لا يزال موضوع بناء المركز الإسلامي ومسجده في بقعة غرواند زيرو في نيو يورك يثير ردود فعل ساخنة أميركيا وعربيا. وقد أدت تصريحات اوباما الملتبسة والمرتبكة إلى مزيد من البلبلة ومحاولات خلط الأوراق.
القضية في رأينا ليست قضية حرية العبادة للمسلمين ولا حقهم في بناء المساجد في الولايات المتحدة، فثمة عدد كبير من المساجد هناك، ولم يثر ذلك حتى اليوم ضجة واحتجاجات. القضية ببساطة هي: لماذا اختار ممولو المشروع ودعاته هذه البقعة بالذات، أي البقعة التي قتل فيها أكثر من ثلاثة آلاف أميركي على أيدي إرهابيين مجرمين يهتفون quot; الله اكبرquot; لتبرير القتل الجماعي للأبرياء. نعم لماذا هذا الإصرار، ولحد اليوم، رغم ما أثاره اختيار المكان من احتجاجات صاخبة في نيويورك وفي الولايات الأميركية الأخرى؟ ولماذا يرفضون اقتراح حاكم نيويورك باختيار مكان آخر؟؟
في الإعلام العربي، وكالعادة، سيول اتهامات عما يعتبرونه عنصرية ضد المسلمين وعداء للإسلام، ويتحدثون عن دور اليهود والليكود وquot;اليمين الأميركيquot;، مع أن الاستبيانات تدل على أن حوالي 60 بالمائة من الأميركيين هم ضد البناء في ذلك الموقع بالذات وليس ضد بناء المساجد. وهذه النسبة العالية ليست جميعا ليكوديين، ولا يمينيين متطرفين، ولا عنصريين، وإن لم تخل صفوفهم من هذه الأنماط. ومما يلفت النظر أيضا اختيار اسم المركز quot;بيت قرطبةquot; تذكيرا بالأندلس الإسبانية، التي احتلها المسلمون قرونا وحولوا بعض كنائسها لكنائس. فهل في مخيلة القائمين أن نيويورك ستكون أندلس جديدة للمسلمين؟!! ربما لا، ولكنهم وحدهم المسئولون لو جاء البعض لإعطاء هذا التفسير لاسم quot;بيت قرطبة.quot;
نعم، المسألة هي: لماذا لا يبدي القوامون على المشروع حدا أدنى من الشعور بالتعاطف مع ضحايا 11 سبتمبر وذلك بإصرارهم على بناء مسجد سيرتفع منه صوت quot;الله أكبرquot;، الذي خطفه مجرمو 11 سبتمبر واقترفوا جرائمهم النكراء باسم الدين؟؟ نعم، لماذا؟ وماذا كان العرب والمسلمون سيقولون لو أن مجموعة من العنصريين الصرب طلبوا إقامة كنيسة أرثودوكسية جوار سربرينيتسا، حيث جرت مجازر جماعية للمسلمين على أيدي العنصريين الصرب؟؟ وهذا سؤال طرحته سارة بالين في الرد على اوباما، وللتأكيد على أن الرفض ليس لبناء مسجد في نيويورك، بل هو لبنائه في مكان معين بالذات.
وتذكرنا صحيفة لبراسيون اليسارية الفرنسية بأن صاحب مشروع المسجد هو الإمام فيصل عبد الرؤوف، الذي كان قد استهجن شكليا تفجيرات 11 سبتمبر ولكنه استدرك بقوله quot; أميركا هي شريكة في الجريمةquot;!!
ويقول رئيس مجموعة الجمهوريين في الكونغرس، جون بوهر، quot;ليست هذه مسألة حق [أي حق بناء المساجد].... بل هي مسألة احترام لحظة مأساوية في تاريخنا.quot;
أعتقد أن الأستاذ عبد الرحمن الراشد هو خير من طرح القضية عربيا، وذلك في مقال بالشرق الأوسط بعنوان quot;مسجد أم رمز للدمار؟quot;. ومما قاله:
quot;والحقيقة أن بناء مسجد بجوار موقع ناطحتي التجارة العالمي، اللتين دمرتا في هجمات 11 سبتمبر، قصة غريبة لأن المسجد ليس قضية عند المسلمين، ولم نسمع عنه إلا حديثا عندما تعالي الصراخ بين مؤيد ورافض....quot; ويواصل الراشد قائلا:
quot;لا أتصور أن المسلمين يريدون مسجدا في هذه البقعة تحديدا، لأنه سيتحول إلى سلعة لدعاة الكراهية ورمز لمرتكبي الجريمة، وفي نفس الوقت لا يوجد في الحي مسلمون متقطعون في حاجة إلى مكان عبادة لأنه مربع تجاري أصلا. فهل هناك طرف حريص عليه؟ في الأخبار ترددت أسماء مرتبطة بالمشروع الذي يكلف مائة مليون دولار! وقد تكون الجهات المتحمسة لبناء المسجد شركات مقاولات أو دور هندسة معمارية، أو جماعة مسيسة تريد استثمار المناسبة؟ لا أدري، سواء كان المتقدم يريد مسجدا هدفه التصالح، أو مستثمرا يريد الربح السريع، فإن فكرة المسجد بجوار التدمير تحديدا عمل غير حصيف أبدا.quot;
ولكن ها هو المصري الأميركي شريف الجمال، المستثمر في العقارات ومالك مكان المسجد، يعلن رفضه لتغيير المكان ويقول quot; كل شيء سائر على المسارquot;! والظاهر لا تهم أمثاله أن تؤدي القضية إلى تصاعد في المشاعر ضد المسلمين جميعا كمسلمين، وهي مشاعر تؤججها، [ وفي العالم]، ممارسات وجرائم كثيرة ويومية يقترفها مسلمون متطرفون باسم الإسلام في كل مكان. هؤلاء هم، قبل أي عنصري غربي، مسئولون عن زيادة وتأجج الشكوك ضد الإسلام والمسلمين في العالم : تفجيرات جماعية في العراق؛ طالبان باكستان نرفض المساعدات الخارجية للمنكوبين دون إدانة من مشايخ الدين المسلمين في العالم؛ نشاطات إيران النووية التي تتحدى المجتمع الدولي وعمليات رجم النساء حتى الموت في إيران وغيرها؛ قطع الرؤوس، وعمليات الخطف، وعمليات القرصنة، والحرب على كرامة المرأة، والعدوان على الحرية الدينية، وحرق الكنائس في مصر والعراق وماليزيا وغيرها من دول إسلامية؛ ألخ.. ألخ..
كل هذه التراكمات الدموية، التي ترتبط باسم مسلمين قد خطفوا الدين وعبارة quot;الله أكبرquot;، قد تتطور يوما إلى وضع يجد فيه المسلم في الغرب، حتى العلماني والمندمج في المجتمع، نفسه محاصرا بالشكوك، وتتحول حياته لجحيم، بينما يحجم فقهاء المسلمين عن إدانة جرائم المتطرفين.
إن مصلحة المسلمين في الولايات المتحدة، وهم حوالي 2 بالمائة فقط من مجموع السكان، ليس في الصمت عمن يتصرفون من موقع تحدي بقية السكان أومن موقع الفرض [ نحن هنا وأوباما معنا!]، بل في التصرف كأميركيين لهم دينهم الخاص ولكنهم يحترمون بقية الأديان والقيم والتقاليد الأميركية. ومن المؤسف أنه لم تقم في الولايات المتحدة مظاهرة واحدة للمسلمين تعبيرا عن إدانة جرائم 11 سبتمبر، بينما اليوم لا يجري حتى احترام مشاعر عائلات الضحايا، والمشاعر الأميركية عامة؟؟
إنها ستكون خطوة عقلانية وحصيفة وبالغة الدلالة إيجابيا لو قبل أصحاب المشروع بتنفيذه في مكان آخر من نيويورك، حتى ولو صرخ طالبو الربح السريع وتجار التطرف ما شاء لهم الصراخ!
التعليقات