محمد الحمامصي من القاهرة: كتاب quot;بصمات على الهواءquot;، الصادر حديثاً عن دار الجديد في إطار احتفالية quot;بيروت عاصمة عالمية للكتابquot;، هو المؤلف البكر الذي تطل فيه كابي لطيف على الساحة الإعلامية والثقافية، مضمنة إياه عصارة تجارب فكرية وروحية وإنسانية متنوعة، لشخصيات تركت بصماتها على المشهد الثقافي المعاصر.
يرصد الكتاب الذي يتصدّر سلسلة مؤلفات تزمع لطيف إصدارها تباعاً، مجموعة من الأحداث والمواقف والظروف غير المعروفة في حياة نخبة من الأسماء التي لعبت أدواراً متعددة في عالم السياسة والثقافة والفكر والفن.
يأتي الكتاب في 316 صفحة، ويضم مقابلات كانت اجرتها كابي خلال مشوارها الإعلامي مع عدد من رجال الدين والفكر والفن وهم: البطريرك اغناطيوس الرابع هزيم، الإمام محمد مهدي شمس الدين، العلامة السيد محمد حسين فضل الله، البطريرك ميشال صبّاح، د.بطرس غالي، د.غسان سلامة، فؤاد بطرس، منح الصلح، منصور الرحباني، وديع الصافي، عمر الشريف، زكي ناصيف، أدونيس، انسي الحاج، سميح القاسم، ومحمد الفيتوري
. اختارت لطيف تقديم كل واحدة منها بأسلوب إنساني وجداني حميم, مستحضرة تفاصيل اللقاءات وظروفها، وكاشفة النقاب عن محطات، وإن كانت عابرة في مسيرتها الطويلة، إلا أن آثارها لا تزال واضحة في صفحات الذاكرة.
أكدت كابي لطيف أن quot;التوثيق بات ضرورياً للحفاظ على ذاكرة الأحداث الثقافية والإنسانية التي واكبتها أثناء إقامتها في العاصمة الفرنسية، وعملها في إذاعة quot;مونت كارلو الدوليةquot;.
** أستاذة كابي quot;بصمات على الهواءquot;، عنوان جميل يختصر قصّة كتابك، فالمقابلات التي يتضمّنها أجريتها على الهواء مع شخصيات لامعة، ثمّ أعدت تدوينها كي يتمعن بها من لم يصغ إليها، هل من عرى وثيقة برأيك بين حقول الإعلام المتنوعة؟ وكيف تنظر نجمة التلفزيون والراديو إلى إعلاميي المكتوب؟
** في الحقيقة لقد ترعرعت بين الكتب، فبيتنا كان مليء بالكتب والموسوعات العربية والفرنسية من جهة. من جهة ثانية، ربيت على ترداد اسم كبير في عالم الفكر وهو خال جدتي لامّي المؤرّخ الكبير quot;الدكتور فيليب حتىquot; الذي يعتبر أفضل من كتب عن تاريخ العرب.
طبيعة الأجواء الثقافية الأدبية التي أحاطت بعالمي لا بد أنها أسهمت في بلورة شخصيتي الإعلامية اللاحقة، المحاماة، الصحافة، الفلسفة، علم النفس، عناوين تخبطت في رأسي عندما كنت أتلمس طريقي نحو المستقبل. هواياتي الكتابة، كنت ولا زلت عاشقة للكلمة،للقلم، أهوى السفر واكتشاف الثقافات الأخرى وتجارب الآخرين الإنسانية.
** كيف هي علاقتك بالشاعر أنسي الحاج؟
** العلاقة بأنسي الحاج قديمة وحديثة في آن، لأني في كل مرة أعيد اكتشافه من جديد، أو بالأحرى أحاول أن أكتشف ما الذي توصل إليه، وما هي الحقيقة التي وجدها مؤخرا،ً أو ما هو السر الذي استطاع فك رموزه.
عرفته منذ أولى سنوات الحرب مع عائلتي، كنا نتواصل على إيقاع القذائف والحروب المتتالية من بيروت إلى جونيه في محطات عديدة من النزوح والانتقال. حينها، جمعنا شاطئ البحر في تساؤلات وأحاديث حياتية من طبيعة الحرب، ومن ثم عدنا والتقينا في باريس في معهد العالم العربي عندما أضاء ليلة ثقافية من لياليها التي لا تنسى.
إلا أن علاقتي به كأستاذ دفعني الى كتابة مقالات ثقافية في صحيفة النهار اللبنانية هي الأعمق، فهو من فتح لي صفحات النهار الثقافية لأعبر عن لوحات ثقافية واكبتها في العاصمة باريس،.وهذا وسام أعتز به، فكم من شخص في العالم يحلم بأن يوجه من قبل شاعر ومثقف كبير في كتاباته الثقافية، لكن أعتقد أن الناحية الإنسانية فيه هي التي تغريني بالعودة إليه والبحث عن كلماته في كل مرة كتب.
وفي لقائي به في برنامج quot; الوجه الآخرquot; أسر لي بالكثير من العبر والمواقف والظروف التي عاشها شاعرنا الكبير: quot;عندما تأمنت لي نسبة من الشهرة، وأخذت أعود إلـى ظلالي الداخلية، لم أعد اشعر بظمأ إلى هذا النوع من الثأرquot;.
عن إبداعه وظروف تحقيقه: quot;لـم أكتب سطراً من كتاباتي الأدبية إلا اغتصاباً للوقت وعلى حساب أعصابي وحياتي الطبيعيةquot;، وعن نظرته إلى الكون: quot;إني مهووس بالحق، أي بالعدل، وهو هوس لا يرحم. ليس ما يضاهي حرية التصرفquot;. وتحدث عن المتغيرات التي ألمت بشخصيته مع النضج ومع الزمن الذي يعبر.
ورد في تقديمي له في الكتاب صفحة 261: quot;من هذه اللقاءات وعبر القراءات تشكلت عندي فكرة عن هذا الفيلسوف الشاعر الذي يميزه نظرة رؤية ثاقبة لمكنونات الإنسان ولغة شعرية وصل صداها إلى مجمل الدول العربية، وحيث توجد الجاليات العربية وبالمقابل حس صحافي آني للأحداث. لكني لم أكن أعرف مقدار الجرح الذي ينزف في داخله نتيجة غياب والدته باكراُ. واكتشفت مدى تأثير هذا الرحيل على الشاعر، هي أساس شعره وثورته وغضبه. لغيابها الأثر الأكبر في تكوين شخصيته فمكانها شاغر لا يسكنه أحد. quot;لحظـة فقدان الألم حالة لـن أشفى منها، كأي طفل آخر، مهما تبدلت الظروف الاجتماعية، هي لحظة تنحفر منذ الطفولة الاولى والى الأبد في وجدان الطفل. ومهما نال، فيما بعد، من تعويضات يبقى يتيماً وغير مشبع عاطفياًquot;. من هنا، تبدو حالة الغموض التي تكتنفه.
في قعر هذا الرجل عاصفة وفي وجهه مسحة من شيء لم أعهده في الوجوه. هل هو نتيجة النار والنور؟ أم هو مزيج القلب والعقل؟ لست أدري ما الذي قرأت في سحنته؟ quot;.
** ما الحب في حياة كابي لطيف؟
** الحب كان الحلم الأكبر في البداية، مع الزمن اكتسب ألواناً كثيرة حتى أنه لم يعد أساسياً بالنسبة لي، أما الشغف بالأشياء وبالناس وبالمشاريع وبالاكتشاف.. إلخ فهذا أساسي، بما أني لم أنعم بحبٍ دائم ومستقر، فقد تخليت عن الفكرة مع الوقت، لكني أترك الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات.
** يقال إنّ النجم أو النجمة لا يعرف معنى حبّ الآخر، هل توافقين على هذه المقولة؟ وما شكل الحب في حياتك؟
** هذا الموضوع كان ولا يزال يشغلني بشكل عميق، وقد رصدت عدداً من سير النجوم والنجمات كي ألمس هذا الشق من حياتهم الخاصة. وتبين لي أن معظمهم كان تعيساً في الحب. وكأن الوجه الآخر للشهرة هو الحرمان. فلا يمكن أن تكتمل الصورة بالنسبة للمبدع من كل الجوانب خاصة أن العمل الإعلامي أو الفني أم الإبداعي يتطلب الكثير من الجهد والتركيز والتأمل والخلوة.
أعتقد أيضاً أن النجم يعيش على وتيرة حب الجمهور وكأنه في عالم خيالي لا يمت بأي صلة إلى الواقع، مما يصعب عليه أن يعود إلى الواقع ويكتفي بقلب واحد وبعينين اثنتين، بالنسبة لي، لم أقع في هذا الفخ، تنبهت له باكرأ وكسرت صورتي التلفزيونية وابتعدت.
** وماذا عن الغربة؟
** الغربة، بر أمان في بعض الأحيان، على الأقل بالنسبة لي لأنها لم تكن غربة بالمعنى المألوف، بل كانت واحة سلام، ومحطة ثقافية صقلتني ومنحتني فرصة التّحول إلى شاهد على ما يحدث على الساحة الثقافي فيها، إذاعة مونت كارلو فتحت لي باب التواصل ومد الجسور، جسور التلاقي بين الشرق والغرب.
** ما الفرق بين التلفزيون والإذاعة؟
** التلفزيون، شكل المرحلة الاولى من حياتي الإعلامية، كان المدماك الأساسي لشخصيتي الإعلامية أما الإذاعة ففتحت لي آفاق العالمين العربي والغربي ومنحتني فرصة تقديم البرامج التي كنت أطمح بتقديمها في لبنان، كنت مستمعة لإذاعة مونت كارلو العريقة خلال الحرب اللبنانية وشاءت الأقدار أن أصبح واحدة من فريق عمل مونت كارلو الدولية وهذا أيضاً شأن القدر، في باريس، عرفت لبنان أكثر، وتفاعلت مع الثقافات العربية والعالمية، من خلال ممارسة عملي في إذاعة مونت كارلو، تسنى لي أن ألتقي بالعديد من الفعاليات الثقافية والفنية والإعلامية والسياسية. بالطبع كان لبنان حاضراً كباقي الدول العربية في خارطة اهتماماتي الإعلامية. فالحدث يفرض نفسه أكان لبنانياً أم أردنيا أم يمنياً. ولا شك أن للبنان واللبنانيين موقعاً مميزاً في المشهد الثقافي العالمي، وخاصة الفرنسي، لأن فرنسا ترتبط بعلاقة مميزة مع لبنان واللبنانيين وهذا ما يضفي على الإقامة معنىٍ مختلفاً خاصة بالنسبة للفرنكوفونين.
التعليقات