1-

لم يكن من المنتظر أن يخلو البيان الصادر عن أمانة جائزة الشيخ زايد الدولية للكتاب الذي أعلن فيه سحب الجائزة _ فرع الآداب- من الناقد الدكتور حفناوي بعلي من الإشارة إلى كاتب هذه السطور، حيث إنني الوحيد ndash; فيما أعلمه عن نفسي- الذي قمت بقراءة كتابه:quot; مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارنquot; الذي فاز بالجائزة، وقمت بعرض الصفحات المقتبسة والمسروقة في الكتاب، وأحصيت فقراته، وأشرت للمواضع التي تمت فيها السرقة، ثم أشرت للأخطاء المنهجية والعلمية الواردة فيه.
جاء بيان الجائزة ليشير إلى ( عدد من القراء والمتابعين) الذين قدموا ملاحظات على الكتاب، وهذا يناقض طبيعة الجائزة في أمرين: الأول أن هذا يهمش لجنة التحكيم التابعة للجائزة وكأنها لم تقم بأي دور سابق، والثاني: أن الجائزة تعتمد في توجهها في قراءة الكتب والكشف عما بها من ملاحظات منهجية على القراء، وهذا ndash; فيما أعلم- ليس من طبيعة الجوائز الكبرى، وبالتالي فإن إشارة ( عدد من القراء والمتابعين ) تعني هنا بالتحديد كاتب هذه السطور، وهذا للإيضاح الموضوعي لا أكثر ولا أقل.
بيد أن هذا لا يعني أن نغض من قيمة ما قامت به الأمانة من quot; سحبquot; الجائزة من الدكتور حفناوي بعلي، فهي بهذا الصنيع قدمت التالي:
-أولا: صححت هذا الخطأ الخطير الذي أفضى إلى منح كتاب quot; ملفقquot; جائزة تعد من أكبر الجوائز العربية، كما أعطت سابقة نموذجية للجوائز الأخرى في آلية المراجعة والتصحيح.
-ثانيا: أنها أسست ndash; بشكل ضمني- لمعنى ثقافي جديد يتمثل في الاعتراف بالخطأ، وإعادة القيمة الإبداعية للفرد المبدع المجتهد بوصفها قيمة أصيلة للثقافة.
-ثالثا: أنها فتحت المجال حيال الباحثين للتأني في القراءة ومراجعة النتاج الأدب والثقافي بشكل منهجي علمي.
-رابعا: أنها أدانت ndash; بشكل ضمني ndash; لجنة التحكيم للعام 2010 وأعضاء الهيئة الاستشارية الذين قبلوا بتقارير لجنة التحكيم دون تمحيص وفحص.
-خامسا: أنها قامت بتنقية الجائزة، والإبقاء على مصداقيتها وصورتها الناصعة بوصفها واحدة من أهم الجوائز العربية التي تمنح للكاتب العربي.
وما يتبقى لأمانة الجائزة هنا، ولكي تكتمل الصورة المنهجية والعلمية للجائزة، أن تقوم بإقالة الهيئة الاستشارية وتشكيل هيئة جديدة تكون أكثر قدرة على القراءة، وإنعام النظر في الأعمال المقدمة، كما ينبغي أن تعلن عن أسماء المحكمين من النقاد الذين تورطوا في تقديم هذا الكتاب للفوز بالجائزة في فرع الآداب للعام 2010

2-

لكي يقف القارىء الكريم على شيء من كيفية التوصل إلى هذا الحدث، :quot; سحب الجائزةquot; يحسن هنا أن أشير إلى طرف من قصتي مع كتاب الدكتور حفناوي بعلي، حيث كنت قد اقتنيت الكتاب من إحدى المكتبات بمدينة الرياض منذ ثلاث سنوات في عام صدوره (2007) حيث شدني العنوان:quot; مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارنquot; وكنت قد تابعت ما كتب عن النقد الثقافي فيما كتبه الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه:quot; النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربيةquot; ( المركز الثقافي العربي، بيروت 2000) واستعرضت كتابه في عام صدوره في صحيفة الوطن السعودية، كما قرأت ما نشر من دراسات ومقالات من قبل بعض الباحثين العرب في الموضوع نفسه، وكان كتاب الدكتور حفناوي بعلي هو الكتاب الثاني بالعربية عن موضوع النقد الثقافي، فيما أعتقد.
كنت قد تهيبت من قراءة هذا الكتاب، بحجمه الضخم (384 صفحة) وقطعه فوق المتوسط، وبعناوينه الداخلية التي تنطوي عليها فصوله، حيث يناقش قضايا راهنة، من مثل: النقد الثقافي، وما بعد الحداثة، والخطاب الكولونيالي، والنسوية، والعولمة، والخطاب الإشهاري... إلخ، وهذه عناوين كبيرة تحتاج إلى جلسات عصف ذهني لقراءتها بعمق.
أجلت قراءة الكتاب كثيرا، حتى تكسرت الكتب على الكتب، ودخلت مكتبتي كتب جديدة وحديثة، فانخرطت في قراءتها، وقراءة ما يتطلبه العمل النقدي والصحافي خاصة وأن صحافتنا العربية تفضل عرض الكتب الجديدة.
وفي شهر سبتمبر الماضي كنت أراجع كتابا لباحث سعودي شاب هو محمد بن لافي اللويش من منطقة الجوف بعنوان:quot; جدل الجمالي والفكريquot; وكان بالأصل رسالة ماجستير عن جهود الغذامي النقدية، ولاحظت فيه عودته كثيرا إلى كتاب حفناوي بعلي كمرجع من مراجعه، فقررت أن أعود إلى كتاب بعلي لقراءته، وهنا حدثت المفاجأة التي لم أكن أتوقعها!!

3-
رحت أقلب في صفحات كتاب حفناوي بعلي، فتذكرت أنني قرأت كلاما يشبه هذا الكلام عند الغذامي، عدت لكتاب الغذامي فوجدت أن الناقد حفناوي بعلي قد اقتبس كثيرا وكثيرا من كتاب الغذامي، اقتباسات تزيد على الثلاثين اقتباسا، عبارة عن فقرات مطولة، وجزئيات ومقاطع مهمة من الكتاب، لكن الرجل لم يقم بالإشارة إلى كتاب الغذامي سوى خمس مرات، منهم مرتان غير صحيحتين حيث قوّل الغذامي ما لم يقله.
حفزني هذا وأثارني، لإنعام النظر في كتاب الدكتور حفناوي بعلي، فوجدت أن الرجل ضمن كتابه الذي يقع في ثمانية فصول ndash; سوى المقدمة والخاتمة- (734) فقرة، منها (437) فقرة مقتبسة، بإشارات إلى مراجع ومصادر، ومنها (297) فقرة دون أية إشارات اقتبسها من مجموعة من الكتب العربية والمترجمة، حيث اقتبس من الغذامي أكثر من ثلاثين فقرة، ومن كتاب:quot; دليل الناقد الأدبيquot; للدكتور ميجان الرويلي والدكتور سعد البازعي (19) فقرة، ومن كتاب الدكتور نبيل علي:quot; الثقافة العربية وعصر المعلومات ) عالم المعرفة ndash; الكويت 2001 (5) فقرات وفخري صالح (4) فقرات من كتابه:quot; دفاعا عن إدوارد سعيد)، ومن كتب للدكتور شاكر عبدالحميد، والدكتور رمضان بسطاويسي، والدكتور حسين المناصرة، وآخرين، فضلا عن كتب مترجمة لرايموند ويليامز، وسارة جامبل، وبيتر بروك، وإدوارد سعيد، وفرانز فانون وآخرين، مما سأوضحه في كتاب لي ينشر قريبا.
كانت طريقة الدكتور حفناوي بعلي في هذا الكتاب تعتمد على الفقرات المتتالية، التي - في أكثر الأحيان- تتناقض منهجيا مع الفقرة السابقة أو التالية، هذه الفقرات جميعا لم يكتب فيها شيئا، فجميع فقرات الكتاب إما مقتبسة أم مسروقة، ولأول مرة في العربية نجد كتابا لا يؤلف فيه مؤلفه شيئا، بل يقوم بكولجة فقرات نقدية ورصها بشكل منتظم أو غير منتظم، حتى مقدمة الكتاب وخاتمته عبارة عن فقرات مقتبسة من آخرين دون إشارة لهم، ومن يقرأ الكتاب هنا يحسب أن مؤلفه هو كاتب هذه الفقرات التي لم يشر إليها، مما أوقع حفناوي بعلي في دائرة السرقة والسطو، وللأمانة العلمية ربما يكون حفناوي بعلي قد كتب بعض حروف العطف والربط بين الفقرات!

4-
لم أكن أعرف أن كتاب حفناوي بعلي هذا قد فاز بجائزة الشيخ زايد الدولية للكتاب وأنا أكتب مقالة عن هذه السرقة الأدبية، أو ما سماه بيان الجائزة:quot; الاستحواذ على جهود الآخرينquot; لكنني حين بحثت في محرك البحث:quot; جوجلquot; وجدت المفاجأة، وصدمت حين عرفت أنه الكتاب الفائز، وتواردت الأفكار: كيف مر هذا الكتاب من لجنة تحكيم من المؤكد أنها من كبار النقاد العرب؟ وكيف مر على الدكاترة : عبدالله الغذامي، وصلاح فضل، وعبدالسلام المسدي وهم متخصصون في النقد الحديث، وفي النقد الثقافي؟ وكيف تسمح جائزة كبرى بأن يحمل هذا الكتاب لقبها؟
جرت اتصالات هاتفية بيني وبين الدكتور الغذامي للتساؤل عما حدث، وأوضح لي الدكتور الغذامي بأنه quot;لم يقرأ الكتابquot;، وأنه قد quot;قام بتصفحه في أحد معارض الكتب السابقة ولم يقم باقتنائه quot;، فذكرت له أن quot;حفناوي بعلي قد قام بسرقة أكثر من ثلاثين فقرة من كتابكquot;، وأنه quot;أشار فقط خمس مرات، منها مرتان وهميتانquot;، وكان جوابه : أن quot;هذا يمثل صدمة وكارثة حقيقيةquot;، بعدها اتصل بي الدكتور صلاح فضل من القاهرة في مكالمة مطولة مفاجئة، وكان الطلب الذي اشترك فيه ضمنيا الدكتور الغذامي : quot;ألا أشير إلى جائزة الشيخ زايد من قريب أو من بعيد، وأن أؤجل نشر الموضوع لمدة شهر أو السكوت عنه نهائياquot;، مع تقديم عدد من الوعود والإغراءات لنشر كتبي والمشاركة في عدد من المؤتمرات الأدبية، وأحاديث أخرى كثيرة.
مكثت في صراع نفسي وروحي عنيف، بين ضميري الأدبي والإعلامي من جهة، و ما يمكن أن يحققه الموضوع من أصداء، ومن تقديم عبرة لكل سارق أدبي، وبين الإغراءات المقدمة وهي كثيرة من جهة أخرى. وجرت بي خيالات شيطان النفس الأمارة بالأهواء فيمكن لي مثلا: أن أدعى وأشارك في عدد من المهرجانات الأدبية في بعض العواصم العربية، ويمكن أن تطبع كتبي المعطلة عن الشعر الحديث وقصيدة النثر، وأن أتقدم الصفوف الأمامية، وأن أصبح أحد أعضاء لجان التحكيم أو أحد المستشارين في جائزة أو مجلة أو صحيفة، ويمكن أن ترتفع روحي المعنوية أو المادية قليلا، كما يمكن لي الإقامة في الفنادق، والقاعات المكيفة، والإقامة الدائمة على صفحات الصحف الثقافية العربية، كما يمكن الحصول على درجات علمية وفخرية كبرى. خاصة الحصول على حرف( الدال) الذي يتوهم الكثير من الناس في عالمنا العربي أنه حرف سحري.
لم يستمر الصراع طويلا، وقررت نشر الموضوع في الصحف، الموضوع الذي أعمل عليه لأكثر من شهر، موثقا بالصور والأدلة. وكانت المفاجأة التي لم أتوقعها من زملاء في صحف يومية والكترونية بعدم النشر خوفا من حساسية الموضوع، وربما إبقاء على علاقاتهم بالجائزة التي تدعوهم دائما لحضور احتفالاتها السنوية.

5-
كانت quot; إيلافquot; - التي أشرف بالكتابة فيها عبر القسم الثقافي هي المحطة الأولى التي أرسلت لها موضوع سرقات الدكتور حفناوي بعلي لنشره، وللتأكد من حقيقة الأمر وبسبب من المنهجية التي تحرص عليها quot;إيلافquot; في نشر مثل هذه النوعية من الموضوعات الحساسة، قامت quot; إيلافquot; بالاتصال بأمانة جائزة الشيخ زايد الدولية للكتاب، التي طلبت من quot;إيلافquot; التريث في النشر من أجل التفاهم مع أعضاء الهيئة الاستشارية، وأن الأمانة سوف تتصل بإيلاف بعد ذلك، وبعد مرور وقت طويل، لم تتصل فيه الأمانة، ولم توضح الأمر تماما، فوجئت quot;إيلافquot; بقرار الأمانة سحب الجائزة من الدكتور حفناوي بعلي.


6-
لم أجد من وسيلة للنشر سوى موقعي الالكتروني الذي كنت قد أسسته منذ شهر مارس 2010 ومرت شهور ولم أكتب فيه شيئا، وكانت المادة فيه (صفر) تقريبا. فكان موضوع كتاب حفناوي بعلي أول موضوع ينشر فيه، وقامت بعض الصحف مشكورة بنشر خبر عن سرقات حفناوي بعلي، ومنها: سبق، ومسارات، وصحيفة(شمس). ثم قامت بعض الصحف الجزائرية مشكورة أيضا بطرح الموضوع على صفحاتها الثقافية مثل: صحيفة الفجر، والجزائر نيوز، كما علق على الموضوع كل من الكاتبة : حليمة مظفر(السعودية) وعبدالدائم السلامي (تونس) وإبراهيم خليل (الأردن) وإبراهيم رضوان(الجزائر)، في الوطن، والعرب أون لاين، والدستور الأردنية، والفجر الجزائرية. فيما بادر الأديب محمد بودي بعرض الموضوع في حلقة مثيرة من برنامجه:quot; المشهد الثقافيquot; الذي تعرضه القناة الثقافية بالتليفزيون السعودي واستضاف فيه كلا من الدكتور حسين المناصرة، والدكتور عبدالدائم السلامي والاستاذ يوسف الوغليسي والكاتب عبدالله الملحم، والمحامي فهد الزبن والصحفية الجزائرية سماح سرتاح، وقد أيد أغلبهم ما قمت به من كشف عن السرقة الأدبية.
تفاعل الموضوع تدريجيا بنشره في عدد من المواقع الالكترونية، منها (أخبار الثقافة) و(جسد الثقافة) وكانت استجابة الصحف الورقية تتمثل في التجاهل التام وعدم النشر باستثناء صحيفة (عكاظ) التي نشرت خبرا عن الموضوع، ومع أن الأمر قطعيا يعني الصحف السعودية والإماراتية إلا أنها لم تقم بنشره أو التنويه عنه، رغم أن معظمها قد وصلتها نسخ كاملة مصورة ومتعددة عن الموضوع.

7-
عصر الثلاثاء 27 أكتوبر 2010 وصلتني رسالة قصيرة على الموبايل من الزميل يوسف الهزاع ndash; من إدارة تحرير إيلاف- تفيد بأن أمانة جائزة الشيخ زايد قامت بسحب الجائزة من الدكتور حفناوي بعلي. كأنني لم أصدق الخبر تماما الذي فاجأني وأنا في العمل، وذهبت لأتأكد من تفاصيله في الإنترنت، فوجدت بيان الأمانة، وقرار سحب الجائزة، ثم نشر الخبر في قناة العربية في نشراتها الرئيسية، وظهرت متحدثا عن الكتاب في القناة في نشرة المساء، وجرت مياه جديدة وأسئلة جديدة تحت الجسور.