ميشيل جيرمانو الفرنسي كان رجل خير وإنسانية، يفكر في الآخرين، ويعيش من أجلهم، ويعتبر تقديم ما أمكن من عون للمعذبين في الأرض غاية حياته. خطفته عناصر القاعدة، فرع quot;المغرب الإسلاميquot;، في النيجر الأفريقية في أبريل 2010 وأعدمته بوحشية قبل أيام.
أما quot;إدارة التوحشquot;، فهو الكتاب المرجعي للقاعدة وفروعها وحلفائها. وكانت المخابرات السعودية قد عثرت على نسخة منه عند الكشف عن بؤرة إرهابية كبرى قبل بضع سنوات، واعتقال حوالي 520 من الإرهابيين. وقد سبق لإيلاف أن عرضت محتويات الكتاب في تقرير خاص عام 2008. والكتاب بتوقيع مستعار، هو أبو بكر ناجي،، قال تقرير إيلاف إن المراقبين يقولون إنه شخصية وهمية لضابط مصري، هو سيف الحق، منسق الشؤون الأمنية والاستخبارية في شبكات القاعدة، وهو صاحب كتاب quot; الخونةquot;، وكان يقيم في إيران عام 2008. تذكروا مكان إقامته!! ففي إيران أقام عدد كبير من عائلة بن لادن، وكوادر أخرى من القاعدة، وإلى إيران كان يدخل الزرقاوي بأمان ويخرج منها للعراق لقيادة عملياته الإرهابية. وإيران تتعاون مع القاعدة في العراق برغم كل الخلافات المذهبية بين الطرفين، ولكنها المصالح السياسية المشتركة والمؤقتة- ضد الغرب وضد الأمن والاستقرار في المنطقة، وللتغطية على النشاط النووي الإيراني العسكري.
كتاب quot;إدارة التوحشquot;، وكتب مرجعية أخرى للقاعدة مثل كتاب أيمن الظواهري quot;فرسان تحت راية النبيquot; وغيره، تقسم البشرية والعالم إلى قسمين: مسلم موال لهم، مؤمن بتطرفهم وبمذهب العنف، وقسم هو بقية العالم. إنها مراجع إرهابية تدعي أن القتل والتدمير مهمة المسلم، quot;دون أن يعتمد على الزمن أو الجغرافيا، أي يجاهد طوال حياته، وبلا توقف، إلى أن يفنى غير المسلمين، مع ملاحظة أن المسلمين هم أصحاب هذا المذهب نفسه.quot; [ من مقال للكاتب السعودى، صالح الطريقي، في استعراضه للكتاب في 28 يونيو 2008 ]
هذا الإرهاب quot;الجهاديquot;، الظلامي، الدموي هو بلا حدود، ويستهدف غير المسلمين وغالبية المسلمين معا، وقد اقترف من الجرائم في كل القارات، وبأعداد لا تحصى. وغالبية الضحايا الساحقة هم من المسلمين الأبرياء. إنه إرهاب يشن الحرب على البشرية، تقتيلا، وخطفا، وتفجيرا، وتفخيخا. هي حرب عالمية، يكون الرد المنطقي والمطلوب عليها عالميا هو الآخر- أي حرب عالمية على حرب الإرهاب العالمية، سواء راق تعبير quot;الحرب العالمية على الإرهابquot; لأوباما ومستشاريه ولعدد كبير من المثقفين المسلمين، أو لم يرق لهم. فالحقيقة هي هذه.
ليس غرضنا التعريف بكتاب quot;إدارة التوحشquot;،[ *] ومعنى هذه الإدارة، فثمة مصادر متوفرة لشرح ذلك. ولكننا توقفنا عند جريمة مصرع جيرمانو لأنه يرمز لمدى وحشية هذه الشبكات، والعناصر التي تتغذى بالكراهية وعقلية القتل، وتنشر بين الشباب المسلم، حتى في الدول الغربية، سفاسف تفسيراتها المضللة للإسلام فتقدمه كدين العنف والموت وكراهية الآخر.
جيرمانو كان رجل خير، وكان شيخا في الثامنة والسبعين، ولكن القاعدة لا تأبه لأمثال هذه الاعتبارات الإنسانية، بل إن غرضها نشر الرعب واستخدام الرهائن سلاحا للابتزاز وتحقيق أهدافها الشريرة. ومع هذه الجريمة، تستمر جرائم هذه الفئات المجرمة، السافلة والجبانة، كما يحدث في العراق، [ آخر ذلك في الأعظمية، والهجوم على مكتب quot;العربيةquot;، والتفجيرات بين زوار كربلاء]، وتقتيل مشجعي الكرة في كمبالا الأفريقية، وفي اليمن، والصومال، ومالي، وأوغندة، وكينيا، وبلدان المغرب العربي، وفي قلب أوروبا، وفي الولايات المتحدة، ألخ.. وفي تقرير ضاف لصحيفة quot;لوموندquot; الفرنسية، يتبين أن القاعدة تنتشر بسرعة في أفريقيا، العربية منها والسوداء. كما تشير الصحيفة إلى ظاهرة جديدة في دول أفريقية معروفة بالاعتدال، كالسنغال. ففي السنغال ومالي، تبرز ظاهرة جديدة هي تصدر أئمة الجوامع للمظاهرات والتحركات ضد قوانين وتشريعات لا تعجبهم، وتدخلهم في الشئون السياسية وتحريض الجماهير، ومن ذلك التحريض على قانون جديد للأحوال الشخصية في السنغال لأن فيه بنودا لصالح المرأة.
القاعدة لا تفرق بين الغربquot; الكافرquot; والأنظمة العربية التي لا تعجبهم، وإن أكثر المستهدفين من القاعدة وبقية فروع الإسلام السياسي والتطرف الإسلامي، هم غير المسلمين، والمسلمون العلمانيون، والمرأة المسلمة، وحرية التعبير والنشر. هذا يصدق على نظام ولاية الفقيه، كما يصدق على التيار الصدري الموالي لإيران، وعلى حماس وحزب الله وطالبان، والمتطرفين التكفيريين في السعودية، ومن لف لفهم. ونشير بالمناسبة إلى إجراءات جديدة اتخذتها منظمة quot;حماسquot; في غزة، وعلق عليها الأستاذ حازم صاغية في quot;الحياةquot;: كمنع الرجال من العمل في محلات تصفيف الشعر للنساء، ووضع ضوابط على محلات بيع الملابس النسائية باسم quot;الحفاظ على الآداب العامة والاحتشامquot;، ومنع وجود أداة تصوير في المحل،، ألخ.. وهكذا، ومع الحصار الإسرائيلي الذي قام بصواريخ حماس، quot;تحكم [حماس]، باسم الأخلاق والآداب والعادات، وهي كلها مزعومة، حصارا ظالما يرزح على صدور الغزاويين، لاسيما الغزاويات.quot; [ صاغية]. وفي هذه الأيام، ظهرت في مدينة الناصرية الجنوبية العراقية جماعات مسلحة بالسيوف، راحت تنشر الرعب ليلا بعنوان quot; النهي عن المنكرquot;- على طريقة quot;مجموعات quot;الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر quot; السعودية، التي تشتغل هي ليل نهار.
ميشيل جيرمانو راح، كبقية ضحايا الوحوش البشرية التي تقتل وتدمر باسم الدين، ولكن دماء الضحايا ستظل تلاحق القتلة الجبناء حتى يأتي يوم العقاب الحاسم، وتنظيف العالم من أدرانهم وعفوناتهم وشرورهم. إلا أن القضية التي تقلق أكثر هي صمت الرأي العام العربي- إلا القليلين- عن جرائم كهذه، ولاسيما صمت رجال الدين. وثمة كتاب يملئون مقالاتهم اليومية بشتم إسرائيل والليكود وquot;والمحافظين الجددquot; واللوبي اليهودي، ألخ..، ولكنهم يسكتون تماما عن جرائم الإرهاب quot;الجهاديquot;، خصوصا لو جرت بعيدا عنهم. اشتموا يا ناس إسرائيل ليل نهار، ولكن ضحايا إرهاب المتطرفين والإرهابيين الإسلاميين: ألا يستحقون منكم إدانة لقتلتهم ولو بعبارة؟ ترى متى سيقوم رجال الدين المسلمون والنخب المثقفة المسلمة عموما بواجباتهم الإنسانية في إدانة جرائم الإرهاب أينما وقعت، حتى ولو في بلاد quot;الكفارquot;؟؟ وكيف يراد بعد هذا كله أن لا تنتشر في العالم هواجس من عامة المسلمين؟؟

[ *حاشية- يشرح صالح الطريقي معنى إدارة الوحش. فالمرحلة الأولى التي يدعو لها الكتاب هي قتل واغتيال من يخالفهم في الرأي وصولا لتدمير كل مؤسسات الدولة. وبعد تدمير كل ما هو مؤسساتي، تأتي المرحلة الثانية quot;إدارة التوحشquot;، وهي تحول المجتمع إلى غابة، فيتمنى عقلاء المجتمع أن يأتي من يدير أمور هذا المجتمع، فيتقدم رجال هذه الفئة ليلعبوا هذا الدور. أما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة quot;شوكة التمكينquot;، أو قيام دولة الإسلام التي من مهامها خوض الحروب، أو كما يقول المؤلف: quot; إمكانية التوسع على الإغارة على الأعداء لردعهم وغنم أموالهم، وإبقائهم في توجس دائم وحاجة للموادعة.quot; يقول الكاتب إن أكثر ما يثير المخاوف هو أن أكثر التعليقات على من نشر لهم هذا الكتاب أو أجزاء منه، لا تتعدى عبارات مثل quot;جزاك الله ألف خير..quot; أو quot; بارك الله فيكquot;!
نعم، المخاوف الكبرى هي هنا، أي في قدرة منظري وفقهاء الإرهاب على كسب المشاعر والغرائز، وغسل الأدمغة، ومن ثم، تجنيد الناس لمذهبهم الوحشي، لاسيما من الشباب.