[ 2-2]ضعوا النقاط على الحروف، يا سادة!

الحلقة الأولى

بعد ليلة فقط من كتابة القسم الأول من هذا المقال، واجهت بغداد سلسلة عنيفة من التفجيرات بالشاحنات والهاون والعبوات الناسفة، أدت لسقوط ما يقارب100 ضحية وجرح ما يزيد عن 600، من رجال ونساء. وإذ أتقدم بأحر التعازي لضحايا عائلات الضحايا، فإن هذه الكارثة الأمنية تدل، بأكثر الدرجات وضوحا، عن أن الخطر الأمني، قد وصل، من جديد، لمرحلة إلحاق الكوارث والمآسي، وهو ما يتطلب من كل القوى الوطنية وقيادات الحكم التركيز اليوم على معالجة القضية الأمنية أولا، بكل صرامة، وبمنتهى المكاشفة، وفضح كل أطراف القوى المعادية، داخليا وإقليميا، لا بناء على تخمينات ومواقف سياسية مسبقة، بل على أدلة محكمة، ومعلومات ذات مصداقية.
قبل هذه التفجيرات، كان قد تم إعلان خبر عثور شرطة البصرة - حسب تصريحات العقيد كريم الزيدي- على منصة إطلاق، كانت محملة ب13 صاروخا من صنع إيراني، وذلك في عملية تفتيش أمنية بعد هجوم صاروخي على قاعدة عسكرية أميركية. في الوقت نفسه، يتهم نائبان من حزب المالكي السعودية بتمويل وتحريض الإرهاب، دون أن يقدما دليلا ما، ولو كانت عندهما الأدلة، لكان من الواجب الوطني إعلانها، دون مجاملة أية دولة ولو كانت السعودية. ونحن لا نستبعد أن أوساطا خليجية نافذة يهمها سقوط الوضع العراقي كله، وتعمل بجد لهذا الغرض، لا من منطلق الحرص على شعبنا، بل لأنهم يعتبرون هذا الوضع شيعيا وطائفيا، وفي خدمة إيران. النائبان المذكوران يضيفان دولا أخرى، كلها عربية، لقائمة الدول التي تتدخل في الشأن العراقي، كالأردن ومصر؛ لكن أيضا بلا دليل، وسبق لنا تناول هذا الاتهام. أما إيران، فلا ذكر لها طبعا، رغم الدليل الصاروخي الجديد. ومع ذلك، فعسى أن تكون الحكومة أكثر إفصاحا وصراحة، مع الأدلة المقنعة عن مصداقية ادعاءات نواب المالكي، فكل الحقائق الخاصة بأمن العراق والعراقيين يجب كشفها للرأي العام العراقي والدولي، دون مجاملة أحد.


3 ـ دور إيران:
لا تجرؤ القيادات الحاكمة على مجرد التنويه الملطف بالدور التخريبي الإيراني في العراق، مع أن الدور الإيراني هو الأكبر والأخطر والأوسع، وهو ما تطرقنا له عشرات المرات من موقع الحرص الوطني على سلامة العراق وسيادته، وكذلك الحرص على قيام علاقات أخوية متينة بين الشعبين العراقي والإيراني.
إن آخر المعلومات الواردة والمنشورة تؤكد الدور الإيراني في دعم المسلحين الإرهابيين من البعثيين والقاعدة، عبر الاستخبارات السورية، بحيث لا يظهر الإيرانيون،[ فيلق القدس]، على واجهة هذه الاتصالات والتحركات ضد العراق لأن البعثيين، خاصة، يفضلون التنسيق مع سوريا لا مع إيران مباشرة. والمعلومات تتحدث عن تسلل الإرهابيين من القاعدة وبعث صدام إلى مناطق حساسة في محافظتي الأنبار ونينوى، وفي مدينة كركوك، ومن بين الأهداف ضرب مجالس quot;الصحواتquot; بالإرهاب، وكذلك استغلال التذمر المنتشر داخل quot;الصحواتquot; بسبب تنكر المالكي لوعوده لهم وللأميركيين. أما التفجيرات في سنجار ضد الأيزيدية والعمليات في خزنة ضد أقلية الشبك، فلا شك أن وراءها تكتيكا دمويا لمواصلة حرب إبادة أصحاب الأديان والمذاهب الأخرى.
لقد اقترح القائد العسكري الأول للقوات الأميركية في العراق، الجنرال أو درنو، على حكومة المالكي وحكومة إقليم كردستان تشكيل قوة مشتركة، عراقية ndash; كردية ndash; أميركية، لحماية المناطق التنازع عليها في شمال العراق، ولاسيما في محافظة نينوى، وهذا يستدعي تعديلا جزئيا ومؤقتا في الاتفاقية الأمنية. ونحن نأمل أن يحظى الاقتراح بالتأييد لحماية تلك المنطقة على الأقل، وإن كان ذلك لا يحل إلا جزءا من المشكلة الأمنية المتفاقمة في العراق، وفي العاصمة بالذات، والتي مما يزيد من تفاقمها إشتعال الخصومات علنا بين بعض الأحزاب الحاكمة، واحتمال استفادة بعضها من الفوضى الأمنية لأغراض سياسية. والدور الإيراني في الإرهاب يتجسد على نحو فاضح في عمليات quot;عصائب أهل الحقquot; في البصرة ضد الجنود البريطانيين والقوات الأميركية، وهي منظمة صدرية، وجزء من جيش المهدي، برغم كل ما يقوله زعماء هذا التنظيم الإرهابي عن الاستقلالية. وإضافة quot;لعصائب أهل الحقquot;، تمارس مليشيا الصدر اليوم تنفيذ أبشع الجرائم الوحشية، وبوجه خاص ضد من يعتبرونهم رجالا وشبانا quot;مخنثينquot;. فقد قتل العشرات منهم بعد جرهم من البيوت، وتعذيبهم بأبشع الأساليب، ومنها سد فتحات الشرج بالصمغ. ولعل بين من يقترفون هذه الجرائم من هم quot;مثليونquot; بامتياز، ولكن سرا، سواء لبسوا العمائم أو لا!! وجيش المهدي معروف بفن الجرائم الوحشية، شأنه شأن القاعدة وقطع الرؤوس. ولو عدنا للوراء لعام 2004 في فتنة النجف الصدرية، فلابد أن نتذكر جرائمهم في النجف، ومنها فقأ عيون بعض الضباط، وسلقها في ماء حار، كما فضح ذلك في حينه للصحف قائد شرطة النجف، العميد غالب الجزائري. كما تبين أن كل الأسلحة التي عثر عليها مع المعتقلين من الإرهابيين في السنوات الأخيرة هي إيرانية الصنع، وهذه حقيقة لا تكشفها الحكومة علنا.
حسنا تفعل الحكومة أخيرا بالتفاوض مع السوريين حول الوضع الأمني، ولكن متى يتم ذلك مع إيران أيضا؟؟!! وحسنا تفاوض الحكومة تركيا حول المياه، وتنتزع بعض التعهدات الجزئية، وكذلك مع سوريا، كما يبدو، ولكن متى تجابه النظام الإيراني بتحويله عشرات الأنهار، التي كانت تصب في الأراضي العراقية، لاسيما نهر الكارون، الذي كان يصب في شط العرب ndash; هذا الشط الذي فقد حتى اليوم حوالي 40 بالمائة من مياهه؟؟ وكيف ستعالج الحكومة العراقية إصرار إيران على اتفاقية الجزائر لعام 1975 في الجزائر؟ وما موقف الحكومة وكل القيادات السياسية العراقية، من مطالبات إيرانية جديدة بمدن عراقية؟؟! فقد نشرت الصحف مؤخرا تصريحا عن مسئول أمني عراقي في وزارة الداخلية، فضل عدم ذكر اسمه: quot; إن إيران باتت تطالب بمدن عراقية بعد أن تعدت على خط التالوك، [الخط الوهمي الذي يفصل شط العرب من منتصفه بين العراق وإيران بحسب اتفاقية صدام في الجزائر عام 1975]quot;. ويقول النائب محمود عثمان في تصريحات للشرق الأوسط [ 16 آب الجاري]: quot; لا توجد أية شفافية بالتعامل مع القضايا العالقة بين إيران والعراق، لاسيما إن الحكومة لا تطلعنا إلى أين وصلت المفاوضات بين البلدينquot;، مضيفا:quot; إن الخلافات بين العراق وإيران لا تقتصر على موضوع الطائرات والأسلحة المودعة لدى إيران منذ 1991، أو ترسيم الحدود وشط العرب والملف الأمني والتدخل في الشأن العراقي، بل تتعداها إلى ما هو أهم من كل هذا، وهو مسألة المياه، حيث باتت إيران تحجب مياه كارون عن شط العرب من خلال السدود الترابية التي تحاول إقامتها. وأبدى النائب استغرابه من عدم وجود أية مفاوضات بشأن المياه مع إيران، أو حتى اتفاقية تبرم، كما الحال مع تركيا.


4 - وماذا بعد؟!
نعم الوضع خطير، فيما القيادات السياسية منشغلة بالانتخابات القادمة للفوز بأكبر حصص ممكنة، وهي منهمكة في البحث عن تحالفات ومتحالفين، علما بأننا لا نعتقد أن التحالفات القادمة ستقوم على أسس برامج سياسية وأهداف وطنية عامة، وليس على نفس الأسس المذهبية والعرقية. انهماك في الهم الانتخابي، يجر من جديد السيد السيستاني للتدخل بإبداء فتوى عن نوعية القوائم الانتخابية، وكأننا في نظام ولاية الفقيه!! ـ انهماك في الشأن الانتخابي برغم التدهور الأمني، والصراعات، وأزمات المياه والخدمات والفساد ndash; انتخابات مرجحة حتى قدومها لأن تزيد الوضع اشتعالا. ولمعالجة الوضع الأمني المتردي، فقد قررت الحكومة إجراء استفتاء على الاتفاقية الأمنية مع الجانب الأميركي. ولا شك أن ثمة جهات عراقية متعددة المشارب، لاسيما الأقرب لإيران، ستصوت ضد الاتفاقية، ومنهم سياسيون بارزون سبق لهم الوقوف ضد الاتفاقية، كالجعفري والدكنور الجلبي، ومنهم السيد الربيعي، الذي كان قد دعا علنا لتصويت ضدها في الاستفتاء. فما البديل يا سادة؟! قوات فيلق القدس!!!! أم جيوش عربية؟!!! أم تنشيط المليشيات والإكثار من عددها؟!11
أخيرا، فقد قال لي صديق عزيز للتو: وهل بقي عراق؟؟!
*************
[ * هامش: نشر الأستاذ طارق الحميد في quot;الشرق الأوسط quot;مقالا بتاريخ 24 مايو المنصرم، تحت عنوان quot;الشباب السعودي والإرهاب.. إلى متى؟quot;. وكان الحميد يعلق على اعتقال شباب سعوديين في باكستان وهم في طريقهم للانضمام للقاعدة، واعتقال قرابة 48 معتقلا سعوديا في سجون كردستان العراق، والذين كانوا قد عبروا الحدود من سوريا. يقول الأستاذ الحميد:
quot; هل علينا أن نلوم السوريين والإيرانيين وغيرهم؟ لا أعتقد! الأولى أن نلوم أنفسنا بالسعودية أولا، ونتساءل لماذا لا يكون لدينا جهد فكري على مستوى التعليم، ورجال الدين، وهم الأهم، لحماية شبابنا وإبعادهم عن تلك المهالك؟quot;