يقال إن حضور أردوغان لقمة [سرت] كان لإحداث توازن بين النفوذين الإيراني والتركي في المنطقة. وأقول، إن إقحام أي من هذين الطرفين في القضايا العربية مشكلة تزيد من المشاكل العربية، وهي غير قليلة.
لقد جاء أردوغان باتجاهه quot; المعثمنquot; الجديد، شأنه شأن وزير خارجيته الموصوف بquot;العثمانيquot;- أي الحالم بمجد الإمبراطورية العثمانية وخلافتها الإسلامية. وسبق لي نقد تهليل بعض المعلقين العرب لهذا الاتجاه الجديد للحكومة الإسلامية التركية. إن العرب يهللون لكن شاتم لإسرائيل، وكأن المزايدات في خطب الشتم والإدانة ستحل قضية الدولة الفلسطينية المستقلة وتحرير الأرض- وأنا أتعمد في طرح القضية كقضية دولة وتحرير، وليس مجرد quot;مقدسات دينيةquot; في القدس. ومع الأسف، فإن التيارات الإسلامية، العربية والفلسطينية، كادت تحول القضية الفلسطينية لقضية دينية لتأجيج مشاعر الشارع. وهذا خطأ سياسي كبير. فقضية القدس نفسها، وأعني القدس الشرقية بالذات، هي قضية أرض محتلة، ويجب طرحها على هذا الأساس.
إن من الحكام العرب من أدخلوا إيران ضمن العائلة العربية بدعوتها لتجمعات خليجية عربية، ومنهم من راح يركض لعقد اتفاقات إستراتيجية وأمنية مع إيران، وهي التي تعمل ليل نهار في تخريب المنطقة، وتحتل جزرا وأراضي عربية، فضلا عن مساعيها النووية التي تهدد المنطقة برمتها. ونظام الفقيه قد استخدم اسم [ القدس] لتشكيل جيش إرهابي دموي، مسئول عن كثير من الفواجع الدموية في العراق ولبنان واليمن والصومال، ناهيكم عن التدخل في غزة. وإيران تعادي كل خطوة نحو الحل التفاوضي السلمي للصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي، وذلك من خلال أدواتها كحزب الله وحماس، وبالتحالف مع نظام الأسد.
إن اسم القدس عزيز لدى العرب والمسلمين، ولذا راحت أنظمة معادية لشعوبها تستخدم الاسم لغايات دعائية بحتة، ومنها النظام الإيراني. وهنا يجب التذكير بما كان صدام يفعله في التسعينات. فقد أعلن عن تشكيل جيش من المتطوعين لتحرير القدس، وزعم أن العدد بلغ 5 ملايين أو أكثر. وبينما كان الشعب العراقي يئن من محنة فقدان الدواء وقلة الغذاء، فإن النظام الصدامي أعلن عن تطوع 12 ألف طبيب و5 ألاف ممرضة وألف وخمسين طبيب أسنان و21 ألف موظف من موظفي الخدامات الصحية؛ أعلن عن تطوعهم من أجل فلسطين - هذا بينما كانت دعايته تتحدث عن وفاة مليون عراقي بسبب تداعي النظام الطبي، وكان ينظم حملات التشييع الجماعي للأطفال الموتى بعد حفظ جثثهم في المستشفيات. فأي نفاق وخبث! وأية مزايدة باسم القدس وفلسطين! وكأن تحريرهما يتم بالمزيد من موت العراقيين، وهذا ما لم يكن ممكنا للفلسطينيين أنفسهم قبوله.
إن من يريدون نصرة القدس والشعب الفلسطيني عليهم أولا أن يحققوا أماني شعوبهم ولو للحد الأدنى- أماني ممارسة الحرية والحقوق الأولية للإنسان، وحفظ كرامة المرأة، وضمان مستوى معيشي مناسب للمواطن، ومكافحة الأمية الطاحنة، ومحاربة الفساد. فكم نظام عربي يفعل ذلك؟!!
لقد رأينا قمما بعد قمم، وكلاما كثيرا بعد كلام، وشاهدنا مناظر حل التناقضات والخلافات بالعناق والقبل، ولكن ليبقى كل شيء على حاله. فكيف يمكن، والحالة هي هذه، نجدة الشعب الفلسطيني؟ وكيف تكون نجدته عندما تضع الدبلوماسية الركيكة رعايتها المنافقة على أداء حكومات تمارس القمع الوحشي بحق شعوبها، كما يفعل البشير، الذي استقبلوه أحر استقبال متناسين مآسي دارفور. وغيره ومثله من كانوا هناك أيضا، ومنهم النظام السوري، حليف إيران، والذي يقمع شعبه، ويتدخل في العراق، ويساهم في تخريب مساعي الحل السلمي للقضية الفلسطينية حتى وكأنه متفق في ذلك مع الغلاة في حكومة نتنياهو! وكيف تكون إدانة سياسات إسرائيل ذات مصداقية إن لم ندن، في الوقت نفسه، الأطراف العربية والفلسطينية التي لا تريد حلا سلميا عادلا للقضية الفلسطينية، ومنهم من أخضعوها لحسابات ومصالح دول أجنبية كإيران؟!
أما موقف سي عمرو موسى، فقد كان غريبا بدعوته للحوار مع إيران، ناسيا كل جرائر نظامها وما تفعله يوميا من تخريب في المنطقة. وقد سألت صحفيا عربيا من أين جاءت الفكرة لسي موسى، فابتسم، وقال: quot;لعلها من وحي الدكتور البرادعيquot;، الذي كان يؤكد كل ساعة بأن موضوع النووي الإيراني سيحل ما أن تدخل أميركا في حوار مع إيران. والنتيجة أمامنا! وقد أصاب كاتب من كتاب quot;الحياةquot; [ عدد 29 مارس 2010 ]، حين كتب عن موقف موسى:
quot; أما الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، فلم يغير من نفسه ولم يتعلم من دروس الماضي، ولم يدرس الأخطار المحدقة بالمنطقة جراء تصرفات إيران ، وممارساتها في الداخل العربي. فهو لا يزال يحكي كثيرا ويعمل قليلا، وتمر القمة تلو القمة وهو لم يقدم ما يشفع له بالبقاء في منصبه، المعين فيه منذ 2001 ، ما يستدعي تدوير المنصب.quot; ...وquot; هل يريد من وراء المقترح إعطاء إيران وضعية جديدة تمنحها حق التدخل في الشأن العربي؟ وكيف يمكن منحها ضوء التفاوض على أمور عربية وهي ليست عضوا في الجامعة العربية؟quot; ويعود حازم صاغية للموضوع فيكتب:
quot; فنحن الآن أقرب إلى مدى حيوي للدولتين الجارتين اللتين تخاطبان، بأرخص الأثمان، عواطف لم نعد نملك سواها: تركيا تفعل ذلك بكلمات حماسية يتفوه بها رجب طيب أردوغان، وإيران بوعود خلاصية يطلقها محمود أحمدي نجاد، متعهدا إزالة دولة إسرائيل. ومن يدري، فقد يأتينا الغد بمنافسة علينا، نحن العرب، تزداد حدتها بين الجارين: كل منهما يريد أن يقضم منا أكثر مما يستطيع الآخر قضمه.quot;[ الحياة في 30 مارس 2010 ].
مهما يكن، فإن إشراك دول غير عربية في القمم هو دليل إضافي على تدهور الوضع العربي برغم كل الخطب وكل مزايدة وتبجح وكل ضجة قرارات. فالدور العربي صار مهمشا جدا، وفي ميدانه بالذات!