عبد الجبار العتابي من بغداد: أكّد الناقد الموسيقي العراقي الشهير عادل الهاشمي أن اسرائيل تدعي الآن أن المقام العراقي ملكها، وهو ما يجعله يكرر مطالباته بالحفاظ على التراث الغنائي العراقي، كما اشار الهاشمي الى ان الاغنية اصبحت فائضًا اعتراضيًا للحياة العراقية وحمّل الحكومة العراقية مسؤولية هذا كونها لا تهتم بالفن ولا بالثقافة، موضحًا ان الذين يحكمون العراق الآن هم مجموعة يجيدون اقتناص المال وشراء الذمم!!، مطالبًا الحكومة بأن تستدعي الملحن طالب القره غولي كي يعيد امجاد الاغنية العراقية.

كما جدّد الهاشمي في الحوار الذي اجرته (ايلاف) معه رأيه السابق بالمطرب كاظم الساهر السابق لكنه اضاف اليه ان شهرته هي نتاج الشفقة العربية على العراق اثناء الحصار الاقتصادي الذي تعرض له العراق خلال تسعينيات القرن الماضي، كما اشار في ذلك الى المطربين ماجد المهندس ورضا العبدالله، فيما اشار الى المطرب علاء سعد كون صوته الافضل فيما اكد ان سعدون جابر الوحيد الذي لم بغن في ملهى وهو الوحيد الذي يغني الاغنية العراقية.

* كيف ترى واقع الغناء العراقي خلال السنوات السبع الماضية على الاقل؟
- هو واقع الحال، تأثر بالمناخ الذي كان سائدا قبل الاحتلال، وهو غناء تشظي، وهو غناء مثلوم وناقص ومدبج، وهو ايضا اضافة الى ذلك غناء قد ترك مرتكزاته التاريخية والاساسية في حفظ الذات العراقية فأصبح الغناء عندنا يقوم على ما تأمر به الغرائز البشرية، وهو غناء غرائزي بعيد عن التعبيرية، بعيد من الجمالية وبعيد من الوصفية التي تميز بها الغناء العراقي وكذلك فإن المنحنى اللحني لهذا الغناء قد سقط ايضًا في بئر التكرار وسقط في بئر العدمية.

* وهل نضب الملحنون الجيدون في هذا الواقع؟
- واين هم الملحنون السابقون؟، يجب ان تعرف حقيقة ان محمد جواد اموري انتهى منذ 35 عاما، انه لم يلحن شيئًا منذ سنوات، هل سمعت له شيئًا؟ انه لاوجود له الآن، ما عدا طالب القره غولي ومحسن فرحان وجعفر الخفاف، هؤلاء لم ينضبوا لكن اين الواقع الذي يحتضنهم؟، هل تشاهد من يحتفل بالفن او الاغنية؟ هل هناك من تساءل عن مصير الاغنية الى اين آل والى اين ذهب؟ والى اين مضى؟، لا.. لا احد يسأل، لان الاغنية اصبحت فائضًا اعتراضيًا للحياة العراقية بما فيها من انكسارات وبما فيها من مآس وقسوة، فأصبح الفن فائضًا وليس جزءًا من الاساس الجوهري للحياة العراقية.

* من يتحمل مسؤولية هذا؟
- الحكومة العراقية!!.

- لماذا؟
- لأنها حكومة قائمة على اناس معرّين من اي ثقافة، لذلك فهؤلاء الذين يحكمون العراق الان.. ليست لهم مطالب لا في الثقافة ولا في المعرفة ولا في الفن، وعليه فأنهم مجموعة يجيدون اقتناص المال وشراء الذمم!!.

* كيف يمكن ان نصل بأصوات الاخرين الى الحكومة لتعرف قيمة الغناء في الحياة العراقية؟
- كل الاصوات التي ازدهر فيها الغناء العراقي.. اما ان رحلت عن دنيانا بمشيئة الله، واما انها غادرت الارض العراقية لانها لم يعد لها وكر فيها، لذلك غادرت الى اعشاش اخرى لتغرد من خلالها، فلم تعد الارض العراقية ارضا غاذية، تغذي الحنجرة العراقية انما اصبحت ارضًا مستعدية للغناء بسبب ما آل اليه الوضع السياسي.

* هل تقصد ان البيئة العراقية لم تعد قادرة على العطاء؟
- البيئة العراقية معطاء، البيئة العراقية غنية بالكثير من الرموز لكن البيئة العراقية حوصرت، وبصريح العبارة أعتقلت من حياتنا الثقافية، ذلك انني منذ اكثر من ثلاثة او اربعة عقود دعوت الى انه يجب الحفاظ على التراث الغنائي العراقي، الحفاظ على التراث الغنائي العراقي ليس ان تشهر السلاح بوجه من يحاول التقرب من هذا التراث، بل من خلال استعماله وتداوله، الاستعمال والتداول هو الذي يحافظ على هذا التراث العراقي، وعندما ينتفي الاستعمال والتداول يصبح نهبا لكل من يدعي ان هذا التراث هو ملك له، وهذا ما تدعيه اسرائيل الان، حيث انها تدعي ان المقام العراقي ملكها، لان اليهود العراقيين الذين كانوا في بغداد غادروا بغداد بأمر من نوري باشا السعيد، كان من المفروض ان يغادروا البلد العام 1948 بالأتفاقية التي وقعت بعد معركة فلسطين، لكن نوري باشا السعيد أخـــّر رحيل اليهود العراقيين لكي يعلموا العراقيين الكثير من فنون الاغنية وكثيرًا من فنون المقام وكثيرًا من فنون الاطوار الريفية، فأبقاهم حتى سنة 1951، هؤلاء رحلوا الى اسرائيل، ولحدقهم انهم غادروا ارضا لم يحلموا بها، ارض العراق، لذلك ماذا فعلوا؟، انهم ادعوا ان كل هذا الفن هو فن يهودي اسرائيلي.

* وجود الفضائيات العراقية هل أثر على الأغنية سلبًا أم إيجابًا؟
- وجود الفضائيات العراقية افرط بحق الاغنية العراقية، لماذا؟ انا اسألك... هل سمعت ان هناك فضائية عراقية واحدة تذيع الاغاني العراقية السبعينية او الخمسينية؟.

* هل صحيح ان هناك مؤامرة عربية ضد الغناء العراقي؟
- ليست عربية، انما هي مؤامرة واقع الحال، مؤامرة تنظمها اطراف لها حدود مشتركة مع العراق، فإن انتهاء العراق يعزز من قيمة الدول المجاورة، لان العراق يبقى في كامل التاريخ الانساني البلد الذي يعطي ولا يأخذ.

* ألم يلفت سمعك ملحن او مطرب خلال السنوات الاخيرة؟
- ليس هناك فنان يضارع القيمة الفنية التي قدمها طالب القره غولي، اذا اردنا استحضار الغناء العراقي من جديد علينا ان نستدعي طالب القره غولي، وان نؤهله اساسًا لان يكون في موقعه الذي يستحق حتى يعيد لنا امجاد الاغنية السبعينية.

* من يدعوه؟
- الحكومة العراقية، نعم.. نعم.. الحكومة العراقية وهذا واجبها، اما تحدثني عن وزارة الثقافة، فهي وجودها من عدمه واحد بالنسبة إليّ، لأنها تكرم الناس الذين تحنطوا من زمان والقى التاريخ عليهم ظلالاً كئيبة ولم يعد لهم متنفس في هذه الحياة، كان على وزارة الثقافة ان تقتنص الفرص المتاحة لها في استدعاء الكثير من الطاقات الفنية العراقية لكي ننهض من جديد في بناء فني جديد يتوخى الصدق والامانة ويتوخى سعادة الفرد العراقي.

* لدينا العديد من الاصوات التي انتشرت بشكل واسع، ما الصوت الذي يمكن ان تؤشر عليه بالتميز؟
- الصوت الذي ارشحه لكي يكون صوتا متملكا لخصائصه الفياضة هو علاء سعد، انه صوت رائع، اما ان تسألني عن غنائه فهذا شيء اخر، الغناء هو اللباس الذي يلبسه الصوت، فأن علاء سعد قد غادر البيئة العراقية، وعندما يغادر كما يقول بيلا بارتوك:(ان الفن عندما يغادر منزعه الاصلي فأنه يفقد بعض خصائص منزعه الاصلي ويستوطن ارضا جديدة فيكتسب بعض خصائص هذه الارض الجديدة)، فليس ذنب علاء سعد ان في غنائه هبوطًا، لماذا؟ لانه نزع واكتسب، نزع جلده العراقي ولبس جلده الذي استوطن فيه الارض من اجله، لذلك فهو لا يغني الغناء العراقي.. مجاراة للذين يحتضنونه ويعيش بينهم، وعليه فليس ذنب علاء سعد انما ذنب الذين حملوا علاء على الرحيل من العراق.. الام الغاذية لأي فن حقيقي للصوت العراقي الى جغرافيا اخرى.

* هل ما زال رأيك في اصوات كاظم الساهر وماجد المهندس ورضا العبدالله لم يتغير؟
- ما زلت ارى في ما تفضلت من اسماء ذلك الرأي، رأيي فيهم كما هو ولن يتغير.

* هل يمكن ان تعيد لنا رأيك في الساهر مثلا؟
- ان الساهر في حنجرته ضمور للرقة العاطفية، انه من الاصوات اليابسة، الاصوات الجافة، لذلك هو يلجأ الى الصراخ لكي يوفر عن طريق الصراخ نوعا من الالتفات الى صوته، وهذا في واقع الحال يسمى خداع الاسماع، كما هو خداع البصر.. السراب.

* وهذا الشغف العربي بكاظم الساهر.. ماذا تسميه؟
- في زمن ظهور كاظم، وانت تعلم انني توليت كاظم بالكثير من الدراسة والتدريس وانا أخذت بيده، وانا اطلقت عليه لقب (الساهر)، انت تعلم ذلك جيدا، لان اسمه كان (كاظم جبار) وانا بيدي هذه التي يأكلها الدود مسحت اسمه وكتبت اسمه الجديد، ذلك كان العام 1986، فأنا يدي عليه بيضاء، هل تلاحظ كيف؟ لذلك لا يمكن القول ان الساهر على غير ما قلته، انا لست ضده، ولكن هناك قضية علمية في الحنجرة انه صوت جاف، فهو يلجأ الى الصراخ، اما احتضان الناس له فهذا في زمن الشفقة العربية على العراق عندما كان العراق محاصرا، فأي شيء يخرج من العراق كان الوطن العربي يتلقفه، وكان من حظ الساهر ان تلقفوه.

* هذا حظ الساهر... ماذا عن ماجد المهندس ورضا العبدالله؟
- انا من امتحن ماجد، وانا امتحنت رضا العبدالله، انا الذي اجزتهما وكنت عضوًا في لجنة فحص الاصوات، مع انني ادرك ان رضا العبد الله صوت فيه (خنفة) يعني ان الصوت يخرج من الصوت وليس من الفم، وانا الذي اعرف ماجد المهندس ان صوته محدود وقابليته محدودة، ولكن لأنهما جرّا على قافلة الساهر فأنهما الاثنان نالا ما نال الساهر.

* سألت احدهم عن المطرب العراقي الذي ما زال يغني الاغنية العراقية فقال سعدون جابر ما رأيك؟
- انا اتضاقر معه، ولكن ليس هو الوحيد، رياض احمد اين ذهب؟

* انا اقصد من الاحياء؟
- هذا صحيح، سعدون الوحيد، لأن المغنين العراقيين الان كلهم يغنون تأثرات خليجية ومصرية وهندية وتأثرات اذربيجانية ولبنانية، وهذا يحسب لسعدون، ذلك
لان سعدون جابر هو الفنان العراقي الوحيد الذي لم يغنِّ في ملهى قط.

* ولكنه غائب عن الساحة الغنائية؟
- كما قلت لك لانه لم يغن في الملاهي، كما ان صوته بصريح العبارة فقد بعض نصاعته، يعني بعض قوته لانه كان قويًا والسبب في ذلك هو تقدم العمر.