هل ثمة صراع فكري بين الهوية والعولمة؟
هل تحدد الهوية مجالات الاختيار من منجزات العولمة التي شكلتها آليات الاتصال والتقنية، ونزوع العالم صوب التعايش ضمن إطار ثقافة موحدة، أو على الأقل ثقافات متقاربة؟
وكيف يمكن للتقاليد والأعراف أن تعطي للهوية زخمها وحضورها؟ مقابل سلطة العولمة وأنظمتها وآلياتها؟ وهل يمكن أن تحدّد الهوية من الطموح النهضوي للشعوب النامية؟

هذه الأسئلة وغيرها ستكون مثار بحث ونقاش خلال اللقاء الوطني للحوار الفكري الذي ينظمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني خلال يومي 1-2 يونيو 2010 في الرياض.

ويشارك أكثر من 70 مثقفة ومثقفا سعوديا في قراءة هذه الرؤية الجدلية بين الهوية والعولمة من خلال لقاء يحمل عنوان:quot; الهوية والعولمة في الخطاب الثقافي السعوديquot; وعلى الرغم من قلق العنوان الذي اتخذه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ليناقش تمظهرات الخطاب الثقافي وتجدداته، حيث إن الهوية لا تشكل أفقا ثابتا يمكن أن يرادف الأصول أو التقاليد، خاصة في عالم تفرض قيم الاتصال عليه قيما جديدة يمكن أن تغير من مسمى الهوية إلى هويات متعددة داخل النسق الوطني، كما أن quot; العولمةquot; هي منظومة متجددة من إسهامات الشعوب سواء متقدمة أم غير متقدمة، وبالتالي فإن منجزها هو منجز كوني لا تقف أمامه الثقافات منعزلة في عصر السماوات المفتوحة، وبالتالي فإن وضع الهوية مقابل العولمة سيبقى محل نظر، حتى تضع الكلمات أوزارها في هذا اللقاء الذي سيكون مشدودا إلى تقاليد وقيم مجتمع لا يزال محافظا، ولا يزال يتوجس خيفة من منجزات الآخر الفكرية.

إيلاف تستطلع رأي عدد من المثقفين والكتاب حول عقد هذا اللقاء وحول تجديد الخطاب الثقافي السعودي.

في البدء يتحدث الشاعر محمد زايد الألمعي قائلا: أعتقد إذا لم يكن هناك مناخ مؤسسي ملائم سينصرف كثير من الناشطين إلى بيئات أخرى تخالف المنبت الثقافي للفرد. الفرد ليس مؤسسة، والمؤسسة هي التي تنجح في إبعاد المثقف عن شبهة الحد من استقلاليته ، لدينا مشكلة في مؤسسات الثقافة التي يجب أن تكون مؤسسات مجتمع مدني .
من جانب آخر ndash; يضيف الألمعي- لا يستطيع اي تجمع مثقف تشكيل أي تكتل فينصرفون إلى العمل الفردي، فلدينا بيئات طاردة للاعمال الجماعية سواء كانت على شكل أدبي أو إبداعي .
لنأخذ مثلا محمد عابد الجابري الذي أثار الكثير من الأسئلة حول التراث والنهضة يظل ظاهرة فردية لا مؤسسية .

أدونيس أيضا هو مؤسسة وفرد وليس نتاج مؤسسة ، وأطروحته الأكاديمية أطروحة فكرية أكثر منها جامعية.

ولنقل ذلك أيضا في جامعاتنا عن تركي الحمد أو خالد الدخيل ، فكل منهما يمثل ذاته وليس الجامعة ، أما محمد أركون ndash; مثلا- فهو ملتزم بصرامة بكرسيه الجامعي ولكن الجامعة تمنحه استقلاليته الفكرية.

ومن هنا فإن تجديد الخطاب الثقافي وقراءته من جديد مرهون بتطوير المؤسسة الثقافية وتحويلها إلى مؤسسة مجتمع مدني.

ويؤكد الروائي منذر قباني أن المسؤولية مشتركة بين المثقف والمؤسسات الثقافية المختلفة، فلا يمكن توقع تطوير ثقافي من دون هذه الشراكة. إن المؤسسة ترعى المثقفين بحيث يسهمون في إعلاء شأن الثقافة في البلاد، وأرى أن تجديد الخطاب الثقافي وتطويره يتطلب أمرين، الأول: تفعيل المؤسسات الثقافية الخاصة بالمجتمع المدني، فالمؤسسة الرسمية بيروقراطية لا يتوقع تطويرها، أما في المؤسسة المدنية فيكون مسؤولوها منتخبين من قبل المثقفين، سواء أندية أدبية أم جمعيات ثقافية أم اتحاد كتاب في المستقبل، ولهذا سيقومون برعاية مصالح المثقفين وإذا فشلوا سيتم إسقاطهم، ويكونون محاسبين في تفعيل حقيقي للمؤسسات المنتخبة.

الأمر الثاني: لابد من إعطاء المثقف قيمته والاهتمام بالمثقف المحلي، حيث لا يوجد اهتمام ولا يشعر المثقف السعودي بحضوره وتكريمه بما يكفي . وأن تشارك كل الأجيال بحيث يكون هناك تكامل وتفاعل بين أجيال المثقفين والاعتماد على حيوية وعطاء الجيل الجديد وإلغاء سياسة الإقصاء التي تمارس ضد الأجيال الجديدة، وأن يكون صوت المثقف مسموعا بحيث لا يجلس في برج عاجي وأن يشارك في مختلف الفعاليات الثقافية ليستطيع إيصال صوته للآخرين.

وفيما تؤكد الروائية صفية باسودان أن الالتزام بالمبدأ هو أساس تجديد الخطاب الثقافي، والحوار حوله بشكل حقيقي لا مواربة فيه، وأن هذا التجديد عليه أن يقرأ معوقات الماضي أولا ثم ينطلق إلى معانقة الجديد واستلهام المنجزات الثقافية الوطنية، يرى الروائي أحمد الدويحي أن تجديد الخطاب يبدأ من تجديد المؤسسة الثقافية ونظرتها إلى الواقع الثقافي والمثقفين، فالمثقفون ليسوا مجرد أرقام بل هم ذوات متعددة، مختلفة، ولهم هوياتهم الثقافية والفكرية التي تتكامل في معانقة اللحظة الوطنية، ومن هنا فإن الثقافة القائمة على التنوع والتعدد هي التي ستدفع صوب التجديد دون هيمنة تيار على آخر، أو فرض فكرة على فكرة أخرى.

وطالب الدويحي المؤسسات الثقافية أن تتخلص من بيروقراطيتها في التعامل مع القضايا الثقافية ومع متطلبات المثقفين.

ويرى الروائي محمد المزيني أن مسألة الخطاب لم تتحدد أصلا، فبالنسبة إلينا فقد تلقينا هذه المفردة وفرحنا بها كما نشاء، فهناك الخطاب الثقافي، والخطاب الإسلامي الديني، والخطاب الإبداعي فأصبح عندنا أكثر من خطاب، ومشكلتنا تتبدى في تحديد المصطلح فهناك مشكلة مع المصطلحات والمفاهيم في العالم العربي، وفي نادي تبوك الأدبي تحدثوا مؤخرا في ملتقى الخطاب الثقافي عن الخطاب الإبداعي ، ولا أدري ما هو المصطلح بالضبط هل هو وعي وثقافة المجتمع؟ أم العادات والتقاليد أم ثقافة المؤسسات؟

ماذا يعني الخطاب ndash; يتساءل المزيني- نريد تحديد المصطلح بدقة. نحن في دولة تعتمد تطبيق الشريعة الإسلامية، والقرآن والسنة هما مصدر التشريع الأول، فعن أي خطاب نتحدث، وعن أي منظومة؟

وأضاف المزيني: انا أصاب بحالة من الشك إزاء هذا الخطاب غير المحدد، ونحن مرّ علينا كثير من المصطلحات لم تحدد هويتها: الحداثة، العلمانية، الإسلاموية ، الصحوية، الإرهاب، ثم نأتي الآن إلى الخطاب.. كل ما نحتاجه ndash; يختتم المزيني- هو تحديد مفهوم الخطاب الذي ربما يكون محددا في الثقافة الغربية عند ميشيل فوكو أو دولوز، لكن متى يصبح المتلقي العادي على وعي بالمصطلح، سيتحدد تجديد الخطاب وهل هو مسؤولية المثقف أم مسؤولية المؤسسة الثقافية؟