مرت يوم 9 تموز ndash; يوليو- الجاري ذكرى انتفاضة طلبة طهران في 1999، والتي لا يزال شبحها يقض مضاجع حكام إيران.
اندلعت الانتفاضة بعد عهد من القمع المستمر، الذي تعرض له شعب إيران، وعلى وجه الخصوص مثقفوه. وقد شهدت رئاسة رافنسجاني الأولى [1989 - 1992]، أبشع وأوسع حملة مطاردة للثقافة والمثقفين، وكان محمد خاتمي وزيرا للإرشاد والثقافة. فقد طورد الصحفيون وحرية الصحافة، وشُددت الرقابة على كثرة من الكتب والمطبوعات، وزيد في تقييد حرية التعبير. وقد وُضِع أكثر من 400 كاتب، وشاعر، وصحفي إيراني في قائمة سوداء- وكان العديد منهم في المنافي. وزاد عدد الكتب المحظورة من 2000 إلى 5000 كتاب. وجمدت صناعة السينما الإيرانية. وقد استقال خاتمي من الوزارة عام 1992، وبقي مستشار ثقافيا لرفنسجاني. وكان رفنسجاني قد انتخب للرئاسة مرتين، ولما حاول تعديل الدستور ليضمن رئاسة ثالثة، فإن مساعيه فشلت. وكانت فكرة التعديل الدستوري من وزير ثقافته الجديد، مهاجراني.

في هذه الظروف، رشح خاتمي نفسه للرئاسة عام 1997، بتشجيع من رفنسجاني نفسه، الذي كان يرى في خاتمي رجلا غير قوي، ويسهل التلاعب به. وسرعان ما تقدم خاتمي ببرنامج انتخابي جذاب، حاز فورا على تأييد جماهيري. وكان برنامجه يدعو لتأسيس quot;دولة القانونquot; ndash; [لعل المالكي استوحى الفكرة منه!!!]- والنمو الاقتصادي، وتدابير لإلغاء إجراءات التمييز ضد المرأة، وتحقيق منجزات في مجال التعليم وترفيه الشباب.

استقبلت الجماهير، لاسيما بين الشباب والنساء، برنامج خاتمي بترحيب حار واحتفالية، مصدقين تلك الوعود. وكانوا يأملون أن يجدوا في خاتمي سبيلا سلميا للخروج من النفق المظلم، وأن يحل أخيرا quot;ربيع إيرانquot;.
جاءت الانتخابات، وكان الإيرانيون بين مرشحين: خاتمي، وعلي ناطق نوري رئيس البرلمان عهد ذاك، ومرشح الأوساط الأكثر رجعية ومحافظة. وقد أيد خامنئي بنفسه ترشيح ناطق نوري. وكانت النتيجة فوز خاتمي، وفرح الجماهير.

مضى عام، ولم يتحقق ولا جزء من أماني الناخبين الذين صوتوا لخاتمي، بل واستمر القمع. فكان أن اندلعت شرارات الطلبة من الحي الجامعي في طهران، وسرعان ما تحولت إلى مظاهرات سياسية واسعة، كانت في الواقع انتفاضة حقيقية، وترفع شعارات جذرية، لا ضد خاتمي وحسب، بل وضد المرشد والنظام الإسلامي نفسه. وبعد تردد، أصدر خاتمي أوامره لمليشيات الباسيج بقمع المظاهرات، فقمعت قمعا وحشيا، قضى على كل حسن ظن بخاتمي، وبمن يسمون الإصلاحيين. وقد أعقب قمع الانتفاضة غلق صحافة ما كانت تدعى بالموجة quot; الإصلاحيةquot; الجديدة. واعتقل عشرات الصحفيين ممن سبق وساندوا انتخاب خاتمي.

خمدت الانتفاضة المجيدة، واندلعت مظاهرات جديدة بعد انتخاب أحمدي نجاد عام 2009، وعلى نطاق البلاد، ولكن تحت قيادة quot;الإصلاحيينquot;، الذين لا يريدون إيذاء النظام الإسلامي ونظام ولاية الفقيه. ومع ذلك، فإن نتلك الموجة الجديدة من المظاهرات قد عمقت التناقضات داخل الطبقة الحاكمة الإيرانية، ودفعت بالنظام إلى حملات قمع أوسع وأكثر شراسة ودمويةquot;، حتى أن عقوبة التظاهر صارت الإعدام.

النظام الإيراني لا تزال في يديه أوراق عديدة، محلية وإقليمية، ودولية، ولكنه لا يمكن أن يخفي نقاط ضعفه، وعزلته. ولذا يروح يمعن في العنجهية، وتحدي المجتمع الدولي، ويوسع من نطاق تدخله الإقليمي، إلى جانب تشديد قبضة مؤسسات وأجهزة القمع ، خصوصا حراس الثورة ndash; الباسداران.

نعم، العقوبات الجديدة، دولية وغربية، تربك النظام وتضعفه، وتتسبب في استياء شعبي، ولكنها لن تردعه عن المضي نحو تصنيع القنابل، ولا تصده عن التدخل المتواصل في لبنان والعراق وغزة والصومال واليمن ودول الخليج وأفغانستان. ولكن لكل شيء حدوده، وأوراق طهران ليست أبدية، ومصير نظام الفقيه وباسداران لن يكون بأفضل من مصير صدام. وأما دماء الطلبة في انتفاضة 1999 ودماء مظاهرات 2009 وما بعدها، فإنها لن تذهب هدرا.

والمجد للطلبة الإيرانيين ولذكرى انتفاضتهم! وعاش الشعب الإيراني!