الساعة

الحديقة مهجورة مساء.. العاصفة تزمجر بعنف، وجثث الأشجار المقطوعة نهارا متناثرة هنا وهناك. ثمة شاعر تسلل للحديقة ليجثو أمام جثمان الزهور: quot;أيتها الزهور الرائعة، لم ترحلين سريعا هكذا!quot;. ...حمامة تبكي من بعيد، وأخرى تناديني: quot;أنا حبيبتك في الكلية.. أنا ساهرة وها عدت إليكquot;. وكدت أسمع صوت غراب الحديقة يحدثني بغضب وشكوى:quot; أنتم معشر البشر: quot;كم تظلمون وتشنعون! ألم تكتشف في أواخر عمرك بأنني لست غراب البين، بل إنني مخلوق رشيق، وسيم ووديع؟!quot; بم أجيب، لو أجبت، غير أننا حقا بائسون، وأننا، لو كنا، كما ندعي، أشرف المخلوقات، لاعتذرنا للغراب ولكثيرين من أبناء الحياة، ممن لا طوائف لهم، ولا مناورات، ولا صفقات.....
ورحت أردد مع نفسي: quot;لو كانت لي غرفة في دار لركنت منتظرا، والأفضل أن تكون دارا بلا باب ولا شباك . ولو دقت ساعة الذكريات دقتين، ولكن... هنا دقت الساعة الكبرى ليلا اثنتي عشرة دقة، وطفلة ابنة الكنيسة تسأل أباها: أين شجرة الميلاد يا أبي؟quot;.... أيقول لها: quot;لقد اجتثوهاquot;؟؟

الغيمة..
غيوم في السماء، وفي قلبي غيوم.. الصور مبعثرة، ولكنها ناطقة بما كان. وماذا الذي كان؟... ما بين جدول رقراق، ووجوه حسان، ثمة مستنقعات، ولحى تكنس الأرض لتزيدها وسخا. وهناك بودلير يغني لقطة يتصورها عشيقته، ويعنف كلبا لأنه لا يطيق رائحة العطور.. وجان فالجان في بؤساء أيام زمان.. وتوفيق الحكيم يقود حماره الوديع، ويبكيه عندما يبلغه نبأ وفاته، ويلعن البشر الذين يهينون الحمير...... صور في صور.. العجوز يتحامل على قدمين أتعبهما الزمان، ووطأة الأحزان... وحين تتناهى إليه أغاني الشباب، وموسيقى شوبان، ينطلق فجأة بقوة شباب العشرين، ليقبل طفلة تسوق عربة لعبتها، وتطعم الطيور...
11 تموز ndash; يوليو- 2010