حوار مع الإعلامي الأديب علي الرباعي:
اكتشفت في الرموز من التجاوزات والانتهاكات والنيل من الحرمات ما أشعل الرأس شيباً
bull;استشعرت خطر تضليل بعض الصحويين، وتكالبهم على جني أرباح المرحلة.
bull;حين ترجّلت من منبر الجمعة كنت موقناً أن الأزمة في خطابنا التخديري، وأن معظم حضور الوعظ والجمع ضحايا.
bull;الصحويون يبررون إشعال فتيل الجحيم في الدنيا بطمعهم في النعيم في الآخرة.
bull;المرأة قبل الصحوة كانت حاضرة في المرعى والمزرعة والوادي والجبل وتحظى بكامل احترامها، وتحتفظ بأدق تفاصيل براءتها وعذريتها.
bull;الصحوة فرقت بخطابها بين الأخ و أخيه، والأب وابنه، وعزلت النساء عزلاً شوفينياً.
bull;الصوت المغاير لأدبي الباحة مقلق ولذا يتبنى فكرة تقديمه قرباناً.
عبدالله السمطي من الرياض: هو اليوم شاعر وقاص وناقد وإعلامي وباحث يرصد التحولات الفكرية بالسعودية، يقف مع الصورة والمخيلة والتجريب في مواجهة التكلس والنكوص، بالأمس كان على منبر الوعظ خطيبا قرابة خمسة عشر عاما، تجربته الصحوية كشفت له عن أشياء مجهولة، وتحوله منذ سنوات إلى تجربة نقيض جعلته يرى العالم من منظور آخر أكثر حداثة ووعيا بالأشياء.. الدكتور علي بن محمد الرباعي صاحب تجربة مثيرة، ينقلها لنا في هذا الحوار الذي يجيء بعد إصداره كتابه المثير:quot; الصحوة في ميزان الإسلامquot; وهو عنوان دال يشير إلى مرحلة جديدة بعد أن كان كل جديد مفاهيمي أو تقني يقاس بمعايير الصحوة والصحويين الذين كانوا يطففون على الناس بموازينهم المتشددة، واليوم ترد الكرّة فتقاس الصحوة بميزان الإسلام !!
الرباعي يؤكد في حواره على أنه استشعر خطر تضليل بعض الصحويين، وتكالبهم على جني أرباح المرحلة، وتملص البعض من أخطاء بل وخطايا لا يغتفرها العقلاء، ويشير إلى أن بعضهم في ظاهرهم ملائكة وفي باطنهم شياطين تحلل جل ما تحرّمه الشرائع وتبيح لنفسها اللذة في ذروة درجاتها.
الرباعي يمضي إلى الماضي فيذكر أن السعوديين قبل زمن الصحوة بلغوا مرحلة من الوعي تؤهلهم للتقدم نحو الأفضل وتحقيق تطلعات ومكتسبات حضارية بدلاً من النكوص للوراء والعودة للمربع الأول وهذا ما حدث بالضبط على يد منظري الصحوة. كما أن المرأة السعودية كانت حاضرة في المرعى والمزرعة والوادي والجبل وتحظى بكامل احترامها، وتحتفظ بأدق تفاصيل براءتها وعذريتها
يجول الرباعي أيضا في بعض القضايا الثقافية حول موقفه من نادي الباحة الأدبي، وآفاق نصه الشعري، وموقف الصحويين منه، وجديده الإبداعي، وهذا نص الحوار:
-يثير كتابك الجديد :quot; الصحوة في ميزان الإسلامquot;حالة نقيض فكري مع ما طرح من عناوين أخرى قدمها الصحويون حول الموقف من الحداثة، أو ما بعد الحداثة، أو العولمة، حيث كانوا يضعون موازينهم في مقابل التجديد والإبداع.. كيف وضعت ميزانك هذا.. وهل الصحوة هنا نقيض لمفاهيم الإسلام؟
-حين تتملى جيداً ما حولك، وترصد مشهدنا السعودي عبر ثلاثة عقود ستنجلي لك حقيقة التحولات التي مررنا بها، ويمكن لمن فتح الله عليه ومنحه قدرة على استعادة ماضيه بكل ما اكتنفه من تشويش يقارب القبح أن ينفض عن عينيه غشاوة التقليد، ويتحرر من التبعية للحزب، أو التيار، أو المجتمع ليكون مستقلاً في رأيه بعيداً عن كل المؤثرات، لا أخفيك والقارئ الكريم أني استشعرت خطر تضليل بعض الصحويين، وتكالبهم على جني أرباح المرحلة، وتملص البعض من أخطاء بل وخطايا لا يغتفرها العقلاء، وكما قال الراحل غسان كنفانيquot; حين تستشعر المأساة بادر إلى المغامرة، لعلي وضعت الميزان في هذه النقطة تحديداً، في المرحلة المؤهلة لتقديم شهادتي كون رموز الصحوة ومجايلي على قيد الحياة ويمكنهم الرد والتصحيح أو تخطئتي، ولعلي حين استعيد إيمان وتعامل أبي وجدي قبل ما يعرف بالصحوة أجده أقرب وأشبه حد التطابق مع إيمان وتعامل الأنبياء والصالحين، فيما أجد في خطاب الصحوة خير مثال على مقولة ونظرية الظاهراتية، فبعضهم في ظاهرهم ملائكة وفي باطنهم شياطين تحلل جل ما تحرّمه الشرائع وتبيح لنفسها اللذة في ذروة درجاتها.
علي الرباعي |
-هل أثرت تجربتك الشخصية مع عالم الصحوة على توجهك الضدي هنا.. هل تكشفت لك بعض الأمور والمفاهيم المغلوطة؟
-يا صديقي لا مفر في لحظة حاسمة من أن تكون صادقاً مع نفسك، ومع الآخرين، وحين ترجّلت من منبر الجمعة كنت موقناً أن الأزمة في خطابنا التخديري، وأن معظم حضور الوعظ والجمع ضحايا وقابلين للازدواج ببركة تيار يوهمك أن بيده مفاتيح الجنة، وأنه لن يدخلها إلا من رضوا عنه تلك أمانيهم، اكتشفت في الرموز من التجاوزات والانتهاكات والنيل من الحرمات ما أشعل الرأس شيباً، ولا زلت أتمنى أن أكون فعلاً لا رد فعل، وحين ترصد تجليات الخطاب الوعظي سترى بوضوح أن هناك وثوقية تامة تنطلق من عاطفة ظنية، ولعل أبرز ما استوقفني أن الصحويين يبررون إشعال فتيل الجحيم في الدنيا بطمعهم في النعيم في الآخرة، ويسوقون لتثوير المجتمع ضد بعضه، ليحصدوا المغانم، ومن عجب أن بعضهم يوهمك أنه يمكنه أن يوصلك الجنة على طريقته وهو لم يملك بعد حق دخولها.
-في كتابك تؤكد على أن المجتمع السعودي عاش حالة ثقافية وفكرية متطورة متقدمة في الستينيات والسبعينات من القرن العشرين ثم نقض الصحويون هذه الحالة.. كيف ذلك؟
-ربما هذه إشكالية لم تصل رسالتي من خلالها بوضوح تام، فأقول نعم المجتمع السعودي بحالة تعايش تام ومنسجم مع ذاته ومع الآخر، كنت طفلا في الستينات، وشاباً قروياً في السبعينات، وكنت أرى قريتي وقبيلتي نموذجيتين في تطبيق quot; العرفquot; بآلية تتوافق في معظمها مع رؤية المجتمع المدني، وكانت المرأة حاضرة في المرعى والمزرعة والوادي والجبل وتحظى بكامل احترامها، وتحتفظ بأدق تفاصيل براءتها وعذريتها، ولم نكن نسمع بالتصنيف والتكييف والتطييف حتى جاءت الصحوة ففرقت بخطابها بين الأخ و أخيه، والأب وابنه، وعزلت النساء عزلاً شوفينياً، من هنا أقول أن السعوديين على المستوى الاجتماعي بلغوا مرحلة من الوعي تؤهلهم للتقدم نحو الأفضل وتحقيق تطلعات ومكتسبات حضارية بدلاً من النكوص للوراء والعودة للمربع الأول وهذا ما حدث بالضبط على يد منظري الصحوة الذين استغلوا حالة استعداد السعوديين للتلقي والاستجابة للفكرة الصحوية فبادروا لها وغدا المجتمع في معظمه تبعاً لخطاب وتوجهات المرحلة إما اختياراً أو اضطراراً.
-كيف تنظر إلى حالة الدعاة والوعاظ اليوم خاصة حين دفعوا بالمجتمع إلى ظاهرة الفتاوى الساخرة؟
-يا صديقي لعبة التيارات مع السلطة، ومنهجية تقاطع المصالح، غدت أجلى من أن أجليها في حوار، وللفيلسوف الكندي مقولة مفادهاquot; من تاجر بدينه باعه بأبخس الأثمانquot;، تخبط علمائنا ومفكرينا ومثقفينا هو نتاج غياب الإستراتيجية السياسية والقانونية اللتين تحددان صلاحية كل طرف وتقننان عقوبات للمتجاوزين بأي أطروحة تتنافى مع القانون والتشريع النظامي، مجتمعنا مدخلاته متخبطة ومخرجاته أشد تخبطاً ولا أسوأ من أن يلعب صاحب سلطة بالتيارات لأنه يمكن لها يوماً أن تتحالف وتلعب به. معجب الزهراني
-ما موقف الصحويين من كتاباتك بوجه عام؟
-لعله ليس هناك موقف معلن، إلا أن البعض منهم استثاره العنوان، لكنه حين قرأ التفاصيل لم يجد الشيطان كامناً فيها، فالتمس بعضهم لي عذراً، ويكافح البعض في سبيل الابتسار وتلفيق تهم تودي بي إلى السجن أو الفصل من العمل، ولعل أصحاب القرار أوعى من لفيف بضاعته الاستدراج وتحميل النص ما لا يحتمل، وسأظل أحمل في نفسي مساحة للحب والاحترام والاختلاف مع الصحويين برغم نزق وأنفة بعضهم كوننا جميعاً نريد الله والدار الآخرة.
-تثير إعلاميا قضايا مختلفة.. هل ما تطرحه بمثابة بحث عن الحقيقة أم بحث عن الإثارة؟
-تعلم أكثر مما أعلم أن الإثارة غير مقصودة في ذاتها، وحين تتبنى موقفاً ثقافياً أوإنسانياً يفترض أن تدافع عنه، وتتبنى وجهة نظر المؤيدين له، إلا أن الطرف الآخر بما أوتي من سلطة أو تسلط يمارس معك آلية الخناق بالعناق ويجهد في سبيل منع الصوت من ملامسة أسماع الناس، ولا زلت أؤمن أن الإعلام بطل حقيقي متى ما تعاطف مع البسطاء والمشاريع الخلاقة لأن السلطة لها وسائلها وبطانتها وجماهيرها، والإعلام المستنير خير بطانة لصوت الحقيقة.
-على الرغم من أن نادي الباحة الأدبي يوجد في منطقة قروية شاعرية هادئة لماذا هذا الضجيج الدائم على الرغم من أنه يقدم نشاطا متميزا خاصة ملتقى الرواية؟
-لا خلاف على تميز أدبي الباحة في ملتقى الرواية، والبركة طبعاً في اللجنة الاستشارية بكل أطيافها، إلا أن أدبي الباحة من خلال مجلسه الحالي يرى أن الصوت المغاير له مقلق ولذا يتبنى فكرة تقديمه قرباناً بذريعة أنه ضد السلطة وضد المنطقة وأيم الله أني وأصدقائي المخرجين من المؤسسة أشد انتماء لوطننا وأكثر تجاوزاً لمن لا يستطيعون التفريق بين الولاء والانتماء.
-هل خدم النادي الأدبي أدباء المنطقة وأبرز أعمالهم الإبداعية أم أنه يؤثر احتضان من هم خارج المنطقة؟ هل هناك أوصياء من خارج المنطقة كما ذكر د. جمعان الغامدي؟
-أنت يا صديقي كنت مدعواً لتقديم ورقة عن شعراء عدة في أدبي الباحة، حينها روّج الرئيس الحالي الشاعر الصديق حسن الزهراني أنك أتيت لتقرأ شعره، وقلت ليلتها للأستاذ حسن ليت أنك لا تحضر لتمنحنا فرصة النقد والاستماع لرأي السمطي فيك بعيداً عن المجاملة والحرج، فلم يذعن لوجهة نظري، وأول ما تفاجئنا به أنك تناولت تجربة عدد من الشعراء من بينهم الصديق حسن، وللحق أن الرؤية الحضارية من مجلس أدبي الباحة غير متوفرة فهم يضعون ضوابط للمشاركة في الفعاليات غير موجودة في الأندية الأدبية الأخرى، ومنها تقديم الاعتذار لمجلس الإدارة عن كل نقد وجهناه لهم، ما حمل الأصدقاء الدكتور معجب الزهراني، والدكتور صالح معيض ومدير عام الأندية الأدبية الأستاذ عبدالله الأفندي على معاتبتهم بل ولومهم وتخطئتهم وهذا مثبت بلسان الأصدقاء ونقلوه لنا حرفياً، ومن هنا ستظل مشاركتنا معلّقة على تقديم الاعتذار، أو الانتظار لما يأتي.
-في شعرك قدر من الوجازة والقصر، وفيه حالة من التقشف الجمالي.. كيف تصمد قصيدتك في ظل الهيجان الإبداعي وطوفان السرد؟حسن الزهراني
-كل من يرى نفسه مؤهلاً لكتابة ما لا يفكر كثيراً في ردود الفعل والصمود والتصدي، أصدقك القول أني لست ممن يدّعي قطف الثمار الأولى كل صباح، إلا أني أدّعي بكل غرور إجادة التعاطي مع بكارة الأشياء حتى مغرب الشمس، والديوك هي الوحيدة التي تظن أن سطوع ضوء الشمس يرتبط بصياحها.
-ما هو جديدك القادم؟ صالح الغامدي
-نفسي تحدثني بأن أصمت لفترة طويلة وأكتفي بالتأمل، وأرشيفي يغريني بوضع لبنة أخرى في مشروع قراءة الفكر والتحولات، وتعرف أن من حضر يفتقد وأنا لا أحب أن يفتقدني وطني مع إيماني بتورطي في الأخطاء إلا أنها ورطة بيضاء وأخطاء ناصعة الخطى كونها تصدر بوعي ودون سبق إصرار وترصد وكما قلت في نص موجه للصديق غرم الله الصقاعي quot;إن ضاقت الدنيا بنا اتسع الكلامquot;.
التعليقات