لم تعلن بعد كل نتائج الاقتراع في الانتخابات العراقية، وسط اتهامات بالتلاعب، أو محاولات التلاعب بعمليات الفرز، وبعد فوضى ضاربة في اقتراع المغتربين، وحرمان عدد كبير منهم من ممارسة حق الاقتراع. الروايات متضاربة ولكن معظمها يشير بوجود حالات ضغط وتزوير هنا وهناك، ويتداولون دخول أو محاولة دخول السيد الجلبي لمركز الفرز المركزي. أما دوليا، فمندوبة من الأمم المتحدة تقول إن الانتخابات وعمليات الفرز تسير بشكل طبيعي، فيما يقول ستروان، رئيس لجنة البرلمان الأوروبي للعلاقات مع العراق إنه بلغه بأن quot; مسئوولين رفيعي المستوى في اللجنة الانتخابية العراقية ضبطوا يتلاعبون بالانتخابات بإدخال بيانات خاطئة في كمبيوتر الانتخاباتquot; لصالح رئيس الوزراء السيد المالكي.
لا يمكن التنبؤ اليوم بما ستؤدي إليه النتائج، وما سبق ذلك، وما سيليه من اتصالات الكواليس بين الكتل الانتخابية.
ما يمكن قوله اليوم هو أنه، وبرغم كل حوادث أو احتمالات التلاعب هنا وهناك، وخصوصا قرارات الهيئة quot;السليمانيةquot; إياها، فإن عملية الاقتراع قد نجحت نجاحا كبيرا يشرف شعبنا وكل مواطنة ومواطن. إنها تجربة ثمينة، يمكن أن تتطور مع تطور وعي الناس ومع تلمس فشل أو نجاح الوعود الانتخابية لهذا الفريق أو ذاك، ولهذه الشخصية أو تلك. وكما تقول صحيفة quot;الفيجاروquot; الفرنسية بتاريخ 12 الجاري، فإن الفضل في تبلور التجربة الانتخابية العراقية يعود لجورج دبليو بوش، منتقدة اليسار الغربي، علما بأن بعض الصحف اليسارية الفرنسية قد أشادت بالانتخابات، ولاسيما لأنها جرت تحت تهديدات القاعدة المجرمة، ومغامرة الاقتراع أمام الخطر المحتمل وهذا أيضا هو التقييم العام دوليا.
إلى هنا، يجب الترحيب بما حدث، ولكن الأهم منه هو ما سيحدث بعد الآن. هل ستعود المحاصصة، وهو احتمال كبير جدا في نظري؟ هل ستتنازل هذه القائمة أو تلك عن شعارات ومبادئ جيدة أعلنتها في الانتخابات لضمان المقاعد الوزارية؟ - وهذا أيضا محتمل جدا في نظري.
إن الغاية من استخدام الصناديق الانتخابية هي التوصل لحالة وأوضاع أفضل للبلد وللمواطنين. وكما قال كاتب عراقي للتو: quot; فإن صندوق الاقتراع لا قيمة له إذا لم يحمل تحسنا ملموسا في غذاء المواطن وأمنه، وإذا لم يكن صندوق الاقتراع آليّة لإقصاء السارق والفاسد والدعيquot;، ونضيف ، لإقصاء الطائفي والراضي بالتدخل الإقليمي على حساب مصالح شعبنا وأمننا.
إن من أهم مظاهر قوة الاقتراع الذي جرى تلك المشاركة الكثيفة للمدن والمحافظات ذات الأكثرية السنية، والتي سبق لها أن شهدت عملية مقاطعة ضارة عام 2005 . هذا الاقتراع - بحد ذاته - يشكل ضربة كبيرة جديدة لقوى الإرهاب القاعدية والصدامية. ومن الإيجابيات دعوة المرجعية الشيعية للمشاركة، وهي دعوة تحمد عليها. ولكن البعض، وكما نشر في الصحف، قد فسروا موقف المرجعية بالدعوة للاقتراع للقوائم التي تقودها أحزاب شيعية. وهناك من صرحوا بأنهم شاركوا لكيلا يقترفوا إثما شرعيا بمخالفة دعوة المرجعية. وكما كتبت في مقال سابق، وكما كتب أيضا الأستاذ عدنان حسين، فإن المرجعية أحسنت بقرار غلق أبوابها أمام الساسة خلال الانتخابات، وقد تمنينا أن يستمر الغلق بعد الانتخابات أيضا. لكن هذا لم يتم مع الأسف، فها هو السيد الحكيم يدشن زيارات ما بعد الانتخابات، ويتحدث عما يجب فعله، وننتظر زيارات جديدة للسيد المالكي وسواه لتبرير هذه الطبخة الحكومية أو تلك.
العراق، وكما قالت الفيجارو أيضا، لا يزال بلدا محاطا بالأعداء، ولاسيما الخطر الإيراني المستفحل، والذي له امتداداته القوية داخلا. والوضع العراقي لا يزال هشا، كما أن التجارب الماضية، خلال كل سنوات ما بعد صدام، لا تبرر التفاؤل بالأداء المقبل لكثير من ساسة البلد، ابتداء بالسيد المالكي نفسه، الذي لا يزال يقود حزبا دينيا له برنامجه البعيد والذي يحرص على ترضية إيران. ولا نعرف كيف يمكن للبعض أن يتوقع تحول المالكي إلى سياسي علماني مادام زعيم حزب إسلامي!! وبالنسبة للدكتور إياد علاوي، - وكما قلت في مقال سابق ndash; فلست أفهم هذه العلاقة القوية بينه وبين التيار الصدري، علما بأنه أعرف من غيره بجنايات جيش المهدي، وهو الذي حارب هذا الجيش عام 2004 وكاد يجرده من السلاح لولا quot;فزعةquot; quot;البيت السياسي الشيعيquot;. وإذا كان الدكتور يحلم برئاسة الوزارة- [ وشخصيا لا أعتقد أنه سيحصل، فحزب الدعوة متشبث بالمنصب تشبثا مستميتا وبكل الأساليب ] ndash; عن طريق ترضية أحزاب دينية مرتبط بإيران، فإنه، لو افترضنا نجاحه، سيكون أسيرها وأسير الحسابات الإيرانية. والأفضل له وللعراق لو عمل على لم صفوف التيارات والقوى العلمانية ودخل البرلمان معها كقوة معارضة موحدة لو أمكن.
هذه بعض الملاحظات الأولية عما أراه. والكلمة هي للأيام والأسابيع القادمة، آملا ألا يمر العراق بأزمة سياسية حكومية تشجع قوى الإرهاب والتدخل، وتدخل البلد في دوامة جديدة، فيما الشعب ينتظر حكومة تلبي حاجاته الأولية، من أمن وخدمات ومن محاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين، من كبار وصغار؛ حكومة قادرة على، وراغبة في، وقف التدخل الإيراني، ورفض المطالب الإيرانية، quot;المعلقةquot;، كسيف التهديد، في التعويضات والنفط، وحتى في مدن! ولكن، وكما عبرت مرارا، فإنني لست على تفاؤل كبير.
أخيرا، أود الإعراب للأخوين العزيزين، السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس إقليم كردستان، عن قلقي، كمواطن عراقي كردي، لما تناهت من أخبار ممارسات الناخبين الأكراد في عدة مدن غربية من رفع العلم الكردي وحده ومن غير العلم العراقي. نعم، هذا العلم هو من مخلفات صدام، ولكنه بقي، لحد اليوم، [ وكما شاءت الأحزاب الدينية المهيمنة من حلفاء الجبهة الكردستانية]، علم الجمهورية العراقية، وجميعنا مواطنون فيها، وكردستان العراق جزء منها. إن هذه ممارسة تضاف لبعض الممارسات السلبية الأخرى التي تسئ للشعب الكردي قبل أن تسئ للعراق والوحدة الوطنية- هذا، مع أنني كنت، ولا أزال، من الدعاة المتحمسين لتبديل العلم العراقي مستقبلا، وكنا قد اقترحنا قبل سنوات استبداله مؤقتا بعلم جمهورية عبد الكريم قاسم.
التعليقات