القارة الآسيوية تجمع معظم بؤر التوتر والعنف الدولية: تحدي كوريا الشمالية؛ باكستان؛ أفغانستان؛ النووي الإيراني؛ القضية الفلسطينية والصراع العربي والفلسطيني - الإسرائيلي؛ مأزق العراق؛ احتمالات تعرض لبنان لأزمات حادة جديدة؛ اليمن وتداعيه الأمني المخيف؛ النشاط القاعدي المتصاعد.
لا يعني هذا غياب بؤر التوتر الكبيرة الأخرى في أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والبقية، ولكن، لو استعرضنا، لوجدنا أن عددا كبيرا من المشاكل الشائكة، والمحملة بالديناميت هي في القارة الآسيوية. ولمنطقتنا نصيب هائل من هذه المشاكل، وهذا هو محور مقالنا.
إن أوضاع المنطقة مخيفة حقا؛ فالوضع اللبناني مشحون برغم التطمينات؛ العراق أمام مخاطر جديدة قد تكون اكبر مما سبق، وخصوصا بعد انسحاب القوات الأميركية الضاربة قريبا؛ إيران ماضية في نشاطها النووي وفي تدخلها السافر في شؤون المنطقة وخارجها؛ لا يزال مجهولا مصير المفاوضات الفلسطينية ndash; الإسرائيلية القادمة - إن وقعت فعلا؛ اليمن يكاد يصبح الرجل المريض الثاني بعد الصومال، وربما يتلوهما العراق.
إذا تعمقنا في هذه الأوضاع والمشكلات، لوجدنا ارتباط جميعها تقريبا بإيران وسياساتها الخارجية والنووية. وحتى المشكلة الفلسطينية هي ذات بعد إيراني واضح، ونقصد معارضة النظام الإيراني للحلول السلمية العادلة، وارتباط كل من حماس وحزب الله بحساباته التوسعية والنووية، وصراعه مع المجتمع الدولي، ومع أميركا بالذات.
إن آخر أهم خبرين قادمين من أميركا، مما له لهما علاقة مباشرة بالمعضلة الإيرانية وبمجمل مشاكل المنطقة، هما:
1 ndash; تقرير الخارجية الأميركية السنوي حول الإرهاب، وتأكيده على أن إيران هي الدولة الأكثر رعاية للإرهاب. ويقول التقرير إن إيران توفر quot;دعما ماديا ولوجيستيا لمجموعات إرهابية ومسلحة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.quot; والتقرير يسمي فيلق القدس باعتباره quot; الآلية الأساس التي يعتمدها النظام [ الإيراني] في دعم وتدريب الإرهابيين في الخارج.quot; ويشير التقرير إلى أن طهران quot; تزود حركات حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية ndash; القيادة العامة- بالسلاح والتدريب والتمويلquot;. كما أن إيران قدمت quot;ملايين الدولارات لحزب الله اللبناني، ودربت آلافا من مقاتليه في مخيمات على أراضيها.quot; ويتهم التقرير فيلق القدس بتدريب حركة طالبان في أفغانستان على تكتيكات الوحدات الصغيرة، والأسلحة الصغيرة والمتفجرات. كما أن فيلق القدس وحزب الله يدربان مليشيات إرهابية عراقية داخل العراق وخارجه. وكان القائد العسكري الأميركي الأعلى في العراق قد صرح مرارا، خلال الأيام الماضية، عن علاقة إيران بمليشيات وفرق مسلحة معدة لمقاتلة القوات الاميركية، ومنها لواء الحق الموعود الصدري، وكتائب أهل الحق، وغيرهما. كما نعلم علاقة تحركات الحوثيين في اليمن بإيران؛

2 - رغم أن التقرير يعرض لنا كل هذا، فإن أوباما يصرح اليوم بأنه يريد quot;مخرجا هادئا quot; لإيران في الموضوع النووي. والرئيس الأميركي متفائل [ كالعادة!!]، معتقدا أن العقوبات بدأت تحقق أهدافها، ولها تداعيات مهمة داخل إيران، وأن إيران تواجه مشاكل في تخصيب اليورانيوم. وهكذا، يقدم الرئيس الأميركي لشعبه والعالم صورة متفائلة عن مستقبل العلاقات مع إيران بفعل تأثير العقوبات. وتنقل الصحف الأميركية عنه كونه يريد التأكد من أن زعماء إيران quot; لا يسعون لامتلاك أسلحة نوويةquot;!!- كأن كل مفاوضات وجهود المجتمع الدولي منذ سنوات عديدة لم تبرهن على خلاف ذلك! أما عن دور إيران في نشر وتشجيع الإرهاب، فلا يبدو أن أوباما يدخله ضمن موقفه من البحث عن quot;المخرج الهادئquot;. فكم تراه محقا في هذا الموقف الجديد- وهو قديم تماما؟! بينما إن المطلوب هو تشديد الضغط، ودعم المعارضات الشعبية بالطرق المناسبة، والعمل لعزل المسئولين الإيرانيين عزلا دوليا تاما.
لقد كتبنا الكثير عن السياسات الإيرانية، وأنها لن تتغير مهما قست العقوبات، وما لم يكن هناك رادع قوي وحازم. وقلنا إن العقوبات تؤثر حقا، ولكنها لن تردع، وإن المشروع النووي الإيراني ذا الهدف العسكري هو موضع اتفاق جميع نخب النظام الإيراني بمن فيهم quot;الإصلاحيونquot;، ولن يتراجعوا عنه. ولكنها سياسات أوباما القائمة على أشباه الحلول، ومنها ما يقوم على حسن الظن والوهم، وكذلك محاولة تقديم quot;منجزات كبيرةquot; للشعب الأميركي، تمهيدا لترشيح رئاسي ثان. ويصدق هذا، سواء في وهم تبديل سياسة إيران، أو في الموضوع العراقي. وها هو أيضا يمهد للانسحاب من أفغانستان أيضا والبلاد عاجزة عن وقف زحف طالبان إلا إذا قدم لها كرازي ثمنا غاليا جدا. وكان الرئيس الأميركي قد صرح مؤخرا أن العنف في العراق قد تراجع مع أن الشهر المنصرم شهد أعنف وقت من العنف وأكبر عدد من ضحايا الإرهاب منذ عامين.
وأما في الموضوع الفلسطيني، فلننتظر الأيام القادمة لنرى ما تتمخض عنها المفاوضات المباشرة المرتقبة.
إن ما أراه هو أن أوضاع المنطقة قائمة على براكين، وأن الإدارة الأميركية لا تدرك تماما مدى الأخطار، وهي، في العراق مثلا، لا تفكر في غير الانسحاب، ولا تلعب دورا حازما في المساهمة في حل أزمة تشكيل الحكومة وفق الاستحقاقات الانتخابية، ولا تستوعب احتمال وقوع العراق لقمة سائغة لإيران، واحتمالات التجزئة والحروب الأهلية. وفي الموضوع الإيراني، فلو كان الرئيس الأميركي جادا حقا في القناعة بإمكان عدول النظام الإيراني عن سياساته لمجرد العقوبات، فإنه سيقترف خطأ جسيما جدا، وستربح إيران وقتا إضافيا ومتنفسا. والوضع اللبناني مشحون مع ظاهرة هستيريا حزب الله عن المحكمة، والمصادمات مع القوة الفرنسية، ثم المصادمات الأخيرة مع إسرائيل. ولعل لبنان مرشح ليكون ساحة ساخنة للغاية ومفتوحة لكي تلعب مختلف القوى الإقليمية والدولية أدوارا خطيرة فيها. لبنان والعراق سيكونان ساحتين مفتوحتين لتصفية الحسابات الإسرائيلية ndash; الإيرانية. والعراق مرشح ليكون أيضا ساحة تصفية الحسابات الإيرانية مع القوات الأميركية عبر المليشيات الشيعية الإرهابية والقاعدة، في حين ليست في العراق حكومة جديدة لحد اليوم بسبب تعنت المالكي، وإن معظم القيادات والأحزاب الفاعلة لن تجرؤ على الوقوف في وجه إيران لو نقلت للعراق ساحات الصراع المباشر مع إسرائيل أو أميركا- منهم من سيقفون مع إيران، والعراق المهزوز والمنقسم سيكون عاجزا عن اتخاذ موقف الحياد.
إن كل هذه هي مخاطر لا يبدو أن الإدارة الأميركية تستوعبها أو تعيرها ما تستحق من الاهتمام الاستثنائي. وكما يقول أمير طاهري، فإن الرئيس الأميركي ليس معنيا بالحسم، بل يترك الأمور في وسط quot;المعركةquot; لأشباه الحلول، أو أنصافها، أو أرباعها، فتظل المشاكل شائكة ومعلقة الحلول، ومعرضة للانفجار.

ملحق: بعد كتابة مقالي قرأت في الشرق الأوسط، وبعنوان كبير، خبرا منقولا عن مصادر مرجعية السيستاني يقول إن أوباما أرسل للمرجعية الشيعية الدينية رسالة ترجو فيها تدخل المرجعية لحل أزمة الحكومة . خبر غريب حقا لو صح. يا ما انتقدنا الأحزاب الشيعية والمسئولين لإقحام السيد السيستاني في تفاصيل السياسة العراقية كما لو كنا في نظام الفقيه. فهل يعقل أن يفعل الرئيس الأميركي ذلك؟؟ ولو كانت مشكلة تشكيل الحكومات العراقية تعود للسيستاني وتحت تصرفه، فلماذا الانتخابات أصلا!! .