إيلاف من باريس: أقيم يومي 8 و9 مايو/ أيار الحالي الصالون الخامس للكتاب الفوضوي في مركب بلون مونطو الواقع بالدائرة الرابعة بباريس. ويتسم هذا المعرض، البعيد عن كل الرسميات في مناحيه، بانطباعه بالثقافة المعروضة فيه والمخيمة على أركانه كلها. اعتبارا من كون الدخول إليه شبه مجاني، إذ أن الزائر حر في رمي بعض القروش أو أكثر منها في علبة مخصصة لذلك في المدخل. ثم أن العاملين في مرافق المعرض كلهم متطوعون، ولن يتقاضوا سنتيما واحدا على خدماتهم تلك. في حين تغيب فيه أشباح العسس والحرس التي أفسدت حقا ملتقيات العصر.
دأب على حضور المعرض، منذ الاستقرار على إقامته بهذا المركب قبل سنوات، عدد من الناشرين والكتاب. أغلبهم فوضويون، ولا نعدم أن نجد من بينهم من ينتمون إلى مشارب أخرى مناهضة للدولة، الدين، أو الرأسمالية بشكل عام.
تمتزج في شعارات المعرض رهانات الوعي الثقافي والتحريض السياسي المباشر. ونجد جنب الكتب والمجلات المطبوعة منشورات، تتضمن تحاليل سياسية للأوضاع بالعالم، وبفرنسا مثل فضحهم لما يرتكب من اعتداءات سافرة على مسلمي الضواحي باسم محاربة الإرهاب من اعتقالات، مداهمات وإهانات، ودعوات ضد الحرب وصناعها، في أفغانستان، العراق، فلسطين، الشيشان، أفريقيا وغيرها..مثل عصبة السلم الداعية إلى دولة فرنسية بدون جيش، لأن الجند مجرمون في رأيها، هم وكل من يشتغل في مجال صناعة الأسلحة.
كما أن الإذاعة الفوضوية واظبت على بث برامجها من عين المكان كعادتها في المواسم السابقة. مرافقة أنشطته بنقاشاتها ورؤيتها الخاصة للأنباء والأحداث، بما في ذلك السياسة المتبعة في البلاد.
نجد في المعرض كتب أهم رموز الفوضوية في العالم، وكتب الذين يقتربون من فهمهم للعالم. فإلى جانب نسخة قديمة لquot;فسخ العمل المأجورquot; نجد طبعة جديدة لنفس الكتاب، مادامت الفكرة في نظرهم محتفظة بجديتها وراهنيتها.
تعرض في الصالون الفوضوي أيضا كتب بيير بورديو، كارل كراوس، نعوم تشومسكي، أوكثاف ميربو، بل كتابات لألبير كامي، ويعرض جنبها، للتوضيح، منشور مطبوع، يحاول فيه صاحبه شرح علاقاته بالفوضويين، وكيف أنه مناضل اشتراكي، فإن لم يكن ماركسيا، فهو مناهض لجرائم الحرب، وحاول تبرئة الرجل من كونه يملك وعيا سياسيا ساذجا. أمر قابل للنقاش على كل حال.
يمكن للزائر أن يتعرف على عدد من سلاسل الكتب، صغيرة الحجم، في مجالات الفكر، السياسة، والأدب. مثل سلسلة quot;الليلquot; التي صدرت منها أربع كتيبات، من ضمنها مختارات من سوناتات شكسبير. ودور ومنشورات كثيرة. غير أنها لا تحظى بالتوزيع، كما أن دور نشرها لا توظف عمالا، ولا تخضع بالتالي لسلسلة ترويج الكتاب المعهودة. من هنا تتم المراهنة على هذا المعرض وأمثاله من التي ينظمها الفوضويون في أماكن أخرى وفي فترات متباينة من السنة. كما يتم فيه التعريف بمكتبات الكتاب الفوضوي.
تبقى هذه المناسبة فرصة لاكتشاف فكر مخالف، يرفض التدجين، في إطار يقترح مسلكيات أخرى، لا مكان فيه للرسميات، هنداما أنيقا كان، أو مراعاة مخاطبة الآخر بصيغة الجمع، إذ ترسل فيه اللحي، وتنتفش فيه الرؤوس، جعة في اليد، في أفق مجابهة عنف الرأسمالية!