* صبا الحرز وليلى الجهني وأميمة الخميس وبدرية البشر وزينب حفني يقدمن نبرة سردية احتجاجية
* الرواية النسوية ما زالت تتراوح بين التقليد والتجديد
عبدالله السمطي من الرياض: تشير الباحثة سماهر الضامن في كتابها:quot; نساء بلا أمهات: الذوات الأنثوية في الرواية النسائية السعوديةquot; إلى أن تسعينات القرن العشرين شهدت بداية التأسيس الحقيقي للرواية النسوية في السعودية، حيث برزت منذ التسعينات مغامرات روائية أسست لمرحلة جديدة في السرد الروائي السعودي، بما حاولته من تجديد في تقنيات السرد وأساليبه وما سعت إليه من محاورة للواقع، ورصد تناقضاته، وكشف ازدواجية معاييره وفضح مستوره.. وقد بدأت تلك المغامرات على يد جيل من الكاتبات والكتاب الذين كان لهم حضورهم الفكري والثقافي مثل: تركي الحمد، غازي القصيبي، رجاء عالم، علي الدميني، عبده خال، وزينب حفني وغيرهم، وانتقلت هذه المغامرات الروائية ndash; كما تسميها الضامن- إلى جيل جديد تفتح وعيه على ثقافة وواقع جديد مثل: ليلى الجهني، محمد حسن علوان، رجاء الصانع، محمد المزيني، صبا الحرز، محمود تراوري، نداء أبو علي، نورة الغامدي.
وقد أفرز هذا الجيل ndash; فيما ترى المؤلفة- خبرته وثقافته عبر تجارب سردية روائية عززت الاعتقاد بأن الحضور الروائي المتزايد في المشهد الأدبي السعودي هو شكل من أشكال حضور الوعي بالذات الفردية الحديثة التي تسعى من خلال السرد إلى قراءة وتأويل ما حولها من ظواهر وعلاقات، لتبحث عن موقعها وتعيد تشكيل واقعها كما ترى وتريد، وبما يحيلها على أصوات انشقاقية خارجة عن الأنموذج والنسق الذي يفترضه ويفرضه الخطاب الجمعي التقليدي المهيمن.. كيف قرأت سماهر الضامن هذه الأصوات الانشقاقية في صورتها النسوية؟ وما هي أبرز الخواص التي أضاءتها؟ وما هي محددات الخطاب الروائي النسوي السعودي الذي يشهد اليوم واقعا روائيا متطورا كمّا وكيفا بالقياس إلى التجارب البسيطة السابقة؟ هذا ما نسعى إلى تبيانه في الأسطر التالية.
دلالات التحول:
بعض الروائيات واغلفة أعمالهن |
ينطوي الكتاب - الصادر عن النادي الأدبي في حائل ومؤسسة الانتشار العربي في بيروت في طبعته الأولى 2010 - على ثلاثة فصول، الأول: الكتابة الروائية النسائية: شروط الإنتاج والتلقي، والثاني: دلالات التحول في مسيرة الرواية النسائية السعودية، والثالث: خطاب المرأة في الرواية النسائية السعودية.
وقد برز الصوت الأنثوي كواحد من أهم تلك الخطابات الانشقاقية النافرة الساعية من خلال إضافة الاختلاف الأنثوي والرؤية الأنثوية إلى إحداث العديد من الصدمات والهزات وخلخلة الاستقرار المعرفي الثابت الذي كرسه الوعي الذكوري المهيمن، فالذات الأنثوية المكبوتة، والمستبعدة، والمحجوبة، قد اعتراها من التحول ما اعترى وجه الحياة من حولها، وبالتالي فإن خطابها الروائي قد استجاب لذلك التحول وعبر عنه بصيغة ما، هي الصيغة السردية.
فهناك حساسية جديدة في الخطاب الروائي النسائي السعودي، تعبر عن أزمة الذات الأنثوية ومعاناتها، وقضاياها وعلاقاتها مع الآخر/ الرجل والمجتمع، وعن رؤيتها لذاتها وللعالم، متجاوزة الرؤية الذكورية المهيمنة، ومجابهة سلطة الممنوع والمحرم، فغدت الكتابة فعل وجود تحيي به الكاتبة ذاتها المغيبة، وتستنطق ذاكرتها.
وأبرز تجليات هذه الحساسية الجديدة ndash; على الرغم من قلق المصطلح لدى الكاتبة حيث عنى به إدوار الخراط صاحب المصطلح طريقة الكتابة ونسيجها لا مضمونها- تمثل في الرغبة في المواجهة والمقاومة والفضح لممارسات التمييز التي تعانيها النساء، وعن توجه نحو تحقيق الذات الأنثوية داخل النسق الذكوري المسيطر، وهذا ما يمكن ملاحظته بوضوح في نصوص تعلو فيها نبرة التحدي والاحتجاج والصدام مع الثقافة السائدة كما في تجارب: ليلى الجهني، ونورة الغامدي، وقماشة العليان، وبدرية البشر، ورجاء الصانع، وصبا الحرز، وطيف الحلاج، وزينب حفني، وأميمة الخميس، وسمر المقرن وغيرهن.
قضايا الخطاب الروائي
لقد تنوعت اهتمامات الكاتبات، بيد أن قضايا المرأة ظلت هي الطاغية، في تنوع يكتفي حينا بالتعبير عن واقع المرأة وتصوير معاناتها واستلابها، كما في (امرأة على فوهة بركان) لبهية بو سبيت، وبعض نصوص قماشة العليان مثل(عيون على السماء) و(أنثى العنكبوت) وهناك من تكتب بنبرة تمردية احتجاجية، يتم توظيفها بما يسهم في البناء الجمالي ndash; فيما ترى الكاتبة- كما في نصوص ليلى الجهني (الفردوس اليباب) و(جاهلية) و( وجهة البوصلة) لنورة الغامدي، و(البحريات) لأميمة الخميس، و( الآخرون) لصبا الحرز، فيما تصل هذه النبرة الصدامية لدى بعض الكاتبات إلى درجة الاشتباك مع الخطاب السائد دون تعويل كبير على تقنيات السرد وجمالياته، كما في (الرقص على الدفوف) و(ملامح) و(لم أعد أبكي) لزينب حفني.
وترصد الكاتبة عدة توجهات في هذا الخطاب الروائي النسوي، تصوغها في اتجاهين: تقليدي، وتجديدي، وهي ترى أن الاتجاه التجديدي يكمن في تجلي الحساسية الجديدة ndash; حسب إدوار الخراط ndash; في هذا الخطاب، وتقدم الكاتبة بعض الروايات مثل:quot; الفردوس اليبابquot; لليلى الجهني، وquot; توبة وسليquot; لمها الفيصل، وquot; البحرياتquot; لأميمة الخميس، وفي الواقع فإن هذه الروايات وغيرها من الروايات النسوية السعودية لا تحتفي بجماليات الكتابة السردية الجديدة، ولا بالحساية الجديدة بالمصطلح الخراطي، من حيث بناء الرواية بشكل يحتفي بالكثافة، والسيميترية التعبيرية، والاحتفاء بالجمل والمفردات في التنويع بين الوصفي والسردي، ومن حيث الحوار الجمالي الكامن والجلي بين المونولوجي والديالوجي في الرواية، وتعدد مستويات اللغة السردية، بل إن أغلب هذه الروايات تحتفي فحسب بتقديم الحكاية، وإيثار المضمون على البنية والمحتوى على التركيب، بل إن رواية مثل:quot; بنات الرياضquot; لرجاء الصانع التي تقدمها الكاتبة على أنها تمثل اتجاها تجديديا مترعة بالأخطاء اللغوية والأسلوبية، وبالنسبة إلى الاتجاه التجريبي الحداثي الذي تشير إليه سماهر الضامن فلا وجود له على الإطلاق في الرواية النسوية السعودية باستثناء روايات رجاء عالم مثل:quot; مسرى يا رقيبquot; وquot; خاتمquot; وquot; طريق الحريرquot; وquot; حبىquot;.. على الرغم من أن التجريب يأتي غالبا لديها عبر التناص مع الموروث والأسطورة وأجوائهما السردية المستدعاة.
إن الكاتبة تلقي الضوء على ظاهرة روائية ناشئة في السعودية، تجلت في هذه الوفرة الروائية التي تبوح وتسعى إلى نقد المجتمع عبر قراءة قضايا المرأة الاجتماعية خصوصا، لكن هذا النقد على الرغم من تكراره في خطابات روائية متعددة ما زال يشكل الخطوات الأولى لرواية نسوية، لم تزل تطل على نفسها في مرايا الواقع، لكنها لم تطل بعد على قضايا الوجود وفلسفته، ولم تنطلق في خطابها لتعبر عن أزمة الإنسان المعاصر، وعن قضايا الخطاب الإبداعي والهوية، والحرية، وما زالت تسبح في فضاء بسيط لم يعبر بعد إلى الكون السردي الروائي الفسيح.
التعليقات