جواب الأكثرية: quot; إلى الجهاد المسلح لتحرير كامل الأرض الفلسطينية!quot;
أما الأخطر، فهو أن تأخذ الإدارة الأميركية بنفس فكرة التعايش الكارثي هذه، ويظهر أنه بدأت تظهر، بين مراكز الأبحاث الأميركية هذه الأيام، دراسات بهذا المنحى، أشارت المحللة راغدة درغام لبعضها في مقال لها بتاريخ 12 شباط أيضا.
فكيف سوف تتطور الأمور يا ترى؟؟؟