اشتهر هتلر بوزير خارجية أكاذيبه، غوبلز؛ ولكن هتلر لم يكن وحيدا في تصنيع الكذب لتغطية الجرائم والعدوان. فستالين مثلا ابتكر صناعة إجبار المتهم على الإدلاء باعترافات مزورة تتهم الشخص نفسه، [وإن كان زعيما ماركسيا نزيها]، بالعمالة للغرب والتجسس، ثم يقوم بإعدامه بعد تشويه سمعته. وهذه صناعة لم يلتفت لها هتلر فلم يطبقها. وجاء حاكم العراق السابق ليلفق شهادات زور ضد فريق من رفاقه، يوجهها رفاق لهم، كالتهمة بالعمالة لسوريا، ليكون ذلك كافيا لتنفيذ مجزرة لهم. وكان وزير إعلامه يصرخ quot;طردنا الغزاةquot; وهم داخل بغداد نفسها وعلى مقربة منه!
وفي أيامنا المشحونة هذه، يبرع نظام الفقيه، المبرز في صناعة القتل والجريمة والعدوان، في صناعة الكذب الصريح، سواء لتبرير قتل المتظاهرات والمتظاهرين الإيرانيين واتهامهم بالمعتدين، وبالانصياع لأيد خارجية، أو لتبرير التدخل في شؤون الآخرين، أو لتمرير مشروعه النووي العسكري. وآخر ما صدر عن حكام إيران اتهام أميركا بمحاولة خلق فتن طائفية في المنطقة والعمل على صدام بين إيران والدول العربية! هكذا بكل بساطة، وبكل تلقائية الكذب الصريح، وكأن هذا النظام ليس هو من يتدخل في العراق ولبنان وغزة واليمن والبحرين والكويت وغيرها، وليس هو من يؤجج النعرة الطائفية في المنطقة ويطبق سياسة تمييز طائفي في إيران نفسها ضد سنتها. ونعلم أن هناك أكاذيب مزوقة قد تخدع البعض، وهناك ما لا يصدقه حتى من له ربع عقل [ بالعراقية quot;كذب مصفّطquot; وquot;كذب غير مصفطquot;، أو quot;شيلماناتquot;].
أما حليفه السوري، فلا يقل براعة في صنع الروايات الملفقة، ولكن المكشوفة [ كذب غير مصفط] لتبرير قتل المتظاهرين. فقبل الأحداث السورية الأخيرة، وكمحاولة وقائية، زعموا أنهم وضعوا اليد على سيارة قادمة من العراق ومحملة بالأسلحة. ولكنهم لم يمعنوا في نشر الخبر لأن الكذب كان فاضحا. واليوم، وبعد اندلاع المظاهرات وتتالي فصول القتل، نقرأ عن روايات جديدة كالتهمة المنسوبة لأطراف لبنانية لا يحبها نظام الأسد [ طبعا لا يقصد حزب الله]، ثم اختلاق حكايات جيمسبوندية مهلهلة عن quot;مؤامرة أميركيةquot;. وكأنما هذا كله لا يكفي، فيجب اختلاق دور أردني لتكمل حلقات الكذب الفاضح لتبرير لجرائم مواجهة متظاهرين، يطالبون بالحرية والإصلاح، بالحديد والنار. ولا ننسى أيضا خرافة وجود قناصة يطلقون النار على المتظاهرين ورجال الأمن معا. وهكذا يكون النظام ضحية سلسلة مؤامرات ومجمع متآمرين وليس ضحية سياساته الشمولية القمعية ووعوده القديمة بالإصلاح التي كانت لمجرد التضليل في حينه. ويظهر أيضا أن تهم مؤامرة خارجية أو سلسلة مؤامرات هي أيضا لتغطية ما يقدمه نظام الفقيه لنظام الأسد من معدات حديثة لقمع المظاهرات- وفقا لمسئول في الخارجية الأميركية. النظام السوري يستخدم فبركة الروايات الاستخبارية الملهلة كتكتيك quot; الهجوم خير وسيلة للدفاعquot;، ولصرف الأنظار عن الأيدي الخارجية الحقيقية التي تدعم النظام السوري ضد شعبه، وهي أيد وأسلحة إيرانية.
أما في العراق، فإن quot;أحبابquot; ومريدي الفقيه من الحكام، يتسابقون مع quot; الولي المرشدquot; في الكذب لتبرير المجزرة المروعة التي نفذتها القوات العراقية ضد سكان معسكر أشرف، اللاجئين الإيرانيين المسالمين والعزل والمحاصرين. وهي المجزرة الثانية بعد مجزرة سبقتها قبل حوالي العامين، تنفيذا لإرادة السيد الفقيه، الذي لم يشبع من القتل وعمليات الإعدام، فيضغط على مريديه العراقيين لتسليمه رقاب المحاصرين. وحسب الإحصاءات الدولية، تأتي إيران في مقدمة دول الإعدامات عددا.
المجزرة الجديدة قتلت 33 لاجئا أعزل وجرحت أكثر من 300 بالرصاص الحي أو سحقا بالمدرعات. الكذبة العراقية [ غير المصفطة] تقول إن عدد القتلى هم ثلاثة والبقية كانوا أمواتا قبل دخول القوات العراقية للمعسكر! أي ظهرت الجثث بقدرة قادر حال دخول تلك القوات. أما لماذا الرصاص الحي، فلأن اللاجئين quot;قذفونا بالحجارةquot;!! لحسن الحظ لم يزعموا وجود سلاح في أيدي الضحايا، ولكنها محض حجارة يجب أن تواجه بالرشاشات وعجلات المدرعات. إن دعاة quot; القانونquot; بارعون هم أيضا في تلفيق الروايات المضحكة كتلك التي زعمت بعد الانتخابات بأن سكان أشرف قد تلاعبوا بنتائج الانتخابات! أما كيف تسنى لهم ذلك وهم محاصرون ومقطوعة عنهم رسائل الأهل والأدوية، فعلم ذلك عند معالي رئيس دولة القانون!!
حكومة المالكي لن تقف عند حد في مولاة الأوامر وشهية القتل الإيرانية. ومع بدء قيام حركة إدانات واحتجاجات دولية، فإن هذه الحملة يجب أن تتوسع وتقوى لإجبار حكام العراق على احترام المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، سواء في التعامل مع أبناء أشرف، أو مع أبناء العراق أنفسهم الذين وقع منهم عدد غير قليل ضحايا رصاص المالكي وشركاه لمجرد ممارسة حق التظاهر، الذي أصدروا قرارا بحظره إلا في بعض الملاعب الرياضية! وقد مرت الفترة التي وعد رئيس الوزراء بأنها ستكون فترة تلبية مطالب الناس والخدمات على حالها والفاسدون الكبار لم تمسسهم يد القانون. ويقينا، إن هذا العجز والفشل المدويين لا تغطيهما مجازر تقترف ضد لاجئين عزل من السلاح أو ضد متظاهرين عراقيين. والحكيم من تعلم من تجارب العراق ومما يجري اليوم في الساحة العربية.
التعليقات