في مقال سابق، تحدثنا عن مبدأ quot;حاكميةquot; الأكثرية الشيعية في العراق، كما روج له علنا الزعيم الديني السياسي صدر الدين القبانجي في خطبة من خطب الجمعة. واليوم، يعلن أحد ممثلي قائمة المالكي الشيء نفسه، ونعني تصريح السيد عزت الشابندر:quot; رئاسة الوزراء للشيعة، فكيف نهديها لعلاوي؟quot;
حسب علمنا، ليس في الدستور، الذي أعدته الأحزاب الشيعية نفسها، وكما تريد هي، ما ينص على هذا المبدأ، الذي يعبر عن طائفية عميقة ومستفحلة، وعن احتقار للدستور ولأبسط المبادئ الديمقراطية. وأما بquot;الشيعةquot; العراقيين، فالمقصود بهم هذه الأحزاب نفسها، التي هي لا تمثل كل شيعة العراق، وقد كان المشتغلون في السياسة من الشيعة، وعلى مدى العراق الحديث، ينتمون لألوان سياسية وفكرية متعددة، وبينهم برزت تيارات وشخصيات علمانية ولبرالية وديمقراطية ويسارية معروفة. أما كون الدكتور علاوي شيعيا هو الآخر، فجواب السيد الشابندر هو أن قائمته تضم خمس قيادات سنية، وهذا، كما يرى، تقسيم طائفي مرفوض!! أي منطق! الإصرار على quot;شيعيةquot; المنصب ليس طائفية ولكن قائمة من ساسة المذهبين هي التقسيم الطائفي! وحسب علمنا أيضا، فإن الانتخابات جرت لانتخاب برلمان وحكومة وبرنامج لإدارة العراق، وليس لانتخاب شخص رئيس الوزراء. ولو كان الانتخاب هو للمفاضلة بين من يرأس الوزراء وكان المالكي هو الفائز لفهمنا منطقهم.
الأزمة العراقية مستمرة برغم شهور مرت على الانتخابات، ومهازل إعادة العد والفرز يدويا، التي طالب بها المالكي، فجاءت النتيجة مخيبة لآماله. وقبل أن يسأل البعض: quot;لماذا لا يريدون المالكيquot;، فإن السؤال الأنسب هو: لماذا صوت الناخبون للعراقية أكثر مما صوتوا للمالكي، وبرغم كل ما قدم من هدايا وتسخير quot;المساءلةquot;، وبرغم حصر السلطات الأمنية بيديه؟ ألم تكن النتيجة تعبيرا عن المرارة وخيبة الأمل من أداء المالكي والأحزاب المذهبية كلها، وذلك قبل أن تكون تأييدا لشخص علاوي؟؟ وماذا قدمت حكومة المالكي، ومن قبلها حكومة الجعفري، للشعب؟؟ هل استمرار تدهور الخدمات؟! هل تفاقم التدخل الإيراني، تجاريا وسياسيا واجتماعيا وتجسسيا، وحتى لغويا؟! هل في استمرار اضطهاد الأقليات الدينية وضرب أماكن عبادتها؟! هل في تحجيب النساء وحتى فتيات السادسة والسابعة ؟ هل في هذا الفساد المخيف، الذي حول العراق إلى طليعة لدول الفساد في العالم؟!
نعم، بماذا يتباهى حزب الدعوة ليظل متشبثا بالمنصب إياه ورغم أن النتائج الانتخابية لا تعطي المالكي هذا الحق؟؟ أما الإشارة إلى ما سمي بquot; التحالف الوطنيquot;، وتفوق عدد مقاعده، فهذا التحالف ورقي، وزعماؤه يندد علنا الواحد بالآخر، فيما الشعب يعاني من أزمات قاسية ويحترق بالحر اللافح مع انقطاع الكهرباء، والعاصمة نفسها أكوام من القمامة؟ إن كل الأعراف الانتخابية في الدول الديمقراطية تقصد بالقائمة الفائزة هي الأكثر عددا في المقاعد، سواء استطاعت تشكيل الحكومة أو لا. وفي حالة quot;العراقيةquot;، فقد كتبت مرارا وتكرارا أن نصيب تشكيلها للحكومة ضئيل لأن الأحزاب الشيعية والمرجعية وإيران تقف ضدها. ولو كان المالكي رجل سياسة له حظ من الروح الديمقراطية لما تشبث بالمنصب، هذا التشبث الذي هو سبب أزمة الحكومة المستمرة، خاصة وهو يعرف أن علاوي لو كلف، فلن ينجح. فتكون هذه العقدة على الأقل قد انحلت. ولكنه باق - بأمره هو- ولا برلمان يراقب حكومته ويعالج مشكلات البلاد، وجماهير الشعب بين كوارث وحيرة.
عندما ينادي ممثلو quot;القانونيةquot; بان المنصب هو quot;للشيعةquot; فلا يقصدون غير شخص واحد، هو السيد المالكي. فما أعجب! وما أغرب! الأحزاب الشيعية حصرت في نفسها تمثيل الشيعة، وquot;القانونيةquot; تحصر التمثيل في شخص واحد. والأزمة مستمرة، والنخب السياسية كلها تتخبط، فيما الشعب هو الذي يدفع الحساب، وفيما المنطقة تمر بظروف هي في غاية الدقة والخطورة، وتمس العراق لا محالة، ومن كل الوجوه، وحاضرا ومستقبلا.
إن المنطقة تغلي، والشعب العراقي يحترق، ومياه الرافدين تشكو الشح، وأما حكام العراقي وزعماؤه عامة، فهم يواصلون صراع الكراسي، ويستخدمون أساليب الشد والجر والمغالطة في تفسير الدستور. ولعل أكبر خطأ اقترفه الأميركيون هو إيلاء الثقة المبالغ بها بالأحزاب الدينية، التي هي معادية بطبيعتها للديمقراطية وحقوق الإنسان، ولها علاقات تاريخية وعضوية بنظام الفقيه. أما بقية دول المنطقة، فإنها هي الأخرى تحاول التأثير على مسار الوضع العراقي، وتهمها كيفية تشكيل الحكومة القادمة. فكل يبكي على ليلاه، إن كانت سوريا أو السعودية أو تركيا. أما إيران، فإنها هي صاحبة اليد الأطول في العراق، وكل من يحدثنا عن موقف مستقل للمالكي بالنسبة لإيران، إنما يعرف أن ذلك غير صحيح. ففي زمن حكومة المالكي وصل التدخل الإيراني أوجه، ونعرف عن زيارات وفود قائمته لإيران بعد إعلان نتائج الانتخابات، كزيارات زعماء quot;الإتلاف الوطنيquot;. فالكل لن يعارضوا إيران فيما تريد، وحكومة المالكي لم تجرؤ على مواجهة إيران في تحويل نهر كارون وغيره، وفي القصف المدفعي المستمر، وهو لم يفتح فاه عندما احتلت إيران أراضي في فكة، إلا في وقت متأخر. فلا المالكي، ولا الآخرون، يريدون إزعاج الجارة الشرقية، واللواء سليماني. وإذن، فعن أية استقلالية موقف يجري الحديث! صحيح، أن إيران تواجه صراع الزعامات الشيعية العراقية لأسباب شخصية وحزبية، وغيرها، ولكنها، هي وحدها، القادرة على إعادة لملمتهم في تشكيلة حكومية جديدة. وهو ما سيجري على أية حال.
فيا لمأساة العراق! ويا لفضيحة زعماء العراق، الذين لا يهم بعضهم حتى ضياع البلد، ومعاناة الناس، ما لم يضمنوا تحقيق الطموح الشخصي في التسلط، واحتكار السلطة ورفض تداولها سلميا! وقد برهن حزب الدعوة على أن شعارات القانون التي رفعها ليست غير غطاء وورقة، وأنه لا يزال أمينا لبرنامجه الأصلي كحزب ديني، كان مؤسسوه يؤمنون بريادة الخمينية. وربما كان النجاح الأوحد للمالكي إقناع بعض المثقفين الوطنيين العلمانيين واليساريين بأنه هو منقذ العراق! وهذه مفارقة تحسب له حقا!!!