السفير الإيراني الجديد في بغداد، والقادم هو الآخر من فيلق القدس الإرهابي الدموي، راح يهدد ويعربد في أول مؤتمر صحفي له، متوعدا كل سياسي عراقي يتحدث عن تدخل إيران في الشؤون العراقية؛ سفير جاء بلا لياقة ولا كياسة، متحدثا وكأنه المندوب السامي، بل الحاكم بأمره في العراق- طبعا بأمر رئيسه سليماني.
هل نستغرب؟! كلا. فالسفير العتيد يعرف جيدا أن حكومة المالكي لن تجرؤ على اعتبار استفزازاته خروجا علن أبسط أصول الدبلوماسية وأنها لا تدل على نوايا حسن الجوار، بل على عقلية الاستكبار والهيمنة، وأنه، لو كانت في العراق حكومة وطنية صلبة بلا محاصصات طائفية، لطردت هذا المنفلت، واعتبرته غير مرغوب فيه - وهو ما لم يطلبه سياسي، ربما باستثناء الدكتور علاوي.
أجل، ليس مستغربا من الموما إليه أن يتصرف بعنجهية واستعلاء، فهو ينطق باسم نظام يتحدى المجتمع الدولي يوميا، ويسخر من القرارات الدولية، ويتدخل بكل ضراوة في لبنان من خلال حزب الله، وفي العراق، وفي غزة من خلال حماس وغير حماس، وفي اليمن، وفي الخليج، وفي أفغانستان؛ نظام لا يجد أمامه في العراق غير حكومة باقية بتحد صارخ لنتائج الانتخابات، وغير عدد من الأحزاب الطائفية ذات الروابط بإيران، وغير ساسة يندر بينهم من يجرؤون على التنديد بالتدخل الإيراني، عرضا وطولا، ومن الجبال إلى الجنوب، أو يجرؤون على التنديد بالقصف الإيراني المستمر لقرى كردستان، ودخول أراضيها، وتحويل مجاري الأنهار في الجنوب.
وكيف لا يعربد الموما إليه، المدعو حسن دناني، وهو يعرف أن إدارة أوباما لا تعير العراق أهمية تذكر، وأن الأميركيين راحلون، تاركين العراق لإيران ولتدخل أطراف إقليمية أخرى. والإدارة الأميركية تدعي أن العنف في العراق قد خف مع أن الحقيقة الدامية تدحض ذلك منذ تموز المنصرم، ومع أن رئيس أركان الجيش العراق يحذر من الجلاء الأميركي لأنه سيبقي جيشا بلا سلاح جوي وبلا قدرات كافية لمواجهة الأعداء الشرسين، من الداخل والخارج، ومع أن وزير الدفاع العراقي يصرح بأنه، لو كان الأمر بيديه، لطالب ببقاء القوات الأميركية الضاربة.
السفير الإيراني يعرف جيدا أن العالم كله يعلم بتفاصيل التدخل الإيراني منذ سقوط صدام، والدور الإيراني في نشر الطائفية، واستخدام عناصر من القاعدة لتنفيذ العمليات الإرهابية في العراق. ولعل السفير المحترم سيتقدم أولا بالشكوى القضائية، [ أمام أية محكمة؟!]، على قائد القوات الأميركية لتصريحاته المتكررة عن تسليح إيران وتمويلها لثلاث مجموعات إرهابية مسلحة داخل العراق. فهل سيفعل ذلك؟! ونقول، إنه، إن كانت هناك قلة من الساسة العراقيين من يفضحون ويدينون التدخل الإيراني، فإن فريقا شجاعا من المثقفين العراقيين يقوم بهذا الواجب الوطني من موقع الحرص على مصالح الوطن والشعب، وكذلك الحرص على قيام علاقات طبيعية بين الشعبين والبلدين الجارين.
مأساة العراق اليوم هي في استمرار صراع الساسة على الكراسي، واحتقار الأصول الديمقراطية، وتشبث الخاسر انتخابيا بمنصبه ولو انهار العراق. ومأساة عراق اليوم في وجود إدارة أميركية لا تزال تبحث عن التفاهم مع إيران، ولا تكاد تكترث لتدخلها السافر في العراق، بل، وإن من المعلقين من يقولون إن الجانب الأميركي يريد حكومة عراقية لا تغضب إيران ولا أميركا!!! كما نتذكر أنه، عندما أبرمت الاتفاقية الأمنية، كانت الإدارة الأميركية السابقة تصرح أن الانسحابات سوف تراعي الظروف الأمنية الميدانية. وإنها أيضا لمأساة أن يرى عراقيون غير قليلين، ومنهم مسئولون، أنه لا تزال هناك حاجة حيوية لبقاء القوات الأميركية لما بعد نهاية العام القادم. ولو كان العراق معافى، ومتراصا، ومتين الأركان، لكان مثل هذا الطلب يعتبر من باب الشطط الوطني.
نحن أمام مخاطر كبرى، فمن سيوقف الاندفاع نحو الهاوية؟