(1)

ليتها لم ترتق السلّم الجانبي في طفولتنا، وليتني أنا لم أتعلم الأشغال الشاقة التي تمارسني أكثر من ممارستي لها. منْ؟
واقفة في الدرب المؤدي إلى ما تخشاه من الواقع، وأنا فوق منحدر تدفعني إلية بقوة خيوط المخيلة المحلولة، لا تناقض من حول المجال بيننا، ما دامت تقتحمني واختفي من تلقاء نفسي في بطنها، قلما نتحدث عن الأعشاب، أو ما يتلبد في العالم؛ كلانا يدعي الوضوح المطلق : العمل الليلي الذي لا ينتهي، شماعة للقاء غائب من طرفها كما من طرفي. تضعُ أبهامها القوي على غلاف مجلة أسبوعية فاقعة، تقول لتدرك الأشياء هي كما هي. أرحب مدخناً بالصمت الذي حرمتني منه العائلة دون ذنب قبل لقائي الموهوم بها. سيدي النبيل لنبدل اللغة. أيهما؟ الرطانة والنطق الفصيح. الواقع والمتخيل. أتغبطك حكايات كهذه مصنوعةً من نسيج المرحلة؟ كلا. أشعر غالباً بنوع من الإغماء، حتى عندما نذهب لزيارة جارنا الحداد، الذي خلق الحضارة. في عطلة نهاية الأسبوع الذي تظهر فيها المجلة الفاقعة مع أول خيوط الفجر. والزمن الذي سبق الظهور، الزمن ما بين النوم واليقظة، الغيبوبة، أو الزمن المتداخل ما بين رص الحروف وكف المشتري، ماذا فعلت به أو فعل بك؟ عطش مثل الذي نعرفه لا شفاء منه. أثناء ذلك، تفتح النافذة، تتطلع نحو كواكب وأفلاك لا أدري من أخبرها بوجودها الأبدي وسقوط نيازكها ماذا اسميه، البراق؟ أجل أيروس كان حاضراً. نرجس أيضاً، وإلا لمَ ذلك الخصام المشحون بيننا؟ سيدتي النبيلة نحن مرضى بوحدة أيروس المزمنة، نحن مرضى بمرايا نرجس الباهرة، العضال. والحداد أو الشاعر الذي جاء من بعيد وظل يهذي لسنوات عن تانوس. الموت.

(2)
في عمر كهذا، يبدو المرء وكأنه وحده منْ يصنع كل الخرائط، فيما تصرخ جدران المعمورة من حوله بالزيف. البارحة فقط حدثني عن كرونشتات، كومونة باريس، اسبارتكوس، عن الخط المتواصل ما بين رفاهية الإغريق، الرومان، وما تعرضه فضائيات الأرض في وقتنا من طباخين يرتدون صدرية وقبعة رأس بيضاء، إلى جانب أدوات مطابخ لا يمتلك مثلها لا سلاطين ولا فقراء العرب. لا أنكر أننا، في الربع الساعة الأول، جعلنا حسين أوباما وخليج المكسيك المحور الذي لا يدور من حوله كلامنا المبرأ من الزيوت، بقع الشركات، لؤلؤ البحرين وكافيار الفرس. من حين إلى آخر، كانت نافذتي ترتعش من مدافع الضحك التي تطلقها بطوننا الفارغة. جاءت بعدها ساعة بكاملها في محاولة للغور في وسبر دواخل المذيعة، أو الجماهير التي تتحدث كممثلة بالنيابة عنهم. هل تحب البرلمان العراقي، فاجئني بالسؤال. نعم؟ كلا، لا شيء، لم تفهم قصدي. دعني أأخذ غفوة صغيرة ثم أعود. أنقطع النت. لا أهمية للأمر. رتبنا الوضع على قدر المستطاع؛ لهجة علمتنا إياها السيدة. بعد عودته مباشرة، تنحنح، ما رأيك بعمرو موسى أو البرادعي؟ نعم؟ كلا، لا شيء، لم تستوعب بعد مشورتي. كنتُ أتحدث عن الجاحظ، عن أهمية الجاحظ كأول منْ مس قضية الأعلام السائد. كيف، والعرق يبلل ثيابي. هناك مجري (جيكوسلوفاكيا سابقاً) أعظم من استثمر نظريات الجاحظ ضمن الحقل الذي نتحدث عنه. هل ماتت الشيوعية بكامل جسدها وروحها؟ كموروث عملي ونظري، أجل. وماذا أبقيت في الصحن؟ كلا، لا شيء، لم تدرك بعد تضاريس قصتي، الخ... السادسة صباحاً، حاولت غمض العين التي لا تغمض.

(3)
ماذا؟ لن أعيد قراءة ما كتبت أو كتبني للتو. هشة أقطاب المعارضة. حجج البرقع والديمقراطية. حروب الأطلسي وتلال التراب التي يتخفى من ورائها طالبان. الأزمة المالية العالمية تشبه أزمة الجنس في القصة العربية. القصيرة جداً والطويلة. منْ قال الحبل على الجرار؟ البنية. كل نصوص باديو، كشعر مشع، بلا صور، غير منهمكة إلا بقضية الحبل والجرار، البنية وما يحدث ثغرة في تماسك البنية. الفراغ الذي لا يتموضع كتجربة عيانية، ملموسة، كما يشتهي تاريخ وسياسة الدولة. ليس الكينونة Being، ليس Ecirc;tre، ليس Sein، لكن الواقعة، Event، Eveacute;nement، Ereignis. واقعة مغيبة عن سجل الكينونة وشؤون الدولة. غائبة بالعربية والإنكليزية والألمانية، لكي يقرأها صديقي بلغاته الثلاث.