الكاريزما، كما هو معروف، تعني جاذبية الشخص، أو سحر شخصيته، سواء كان سياسيا أو فنانا، أو امرأة حسناء، أو خطيب جموع، وحالات أشخاص آخرين.
في الأصل، كانت الكلمة، وهي إغريقية، تعني الموهبة أو العطية، وقديما اعتبرت عطية الله. ويقول المفكر ماكس ويبر إن الكاريزما تعني وجود صفة معينة في الشخص تجعله عند الآخرين كما لو هو فوق الناس العاديين، أو على الأقل، له قدرات استثنائية. والسياسي الكاريزمي هو ذلك الذي يعرف كيف يخاطب الجمهور، وكيف يقنع، وبالتالي، كيف يؤثر على الجمهور ويجعله منقادا له.
وقد يكون صاحب الكاريزما معتبرا هكذا في بلده وحسب، أو على نطاق إقليمي، أو على نطاق عالمي.
القائد الجذاب قد يكون هو الذي قام بعمل رائد فريد تجعله صاحب كاريزما وشعبية طاغية، كأن يكون قائد معركة حاسمة فاصلة، و صاحب خطبة محركة أمام الجمهور، وبالتالي، فلابد من شرط اعتبار الناس له أنه صاحب شخصية مغناطيسية محبوبة. وقد تأتي الكاريزما للقائد بعد وفاته، وربما بسبب طريقة وفاته، كما هو الحال مع الإمام الحسين في العصور الإسلامية، وغيفارا في العصر الحديث. والأميرة ديانا كانت صاحبة جاذبية في حياتها وازدادت الجاذبية بعد رحيلها المأساوي. وفي حالات أخرى قد يستعمل صاحب الكاريزما قدراته للشر، كما فعل هتلر مثلا. وعبد الناصر كان صاحب كاريزما على نطاق مصر والعالم العربي، باعتباره بطلا ضد الاستعمار، وخصوصا بعد تأميم القناة، ولكنه لم يستعمل قدراته لتأسيس نظام ديمقراطي، بل أقام نظام الحزب الواحد والقائد الأوحد ومارس القمع العنيف.
وأوباما؟ ما الذي جذب الرأي العام الداخلي والخارجي لشخصه؟ هل قام بعمل خارق فاصل؟ كلا، ولكنه كان يحسن الاتصال بالناس، ويحسن الإصغاء، ويعد وعودا جميلة طالما انتظرها العالم- وعودا بسلام دائم، خال من الإرهاب والسلاح النووي، ووعودا للأميركيين بمكافحة الأزمة الاقتصادية وضمان الرعاية الصحية. ولكن شطرا كبيرا من الالتفاف حوله جاء من الدعايات المحمومة ضد بوش، ونشر الكراهية له في العالم، بعد تشويه كل صفحات سياسة إدارته. وشطر هام آخر يعود لحسن استخدام اوباما لوسائل الاتصال، وصرف عشرات الملايين للدعاية لشخصه خلال الحملة الانتخابية.
والكاريزما سلاح ذو حدين، فقد تنقلب على صاحبها لو أصابته النرجسية والغرور، فتتآكل جاذبيته تدريجيا، وتتداعى شعبيته الكاسحة.
والآن، وبعد مرور عام على تنصيبه، ما هي حصيلة رئاسة سنته الأولى؟
يقال إنه حسّن صورة الولايات المتحدة في الخارج. ولكن ما هي الحقائق؟ الحقائق أنه راح يتودد للأعداء والخصوم، ويعمل على جذبهم مهما كانت مواقفهم، وسياستهم. توجه للعالم الإسلامي بخطب التودد، معلنا انتهاء quot;الحرب على الإرهابquot;، مما هلل له العرب والسلمون، معتبرين ذلك quot;تصحيحاquot; لعهد بوش quot;المعاديquot; للعالم الإسلامي. وما الحقيقة غير أنه هو الآخر يواصل هذه الحرب دون ذكر كلمة حرب، وإن بوش كان محقا في استعمال الكلمة، فحرب الإرهاب لا تواجه بغير حرب معاكسة. وتوجه أوباما بالرسائل للنظام الإيراني، وها هو يخطب ود كوبا، وتنازل عن المطلب الدولي باشتراط وقف التخصيب معتبرا مجرد جلوس إيران للتفاوض مكسبا عظيما. والنتيجة؟ هذا اللعب الإيراني المستمر بالمجتمع الدولي منذ الاتفاق في جنيف، واستعمال المناورة والخداع لستر إصرار إيران على المضي في التخصيب، كاسبة، أي إيران- وقتا بعد وقت بفضل سياسة أوباما. وها هي إيران تحيي أوباما بمظاهرات quot;الموت لأميركاquot; في مظاهرات ذكرى احتلال السفارة الأميركية، التي شارك فيها quot;المحافظونquot; وquot;الإصلاحيونquot; معا، وكل بشعارات مختلفة!
وقد وعد اوباما بتحقيق هدف الدولتين: إسرائيلية وفلسطينية، ولكنه مع موفده جاءت القضية من الناحية الفرعية عن الاستيطان، مما أدى إلى تصلب كل من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وها هو أوباما راح يتعرض في الإعلام العربي للنقد الشديد، والاتهام بأنه يحابي إسرائيل. وماذا أيضا؟ تنازل عن مشروع الدروع الصاروخية لترضية روسيا دون مبالاة بموقف تشيكيا وبولونيا. كما راح حديث بعض مستشاريه يذاع عن الحوار مع طالبان quot;معتدلينquot;، واليوم يرسل وفدا مهما إلى النظام العسكري الدموي في بورما لتلطيف العلاقات بين البلدين.
لقد نشر الصحفي المعروف في الواشنطن بوست، جيم هوغلاند، مقالا لاذعا جدا بمناسبة نوبل أوباما، منتقدا مستشاريه الذين لا هم لهم، في نظره، غير تلميع صورته، ومنتقدا امتناع أوباما عن مقابلة الدالاي لاما خشية إغضاب الصين، رغم ان بيل كلينتون قابله خلال رئاسته. كما انتقد عدم اتخاذ أوباما قرارا للمشاركة مع ميركل والقادة الأوروبيين الآخرين في الاحتفال بسقوط جدار برلين يوم 9 نوفمبر القادم، وقد سمعنا خبراً أن هيلاري هي التي ستشارك في الاحتفالات. أما الصحفي الأميركي جورج ويل، فقد نشر هو الآخر مقالا لاذعا يصف فيه زوجة أوباما بالنرجسية، ذاكرا أنها، عند سفرها مع زوجها لكوبنهاغن بأمل اختيار مدينتهم شيكاغو مقرا للألعاب الأولمبية القادمة، قد استعملت ضمير المتكلم 44 مرة في 40 جملة. وفي خطاب أوباما أمام الجمعية العمومية استعمل كلمة quot; أناquot; 55 مرة! وهذه نقطة ليست لصالحه، وتدل على خطر تحول الكاريزما إلى نرجسية.
نعم: اوباما رجل ذو قابليات وقدرات كبيرة، ولا تزال له شعبية، خصوصا في أوربا والعالم الإسلامي، رغم هبوطها في الولايات المتحدة، ولكنه لم يحقق الكثير حتى اليوم، بسبب مثالياته، وقلة تجربته السياسية، وتناقضات الاستشارات التي تقدم له، وقد كتب الدكتور مأمون فندي،[ وبالمناسبة كان قد تنبأ في حينه بعدم فوز أوباما في الانتخابات بسبب لونه!]، في مقال له عن الجائزة إن أوباما قد لا يستحقها ولكنه quot;يحتاجهاquot;، أي لتشجيعه على الإقدام. ولكن كاريزما أوباما لا يمكن أن تدوم ما لم يحقق منجزات حقيقة في السياسة الخارجية بدل سياسة اليد الممدودة بلا طائل. فهل سوف تعلمه تعقيدات الحياة، وانكشاف مناورات الأعداء؟ وهل سيتخلى عن سياسة تهدف لكسب الأعداء بينما هي تشجعهم وتزعزع الحلفاء!؟