1-
لم يكن يحاكي صورته تماما
في كسرة المرآة التي تبقت معه
تلك التي أهدتها أمه إليه في سفره الأخير
كان يضعها تحت وسادته
التي شكلها من قالب من الطوب
وكيس أسمنت فارغ
لم يكن يخشى تماما أن تنكسر
فعدد المرات التي رأى فيها قناعه
كان يظنها أنها تزيد من صلابة الزجاج
الفتي
الذي ذهب وحيدا مع قلبه البريء
ليصارع جرأة الأحزان
في عمل يومي كادح
مع عمال التراحيل.
الأسمنت، والجبس، والرمال
والطوب الأسمنتي
والحبال الليفية الخشنة
والمياه المالحة
كانت أبجديته الجميلة
التي يطل عبرها
إلى خيال العدم
يمسح عرقه من صيف أيامه الواطئة
أيامه المتدحرجة في سمرة جبينه
يمسح النظرية، والكتاب، والجامعة
يبكي على صخرة روحه
المجذوبة الأطراف
إلى إله بعيد
يحمل صخرته إلى الطابق العاشر
يتدلى بها إلى الطابق الأرضي
هكذا
يموت في كل لحظة
صعودا وهبوطا
لا لشيء
إلا ليجرب عمره الصغير
في حيوية الألم
هكذا كان الفتى
بورجوازيا في الجرح
وامبرياليا في الوجع
أوصته أمه
أن يتأكد من بياض النهار إذا صافحه الليل
وأن يتأكد من وضوح الشموس
إذا تدلت فجأة على أصابعه
لهذا
خبأت في جيبه مرآتها المكسورة
لا لكي يرى صورته فقط
بل كي يتذكر شهيق كلماتها
وهي تتدحرج على وجهها المصقول
2-
بعد أن يكبر الحاكم أو يشيخ
تصغر الفكرة
ويضيق السؤال
3-
سيدي
خذ مجدك الآن مني
قبل أن أنتصر لهزيمتي الأبدية
خذ مجدك الآن
أنا لحظتك الفائرة
أنا سيفك البتار
وفرسك الأبجر
خذ ما تشاء الآن
فلك المجد
لك كرسي المكان والزمان
لك البلاط الصقيل
وها هم الشعراء والفقهاء والمهرجون والمضحكون والراقصون
واقفون بالباب
يحرسهم سيافك الحبشي
لا بسيفه المسنون
ولكن بنظراته السوداء العصية
وبإشاراته الصاخبة
سيدي
لك المجد كله
أعددت شراييني طوع يمينك
لتغزل منها نسيج صوتك الشجي
أو لتغزل منها حبالا لمشنقة
سأطيعك ما حييت
أنا حد سيفك
ولساني كلماتك الفاتنة
فابطش بي ما تشاء
أو ابطش بهم
فيداك المباركتان
جنتان من ذهب
وعيناك صافيتان
كقطيع سماوي
سيدي
أأصب لك كأسا من عصير مخيلتي؟؟
أنت الوالي والولي والحاكم الأوحد والخليفة القادم
في ركابك نمشي جميعا
نحمل ظلك
نغسل في ينابيعه رؤوس خطانا
ونأكل ونشرب من قمحه الطويل
كغابة منسية لم تشذبها يد الخريف بعد
خذ مجدك الآن
لا فرق بين سنة واحدة أو ثلاثين سنة
فالمجد حين يأتي
يأتي خارج الزمن
وخارج الحلم
وخارج الإنسان
سيدي
القطيع مجرد جماجم
وألسنة
فاحشوها بما تشاء
بكلام، أو خطب، أو بوعود ما بعد القيامة
وبما تحشوها سوف تنطق
وتطيع
سيدي
خذ مجدك الآن
الكرسي جاهز
وعلى رقابنا
تنمو حناجر الصولجان
4-
حين تعلو السماء أكثر
حين ينتصف الوقت في لحظات عينيك
حين تضللني الأرض بين جهاتك
حين أستعيد لمستي من يد القدر
حين أغوي شباك بنت الجيران بوردة
حين أطأ غيمة في بال بالك
حين أستعجل البستاني في تقليم أشجار روحي
وحين أرشو البائع على الرصيف بخمسة جنيهات
كي ينادي باسمي على عناقيد الفل
وحين أقبل السيارات العابرة
وكراسي المقهى
وورقي الأبيض
ودخان سيجارتي
ومنديل أمي
وخاتم أبي الراحل
ولعبة ابنتي الصغيرة
وكراسة الرسم في غرفتي الطفولية في الذاكرة
وحين ألمس وجه ابنة عمي مرتين
وحين أنسى فمي على شفاه ابنة الليل
أكون قد شكلت زمنك الجديد
في جرعة صغيرة من التخيل
تلحسها حواسي
في مهب لحظة ما.. تسرقني مني
في آخر النهار
التعليقات