سيصبح الثالث عشر من أبريل 2011 يوما تاريخيا مشهودا يضاف إلى سجل ثورة 25 يناير التي أيقظت الشعب المصري من سبات ثلاثة عقود، فاليوم صدر الحكم بحبس الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه جمال وعلاء 15 يوما على ذمة التحقيق. اليوم يكتمل عقد جمهورية الفساد ليتحدد مكانها في موقع صغير في سجن طرة خارج إطار الحرية. الحرية التي حُرم من فضاءتها شعب بأكمله طيلة العقود الماضية.
اليوم تكتمل الثورة المصرية الجديدة التي تخلص فيها المصريون من نظام أفسد حياته الاجتماعية بإقامة فجوة كبرى بين الأغنياء والفقراء، وأفسد حياته السياسية بهيمنة حزب واحد على مجريات الأمور السياسية وإنشاء أحزاب كرتونية زادت عن العشرين حزبا، وأفسد حياته الاقتصادية ببيع شركات القطاع العام وخصخصتها وذهاب ريعها إلى فئة من المنتفعين لا إلى عموم الشعب، كما أفسد حياته القيمية والسيكولوجية.
تكتمل ثورة 25 يناير بهذا الحكم التاريخي الشجاع الذي لم يحاكم الرئيس المخلوع فحسب، بل حاكم نظاما بأكمله عمل ضد وطنية مصر وضد عروبتها، وضد شعب يمتلك من الميراث التاريخي والوجداني ما يمكن له أن يتنسم مكانة كبيرة بين الشعوب المتحضرة.
لقد نظر النظام المخلوع إلى الشعب على أنه مجرد أرقام، مجرد أناس تصرفهم الكلمة المزيفة عن شؤون حياتهم، تلهيهم المسلسلات ومباريات الكرة ودعم السلع التموينية والخطب الرنانة عن سبل التفكير والتقدم والنهوض. كان النظام لا يرى ولا يسمع ولا يكلم إلا نفسه، كان هو الآمرُ والناهي والمقدر والمسيطر والمهيمن. كان الجهاز اللاظوغلي :quot; أمن الدولةquot; بكل ما فيه من شراسة وبشاعة في التعامل مع المواطنين عنوانه، وكان الضباط المتفرعنون يده التي يبطش بها، والإعلام المزيف وبطانة الفساد عينه التي يبصر بها.
الرئيس المخلوع كان يستكثر على شعبه الحياة الكريمة، كانت خطاباته مدعاة للرثاء قبل أن تكون مدعاة للتعجب ، فالرئيس كان مشغولا بمراقبة شعبه لا ليوفر له حياة كريمة بل ليذله أكثر حتى إنه كان يستكثر عليه أكل quot; الخيارquot; كما جاء في خطاب من خطبه.
لقد بدأ الرئيس الخارج من حادث اغتيال السادات في المنصة في 6 أكتوبر 1981 حكمه برفع شعار:quot; الصحوة الكبرىquot; وكان يعمل بشكل ما على النهوض بالوضع الاقتصادي للبلاد، وتحقق له ما أراد، وحدث نوع من التنمية الاقتصادية وتحسنت أوضاع سياسية واستثمارية واجتماعية في العقد الأول من حكمه، بيد أن الدعوة المستمرة للخصخصة والاستثمار الأجنبي في البلاد أنتجت لأول مرة في مصر ndash; كما أشرت في مقالات سابقة نشرت بإيلاف العام الماضي ndash; ظاهرة المليونيرات الجدد الذين أثْروا في وقت قياسي نتيجة فساد لا مثيل له عم الطبقة الحاكمة، وأصبح من تقاليد النظام، خاصة مع دخول نجلي الرئيس الساحة الاقتصادية أولا ثم الساحة السياسية حيث توجه النظام إلى استقطاب رجال الأعمال المشكوك في ثرواتهم غير المشروعة، وتعيينهم في الحكومة المصرية فيما يطلق عليه:quot; زواج المال والسلطةquot; كما اشتغل نجلا الرئيس بالبيزنس المالي والسياسي لأول مرة في التاريخ السياسي المصري.
كان زواجا باطلا بلا ريب، فرجال الأعمال الذين أصبحوا وزراء والذين هم يقبعون الآن وراء قضبان سجن طرة، عاثوا في الأرض فسادا ماليا، ودخلوا في صفقات باهظة نهبوا فيها ثروات الشعب وأراضي مصر نهبا منظما، أثروا بموجبه ثراء فاحشا، وتركوا أكثر من 50% من المصريين تحت خط الفقر، يعانون الأمرين من مشاكل الغلاء وارتفاع نسب البطالة مما انعكس سلبيا على قيم المجتمع المصري.
اليوم ماذا سيقول أعضاء جمهورية الفساد لأنفسهم وراء القضبان، ربما تصحو ضمائرهم، ربما سيصيحون في صوت واحد: الشعب يريد إعدام الفساد.
اليوم تكتمل الثورة المصرية .. وتسجل خطواتها الأولى صوب عالم جديد، ومستقبل جديد أكثر نقاء وأكثر حرية.