منذ دعوته في براغ إلى عالم بلا سلاح نووي، وأوباما منهمك في الموضوع النووي. فبعد مباحثات شهور طوال ومنذ العام المنصرم، توصلت أميركا وروسيا لاتفاق quot;ستارت 2 quot;. وفي أثره جاءت قمة واشنطن تحت شعار quot;الأمن النوويquot; وضد quot;الإرهاب النوويquot;. وفي أيار القادم، سينعقد، في واشنطن أيضا، مؤتمر حول تنشيط معاهدة حظر الانتشار النووي. ب
إنه لسباق متواصل، ولكنه من جانب واحد، أي قيام الدول النووية والمشتركة في معاهدة حظر الانتشار بخطوات جديدة، فيما هناك دول، كإيران وكوريا الشمالية، تتمادى في تحدي المجتمع الدولي نوويا. والإدارة الأميركية، على لسان هيلاري والرئيس الأميركي، تتصور أن قيام الدول quot;المتحضرةquot; بواجباتها الدولية هو بمثابة الحافز الذي سوف يعزل المتمردين ويشجعهم على اتخاذ خطوات رشيدة عقلانية- أي حجة إقناع..
لابد من القول إن معاهدة ستارت 2 ليست معاهدة لنزع السلاح النووي، بل هي معاهدة لضبط هذه الأسلحة، كما كانت الحال في عهد الحرب الباردة نفسها. وهذا هو رأي يقوله الخبير النووي الفرنسي quot;برينو تيرتريه Bruno Tertrais quot;، عضو مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية. وقد قال الرئيس الأميركي، عند عقد الاتفاق، بأنه ينهي quot;تدهور العلاقات بين البلدين.quot; فهل كانت العلاقات متدهورة حقا؟ نعرف أنها كانت جيدة وطبيعية، وقد حدث نوع من التوتر أولا مع الاتحاد الأوروبي بسبب غزو جورجيا، ولم تستخدم الإدارة السابقة لغة التهديد والتصعيد رغم إدانة الغزو وإلحاق مقاطعتين جورجيتين. وخلافا لمظاهر اليوم، فليس كل شيء على ما يرام من الجانب الروسي. فقد صرح مسئول منها فور التوقيع بأن روسيا تحتفظ بحق الانسحاب إذا وجدت أن مشروع الدرع الصاروخية خطر عليها - هذا فضلا عن أن الاتفاق يحتاج لمصادقة المشرعين الروس والأميركيين في وقت واحد. وكما ورد في مقالات سابقة، فإن روسيا دولة لا تؤتمن، وهي تستغل السياسة الأميركية الجديدة في السعي لاستعادة نفوذها في الجمهوريات السابقة التي كانت ملحقة بها، ولنشر النفوذ في مناطق أخرى. فقد تدخلت في انتخابات أوكرانيا لصالح الرئيس الحالي، الميال للروس، ففاز. وتدخلت علنا في اضطرابات قرغيزيا، وحرضت ضد وجود القاعدة الجوية الأميركية، وأجرت علنا اتصالات بزعماء المعارضة الذين قاموا بالانقلاب السياسي على الرئيس القرغيزي، الذي كان قد تراجع عن وعده لبوتين بإلغاء القاعدة. كما أن بوتين يقوي أواصر العلاقات الروسية مع أعداء أميركا في أميركا اللاتينية كفنزويلا وكوبا. وقبل حوالي العامين، اعتبر فيدل كاسترو أن ليس لدى كوبا quot;تفسيراتquot; تقدمها ولا quot;اعتذاراتquot; حول احتمال إنشاء قواعد لقاذفات إستراتيجية روسية في كوبا. ترى ضد من تلك القواعد؟!
أما الأمل في حمل دول نووية أخرى على خفض تسليحها النووي، فإن فرنسا أعلنت الرفض على لسان رئيسها، مبررة بأن لديها الحد الأدنى للحفاظ على أمن فرنسا وشعبه. وموقف فرنسا يتفق مع تحليلات رائجة في دول غربية أخرى ترى أنه، في عالم تستهتر فيه دول كإيران وكوريا الشمالية بكل القرارات والنداءات الدولية في المجال النووي، وحيث مخاطر الانتشار النووي من دول كباكستان- [ تأكد أن أجهزة وأطرافا فيها ساعدت إيران نوويا كما تفعل كوريا الشمالية أيضا] - فإنه من الخطورة أن تقلص الدول الكبرى ذراعها الضاربة بسرعة. نعم: كهدف بعيد، ولا: لوضعه في جدول العمل اليومي. وهناك خبراء فرنسيون [ الفيجارو بتاريخ 12 نيسان الجاري]، لا يترددون عن إعلان [موت] الدعوة الدولية لعام 2008 بعنوان quot;غلوبول زيروquot;، الرامي لإلغاء الأسلحة النووية. وقبل تلك الدعوة، كانت حركات السلم ترفع، منذ الخمسينات، شعار عالم بلا سلاح نووي، ولكن حد اتهامها كان موجها ضد أميركا والدول الغربية عموما، وكانت تضغط على أميركا لتخفيض سلاحها النووي دون تحرك مماثل تجاه الاتحاد السوفيتي، إذ كانوا يصورون الأمور كما لو أن سباق التسلح وحيد الجانب.
وإذن، ففكرة quot;لا للسلاح النوويquot; قديمة، وهي فكرة غير عملية مع الأسف، إلا كهدف على المدى البعيد، البعيد. أما ضبط هذه الأسلحة، فتلك قضية أخرى. وبالنسبة إلى quot;أشرار العالمquot;، فسوف يفسرون كل تخفيض من جانب الدول الكبيرة ضعفا، مما يغريهم بمواصلة السير في طريق الانتشار النووي ما لم تأتهم صفعات رادعة وقوية جدا. وسوف نعود للموضوع في المقال التالي.
أما قمة واشنطن المنتهية توا، quot;قمة الأمن النوويquot;، فكان هدفها إيجاد quot;منظومة تعاونquot; دولي - كان يسعى لإنشائها، من قبل، بيل كلينتون وجورج دبليو بوش- بالتعاون مع دول خارج القوى النووية المعروفة. وقد اتخذت القمة بالإجماع شعارا هو الأمن النووي، ووافقت على اتخاذ تدابير لمنع انتقال المواد النووية عالية التخصيب إلى تنظيمات إرهابية كالقاعدة. وحددت مدة 4 سنوات لتحقيق الهدف كما طلب أوباما نفسه. إلا أن هناك خبراء نوويين يرون أن هذا السقف الزمني قصير جدا وغير عملي. ووفقا لما قرأنا في الصحف، فهناك في العالم 1600 طن من اليورانيوم عالي التخصيب وهي كميات كافية لإنتاج 120 ألف قنبلة نووية